"قلنا هنبنى وادى احنا بنينا السد العالى".. رحلة كفاح ومسيرة عمل للمصريين الذين بنوا السد العالى والذى تحل ذكرى افتتاحه فى 15 يناير عام 1971 ، وفى هذا الصدد التقى "اليوم السابع" مع أحد بناة السد وهو محمد عبد الله مله من محافظة أسوان.
يجلس الحاج مله فى منزله وحيداً بعد أن تزوج أولاده ورحلت عنه زوجته ومر 15 عاماً على خروجه للمعاش، يسترجع ذكريات الكفاح والعمل فى إنشاء السد العالى مع زملائه الذين ضحوا بدمائهم وأسرهم الذين عاشوا معهم ثم انتقلوا إلى أسوان للمشاركة فى مستقبل مصر وإنشاء أكبر مشروعات السدود على مستوى العالم آنذاك.
الحاج-مله-يسترجع-ذكريات-بناء-السد-مع-أحد-أبناءه
محمد عبد الله مله، أحد بناة السد العالى، والذى تخطى عمره 70 عاماً، يحكى لـ"اليوم السابع"، ذكرياته مع السد العالى قائلاً: "تعينتُ بالسد العالى عام 1965 ، بعد انتهاء الدراسة فى مدرسة كوم أمبو الثانوية الصناعية، وقبل الالتحاق بالعمل تم إعدادنا من خلال مركز تدريب قضينا فيه مدة 6 أشهر، ثم توجهنا إلى أماكن العمل بموقع السد العالى، وتوجهت أنا إلى تخصصى بالتركيبات الكهربائية".
وتابع أحد بناة السد، بأن المعدات الكهربائية كانت تأتى من الاتحاد السوفيتى آنذاك، ويتم إنشاء القواعد اللازمة لتركيبها ثم يتم توصيلها لتكون جاهزة لتوصيل الكهرباء بعد الانتهاء من بناء السد.
أحد-بناة-السد-يروى-قصة-كفاحه-مع-إنشاء-السد
وأشار إلى أن أسوان قديماً لم تكن بحجم العمران والصناعة التى أصبحت عليها منذ تاريخ بدء العمل فى السد العالى والتى تحولت إلى طفرة صناعية واقتصادية وعمرانية كبرى بفضل إنشاء السد العالى، فتم إنشاء المستعمرات العمرانية لاستيعاب العاملين فى إنشاء السد فأنشأت "كيما بمستعمراتها ومناطقها المختلفة ومستعمرة السد وصحارى والسيل والشيخ هارون ومدينة ناصر وغيرها.
وقال مله: كان العاملون فى السد يبدأون العمل مع فجر كل يوم جديد ويبدأ يوم العمل فى إنشاء السد العالى يومياً مع دقات الساعة السادسة صباحاً ويستمر حتى الساعة الرابعة عصراً ، وليست كعادة أى عمل أن العامل يعود إلى منزله فى نهاية اليوم مرهقاً ولكن الواقع كان جميل والحلم كان أجمل فكان هناك شوقاً للعودة إلى العمل فى يوم جديد لاستكمال بناء السد.
السد-العالى
وأضاف أحد بناة السد، أنه أثناء العمل الذى كان يجرى على قدم وساق لاستكمال المشروع القومى العظيم، كان يفاجئ العاملون فى إنشاء السد بزيارة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وعدد من المسئولين سواء الدوليين مثل خرشوف رئيس وزراء الاتحاد السوفيتى وقتها، أو ملك المغرب أو مسئولين حكوميين بمصر مثل صدقى سليمان وزير السد العالى آنذاك، وكان هذا وحده حافزاً كبيراً للعمل فى المشروع.
وعن رواتب العاملين فى السد، أوضح "مله"، بأن غالبية العاملين فى السد يتقاضون مبلغ 12 جنيهاً فى الشهر، وكان المميزون يتقاضون 15 جنيهاً، معلقاً: "وكنتُ أنا واحد من هؤلاء الذين يتقاضون الـ15 جنيهاً"، موضحاً بأن هذا المبلغ خلال هذا التوقيت كان كبيراً جداً فمنهم تزوج وأسس منزله، وكان الحافز 3 جنيهات فقط فى الشهر، وبدل الغذاء كان 3 صاغ، مؤكداً أن الحافز الأكبر بعيداً عن الراتب هو العمل فى هذا المشروع القومى الذى كان بمثابة تحدى مع أطراف عملاقة مثل البنك الدولى وأمريكا بعد رفض التمويل، حتى جاء الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بقرار تأميم قناة السويس وأنشئ السد من أموال المصريين.
تصريح-دخول-العمل
وعن أسرته، استكمل مله الحديث قائلاً: "كنتُ أتقاضى 15 جنيهاً فى الشهر، وكان والدى يلومنى على ما أصرفه من راتبى كله فى الشهر فقرر أن يجمع لى 10 جنيهات من راتبى والخمسة المتبقية هى التى سأنفقها على نفسى خلال الشهر، وبعد فترة جاء لى والدى وقال لى كنت آخذ منك 10 جنيهات فى الشهر والآن أصبح لديك عندى 500 جنيهاً فتزوج منها، ففرحت بهذا المبلغ الكبير جداً فى هذا التوقيت، وبالفعل تزوجت فى فرح لا مثيل له خلال هذا التوقيت، ثم رزقنى الله بالأولاد الذكور والإناث، وعشنا فى منزلنا الذى وهبته لنا الحكومة فى ذلك الوقت بالمجان للعاملين فى السد العالى، ثم بعد فترة تزوج الأولاد ثم رحلت عنى والدتهم، ولم يتبق لى سوى ذكريات الكفاح فى السد العالى".
وأكد مله، أنه حصل على وسام استحقاق وشكر بمناسبة انتهاء العمل فى السد العالى، وأيضاً وسام شكر واستحقاق بمناسبة انطلاق الشرارة الأولى للكهرباء فى السد، وحضر هو وزملاءه العمال احتفالات تحويل مجرى النيل واحتفالات افتتاح السد العالى 1971 ، وحفلات أضواء المدينة التى كان يحيها كبار الفنانين فى مصر على أرض أسوان خلال هذا التوقيت، موضحاً بأن الوقت الذى بُنى فيه السد العالى كان حافلاً بالذكريات الوطنية وروح الكفاح وحب الانتماء والعشق لتراب هذا البلد والتخطيط لمستقبله للحفاظ عليه.
صحفى-اليوم-السابع-مع-أحد-بناة-السد
يشار إلى أن السد العالى أو سد أسوان، أحد أعظم مشروعات السودود فى العالم خلال القرن العشرين، وأنشئ فى عهد جمال عبد الناصر بمساعدة الاتحاد السوفيتى آنذاك، بعد رفض البنك الدولى تمويل بناء السد، للمساهمة فى التحكم على تدفق المياه والتخفيف من آثار فيضان النيل والاستفادة الزراعية والاقتصادية والعمرانية والصناعية منه.
وبدأ بناء السد فى عام 1960 وقد قدرت التكلفة الإجمالية بمليار دولار شطب ثلثها من قبل الاتحاد السوفييتى عمل فى بناء السد 400 خبير سوفيتى وأكمل بناؤه فى 1968، وثبّت آخر 12 مولد كهربائى فى 1970 وافتتح السد رسمياً فى عام 1971، بحضور الرئيس الراحل محمد أنور السادات.
الحاج-مله-يسترجع-ذكرياته-مع-بناء-السد
محمد-عبد-الله-مله-أحد-بناة-السد-العالى
نصب-افتتاح-السد
وسام-استحقاق-بصورة-عبد-الناصر