أربعة سنوات فقط قضاها الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته داخل أروقة البيت الأبيض، كانت أقصر من فترات الكثير من أسلافه، الذين نجحوا في الحصول على ولايتين، إلا أنهم ربما شهدوا زخما كبيرا، يفوق عقود توالت خلالها الإدارات بمختلف انتماءاتها الحزبية، في الولايات المتحدة، بين قرارات، اعتبرها البعض "انقلابا" على الإرث الأمريكي، ومعارك سياسية سواء مع خصومه الديمقراطيين، أو الدوليين، لتسفر في نهاية المطاف عن حقبة استثنائية، تطرح تساؤلات عدة عن مستقبل الرجل الذى استطاع أن يخلق لنفسه تيارا منفردا، سواء داخل الحزب الجمهورى الذى ينتمى إليه، أو في الشارع الأمريكي بصورته الكلية، وهو ما تجلى في غضب قطاع كبير من الشارع جراء ما آلت إليه الانتخابات الأخيرة، التي أسفرت عن فوز خصمه الديمقراطى جو بايدن.
سنوات ترامب في البيت الأبيض، انقسمت بين إصلاحات جذرية في السياسة الأمريكية، تجلت في التخلي التام عن نظرية "النفوذ العسكرى"، والتي تقوم على استخدام القوة العسكرية لتوطيد النفوذ الأمريكي، وهو ما بدا في الانسحاب المتواتر من مناطق الصراع، أو الابتعاد عن استرضاء الحلفاء، بصفقات أضرت بالاقتصاد الأمريكي، بالإضافة إلى استحداث رؤيته التي قامت على الربط بين مصلحة المواطن الضيقة بكافة سياسات الإدارة، سواء في الداخل أو الخارج من جانب، بينما اهتم بالتزامن بإصلاح توجهات الحزب الجمهورى، عبر تنحية تيار "الصقور" المتشدد، في انقلاب صريح على الرؤى التي طالما تبناها الحزب، مما خلق الانقسام الراهن، وميلاد تيار جديد يؤمن بأفكاره، يسعى نحو السيطرة على مقاليد الأمور في المستقبل.
ترامب
هكذا ستنقسم سنوات ترامب، في مرحلة "ما بعد البيت الأبيض"، إلى العديد من المراحل، ليصبح رئيسا مختلفا حتى بعد تقاعده، في ظل إيمانه بالكتلة القوية الداعمة له في الشارع الأمريكي، ليصبح ترامب ربما أول أمريكى يشق طريقه السياسى بدءً من العرش، فتصبح رئاسة الولايات المتحدة مجرد بداية، لرجل ربما يستحدث منصب "منظر" السياسة الأمريكية الجديد، على عكس أسلافه، الذين كان خروجهم من البيت الأبيض هي كلمة "النهاية" لطريقهم السياسى، لتصبح سنوات ترامب على العرش هي مجرد "الشوط الأول" من مباراة ماراثونية جديدة في السياسة الأمريكية،
وهنا يثور التساؤل حول الكيفية التي يدير بها ترامب تقاعده، خلال 4 سنوات قادمة، قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، والتي سيكون له، لا محالة، دورا مؤثرا بها، سواء عبر الترشح، تقديم الدعم لمرشح من أنصاره، عبر القيام بدور المعارض "الشرس"، وهو المفهوم الذى غاب عن السياسة الأمريكية في ظل "أناقة" المشهد الذى اعتادت واشنطن تصديره للعالم لعقود طويلة من الزمن باعتبارها "واجهة العالم المتحضر.
استراحة محارب.. ترامب بحاجة إلى مبارة "جولف"
ربما يبدأ الرئيس الأمريكي تقاعده، المرتقب في الـ12 ظهر الأربعاء بتوقيت الولايات المتحدة، بهدنة، يخلد فيها إلى الراحة، بعد سنوات المعارك الشرسة، التي قضاها في صراعاته مع الديمقراطيين، بين محاولات التشويه، وحملات العزل، التي أطلقها خصومه للاقتصاص منه، بتهم عدة، منها التخابر لصالح روسيا تارة، والتحريض على العنف تارة أخرى، والانقلاب على الديمقراطية تارة ثالثة، وغيرها، وبالتالي يبقى في حاجة إلى "راحة قصيرة" قبل أن يخوض "الشوط الثانى" من مباراته السياسية.
