وصف بأنه كاهن معبد الحب، وكان من الروائيين العرب المهمين الذين تناولوا الحب بصورة مختلفة فى كتبهم، ورسم طريقا إلى التحرر الفكرى والاجتماعى والأدبى، إنه الأديب الكبير إحسان عبد القدوس، الذى تحل اليوم ذكرى رحيله الـ31، إذ رحل فى 12 يناير عام 1990، عن عمر ناهز 71 عاما.
وعلى الرغم من جرأة ما تناوله إحسان فى رواياته وقصصه، إلا أنه نشأ فى بيت جده لوالده الشيخ رضوان، والذى تعود جذوره إلى قرية السيدة ميمونة بـ زفتى فى الغربية، وكان من خريجى الجامع الأزهر ويعمل رئيس كتاب بالمحاكم الشرعية، وهو بحكم ثقافته وتعليمه متدين جداً، وكان يفرض على جميع العائلة الالتزام والتمسك بأوامر الدين وأداء فروضه والمحافظة على التقاليد.
وفى أواخر أيامه عرف عن الروائى الكبير التزامه، وربط البعض ذلك لمصاهرته الشيخ محمد الغزالى، ولكن الحقيقة التى تكشفها مواقفه تثبت أن الرجل عاش كما يروق له وكما ارتاحت أفكاره، ولم يتبن أى فكر إلا كان متفقا مع تفكيره وشخصيته، وفى التقرير التالى نرصد علاقة الروائى الراحل بعدد من الشخصيات الإسلامية:
حسن البنا
وذكر الصحفى محمد الشناوى فى المذكرات التى كتبها عن لسان إحسان عبد القدوس والتى نشرتها مجلة الجديد عام 1973، كواليس لقاء الروائى الكبير بمؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا، حيث قال: كان لقائى الأول مع حسن البنا فى بدايات عمل جماعة الإخوان، وكان مبعث اهتمامى بالإخوان تأكيدهم على مبدأ الشورى المعروف فى الإسلام الذى يرفض ضمنيا النظام الملكى الوراثى فقررت التعرف عليهم عن قرب، فكنت أول صحفى يلتقى بحسن البنا وأجريت معه الحديث المشهور الذى نشر بعنوان (الرجل الذى يقود نصف مليون).
وكان الهدف الأول من اللقاء التعرف على حقيقة هذه الجماعة ومدى ثوريتها وفهمها لظروف المرحلة التى يجتازها الواقع المصرى، كنت أريد معرفة طريقة تفكير البنا ومنهجه.
إلا أننى لم أجد لدى جماعة الإخوان ما كنت أبحث عنه، كنت أريد خطوطا واضحة مفصلة ولم أجد لديهم سوى وجهة نظر عريضة وغائمة فى كثير من نواحيها، كما أننى لم أجد من يقنعنى هناك سوى شخصية حسن البنا نفسه، رغم أننى أخذت عليه يومها محاولته إقحام النصوص الدينية فى الحوار بشكل يفرض على الاستسلام لوجهة نظره، وهو أسلوب لا أستريح له فى أى مناقشة فكرية.
وإن إدخال ما لا يقبل الجدل والمناقشة ضمن الحوار بين طرفين فيه نوع من الإرهاب الفكرى ويسلب الحوار حرية الحركة بين المتحاورين، كما أننى رفضت بشدة كل المحاولات العديدة التى حاولها حسن البنا لضم إلى جماعة الإخوان كعضو منظم فيها.
محمد الغزالى
محمد عبد القدوس نجل الأديب الكبير إحسان عبد القدوس، متزوج من ابنة الشيخ الغزالى، وكان الزواج يبدو غريبا بين مدرستين مختلفتين فى الفكر والرؤى الشيخ الغزالى الذى سماه والده تيمنا بالإمام أبى حامد الغزالى رحمة الله عليه ليصبح من رموز الفكر الإسلامى اجتهادا وتأثيرا وبريقا، على الجانب الآخر كان كاتبنا الكبير إحسان عبد القدوس بكل ما حمله من الجرأة والشجاعة فى مواجهة قضايا المجتمع فى رواياته التى سافر فيها إلى آفاق بعيدة فى التحليل والخيال والمشاعر.
ويحكى الكاتب الصحفى محمد عبد القدوس فى إحدى حوارته سر هذه الزيجة: “أنا من جيل هزيمة 1967، وهذا الجيل شهد انهيار الاشتراكية والتوجه نحو الدين، وفى أيام الرئيس السادات تم تعيين الشيخ محمد الغزالى إماما وخطيبا لمسجد عمرو بن العاص، وكنت معجبا به ومتابعا له، وقتها كنت صحفيا تحت التمرين فى جريدة “أخبار اليوم”، فتم تكليفى بتغطية أخبار ولقاءات الشيخ محمد الغزالي، فتوطدت علاقتى بالشيخ وكنت أزوره كثيرا، وذات مرة زرته فى بيته وتعرفت على أسرته، وحين شاهدت ابنته عفاف خفق قلبى وتمنيتها زوجة، لما كشفت عن رغبتى صدمت الأسرتين معا.
فأفراد أسرتى استغربوا وتفاجئوا ورددوا جملة كنت أسمعها كثيرا آنذاك وهي: “كيف سيتزوج ابن نادى الجزيرة من ابنة الشيخ؟ وكيف ستقيم معنا فى ظل اختلاف طبيعة الأفكار؟!".
وحين سأل محمد عبد القدوس: كيف وافق الشيخ الغزالي؟، فأجاب: "لم يوافق الشيخ بسهولة، لكن مع إصرار ابنته وافق أخيرا، فهو كان يحب ابنته كثيرا وكان أيضا من النوع الذى يحترم حرية المرأة".
الشيخ كشك
حكى الكاتب الصحفى حلمى النمنم، وزير الثقافة الأسبق، فى إحدى مقالاته أن الأديب الكبير إحسان عبد القدوس تعرض شخصيًّا وتعرضت أعماله لهجوم حاد من بعض المتشددين والمتطرفين، لنتذكر أن الشيخ عبدالحميد كشك -رحمه الله - استهدف إحسان بحملات هجوم ضارية فى خطبة الجمعة بمسجد «عين الحياة»، سنوات السبعينيات، وكان الشيخ كشك من المنخرطين فى جماعة الإخوان.
ويعرف المتابعون أن تلك الحملات شملت آخرين من المبدعين، مثل أم كلثوم وعبدالحليم حافظ ونزار قبانى وطه حسين ونجيب محفوظ، وكانت تلك الحملات بداية موجة تحريم الفنون ومعاداة الآداب، وانتهت باعتزال عدد من الفنانين والفنانات واغتيال فرج فودة ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ، وكان ذلك سبباً قوياً من أسباب تراجع القوة الناعمة لمصر، داخل المجتمع المصرى ذاته وفى عالمنا العربى كذلك.
مصطفى محمود
حكت السيدة زينب حمدى، زوجة المفكر الإسلامى الراحل مصطفى محمود، فى إحدى حواراتها: أن الدكتور مصطفى كان يحب الرئيس الراحل محمد أنور السادات كثيرًا، حيث إنه دائمًا كان يقول أنه يتمتع بدهاء عالى وخفة دم وحنكة سياسية، وكانت علاقة صداقة قويه تربطه بإحسان عبد القدوس والشيخ متولى الشعراوى، مشيرة إلى أنه لم يحب فى حياته سيدة مثلما أحب شقيقته "ذكية" التى كانت تكبره بسنوات ولكنها تولت تربيته ورعايته منذ الصغر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة