صدر حديثا عن دار منشورات الربيع ضمن مشروعها لتقديم عدد من أهم الدراسات النقدية، طبعة جديدة من كتاب "مناهج النقد المعاصر" للناقد الكبير ورئيس مجمع اللغة العربية الدكتور صلاح فضل، أحد أهم رموز الحركة النقدية العربية.
يتألَّف هذا الكتاب من عدد من المحاضرات التي ألقيتُ عن مناهج النقد المعاصر، والمحاضرات بطبيعتها تميل إلى الشرح والتبسيط والتقاط ما هو جوهريٌّ. تجري على اللسان بتدفُّق وتلقائية، طبقًا لمقتضيات التواصل وما يبدو في عيون المخاطَبين من فضول أو شغف أو ملل. ومن ثَم فإن العفوية تمثّل سمتها الأساسية.
وجاء على لسان المؤلف: أردتُ أن أحتفظ لهذه المحاضرات بطابعها الشفاهي فلم أتدخل لإعادة صياغتها وتنظيمها بالطريقة الأكاديمية، حتى أستأنف بها نوعًا من الخطاب النقدي الذي طالما استمتع به القراءُ العرب فيما كان يُمليه طه حسين ومحمد مندور على وجه الخصوص، إذ إنني أدركتُ أن سرَّ سيولة كلامهما يعتمد على طريقة إنتاجه عبر الإملاء الشفوي.
مناهج النقد المعاصر
كما جاء في مقدمته لهذه المحاضرات:
"وفي تقديري أن وظيفة النقد المعاصر في مجتمعاتنا العربية تمضي في نفس الاتجاه الذي بدأت به عند الرواد، باعتباره عملًا تثقيفيًّا تنويريًّا يهدف إلى إشاعة الروح النقدية في مختلف مستويات الفكر والممارسة الاجتماعية، لأن دينامية التطور ترتكز على تشغيل الموقف النقدي بأقصى طاقته في مجالات السياسة والاجتماع والثقافة، وتُضيف إليه توجهًا جديدًا هو الذي يميز نقد الآونة الأخيرة، وهو تحديد مفهوم وطبيعة توجهه العلمي بشكل يخالف ما كان عليه حال العلم الإنساني من قبل، فقد خرج من دائرة الفروض الأيديولوجية الضخمة في نظرياته وإجراءاته ليلتمس مدخلًا صحيحًا للعملية المتنامية المتراكمة، متسقًا في ذلك مع منظومة العلوم الإنسانية في حركتها المتواصلة لتعديل استراتيجيتها، كي تتوافق مع التطور المحدث. وكلما أصبح النقد علميًّا وتخلَّص بقدر الإمكان من الفروض الأيديولوجية واتجه إلى المستقبل كان أكثر عمليةً وتواصلًا مع الفكر الإنساني، وأكثر عونًا لنا في الآن ذاته على اكتشاف خصوصيتنا في هذا العصر، واختلافها عمَّا كانت عليه في العصور الماضية.
وحسب هذه الصفحات أن تكون دليلا للقارئ كي يمضي في تعميق معارفه وضبط توجُّهه نحو هذا الأُفق المستقبليِّ دون شعور بالغُربة أو التهميش، لأن حركة الحياة من حولنا تمضي على هذا النحو بالرغم من كل التوترات والتقلُّصات. وثقافتنا العربية جديرة بأن تحتل موقعها في إنتاج المعرفة المعاصرة بالدخول في قلبها والإضافة إليها".