ترامب يلعب الجولف
ترامب اعتاد على اللجوء إلى ملعبه للجولف، في منتجع "بالم بيتش"، خلال الأربعة سنوات الماضية، بعد كل معركة شرسة يخوضها، أو كل خطوة مهمة يتجه نحوها، وهو ما يعنى أن ثمة حالة من الانسجام يشعر بها عندما يمارس هوايته المفضلة، تعيد إليه قدرا من الحيوية يستطيع بها العودة مجددا إلى أرض المعركة.
ماذا بعد الجولف؟.. مواقع التواصل الاجتماعى سلاح ترامب القديم "الجديد"
حسابات ترامب على مواقع التواصل الاجتماعى كانت بمثابة سلاح الرئيس المنتهية ولايته، لمجابهة خصومه، وهو ما بدا في نجاحه المنقطع النظير في استخدامها، لحشد الرأي العام، بعيدا عن السياسة، لمساندة توجهاته، وبالتالي يبقى سلاحا تقليديا يجيد الرجل التعامل معه بحرفية كبيرة، وهو الأمر الذى دفع منصة "تويتر" لحجب حسابه، في خطوة أثارت جدلا حول مدى احترام حرية الرأي والتعبير، في بلد اختلطت هويتها بمفهوم الديمقراطية.
حساب ترامب على تويتر بعد إيقافه
إلا أن حجب حساب ترامب على "تويتر" ربما لا يمنعه من استحداث مواقع جديدة، ولدية قاعدة شعبية عريضة من شأنها إثراء تلك المواقع وزيادة الإقبال عليها على حساب المواقع الأخرى التي آثرت البقاء، في دائرة "الافتراضية" بعيدا عن الواقع، وبالتالي فيمكنه تحقيق مكسب مهم على حساب سلاح مهم يعول عليه خصومه لإسكاته في سنواتهم القادمة.
خبرات تلفزيونية.. هل يؤسس ترامب شبكة إعلامية؟
الرئيس الأمريكي يتفوق على خصومه بتنوع خبراته، وهو ما ساهم في إثراء سياساته، فكان رجل أعمال ناجح، وممثل بتلفزيون الواقع الأمريكي الشهير، وبالتالي لديه خبرات عميقة سواء في الإعلام أو الإدارة، بالإضافة إلى قدراته المادية الكبيرة، مما يؤهله لإطلاق شبكة إعلامية قوية، يمكنها منافسه المنصات الإعلامية التقليدية، في استقطاب المتابعين، وبالتالي فضح خصومه وتشويههم بنفس الطريقة التي سبق وأن استخدموها بصدده.
مشادة بين ترامب ومراسل أحد القنوات الأمريكية
فكرة إطلاق وكالة إعلامية خاصة ليست بالغريبة عن أفكار ترامب، فقد سبق وأن هدد وسائل الإعلام بإجراءات عميقة، حالة الاستمرار على التحريض، ونشر أخبار مغلوطة، مؤكدا أن لديه إجراءات يمكنه من شأنها مجابهتهم، ومن بينها تأسيس وكالة إعلامية خاصة به يمكنها نشر الحقائق.
مذكرات ترامب.. سلاح آخر لفضح المؤامرات
كتابة المذكرات هي بمثابة عرف اعتاده رؤساء أمريكا بعد التقاعد، يقدمون فيه الأسرار، والكواليس التي أحاطت بها خلال فترات رئاستهم، بينما كانت تهدف في حقيقتها لجلب المليارات إلى أرصدتهم البنكية، بسبب اعتماد العناوين "المثيرة"، بالإضافة إلى أهمية الشخصية التي قدمت الكتاب، إلا أن ترامب إذا ما أقدم على هذه الخطوة، ربما سيكون لديه الكثير ليقدمه، لفضح المؤامرات التي أحاطت به.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة