لا تخلو محاكم مصر من قضايا إيصالات الأمانة، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي يتعرض لها العالم أجمع بسبب فيروس كورونا المستجد، حيث يلجأ الدائن والمدين – تجار وصغار المستثمرين وحتى الأفراد – لإيصال الأمانة، فى المعاملات المالية .
بعض التجار يستغل الموقف ويمارس ضغطا على المشتري عند الشراء بالتقسيط، بالتوقيع على إيصال أمانة على بياض ما يضطر الأخير على الموافقة وهو لا يدري خطورته، فى الوقت الذي يتعثر في السداد يكتب البائع أو التاجر في الإيصال مبالغ خيالية ويتهم الزبون بخيانة الأمانة.
وعقب المرور بكل هذه المراحل يضطر التاجر في تحرير محضر أو تقديم بلاغ ضد المشترى وعلى أثره يحال إلى المحاكمة الجنائية العاجلة من قبل النيابة العامة، ويصدر ضده حكم جنائي بالحبس، فيدخل الرجل في دوامة ويسارع إلى الشاكي ويرضخ لكل شروطه المجنونة حتى يتنازل عن القضية.
هل إيصال الأمانة يورث؟
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية تهم ملايين المتعاملين بإيصال الأمانة، ومدى خطورته على المتعاملين بعضهم البعض، والإجابة على السؤال هل إيصال الأمانة يورث؟ وما هي الثغرات التي يجب تجنبها بشأن إيصال الأمانة؟ ومن أين يستمد إيصال الأمانة قوته؟ والفرق بين قوة إيصال الأمانة المدنية والجنائية، وأحكام محكمة النقض الخاصة بإيصال الأمانة – بحسب الخبير القانوني والمحامى سامح رسلان.
ما المقصود بإيصال الأمانة؟
في البداية - إيصال الامانة ورقة عرفية يكتبها أشخاص عاديون وليسوا موظفين رسميين عينتهم الدولة لكتابتها - يكتب فيها:
1- إما اتفاق بين ثلاثة أشخاص، يلتزم فيه الشخص الأول: الموقع على إيصال الأمانة أن يستلم مبلغ معين من النقود من الشخص الثاني: صاحب الإيصال، ثم يوصله إلى الشخص الثالث: الموصل إليه المبلغ، وهذه هى الصورة الأساسية التى نص عليها القانون الجنائي "وفقا لنص المادة 340 من قانون العقوبات المصرى"، وهى ما تسمى بإيصال الأمانة ثلاثي الأطراف.
2- وإما اتفاق بين شخصين فقط، يلتزم فيها الشخص الأول: الموقع على إيصال الأمانة أن يستلم مبلغ معين من الشخص الثانى على سبيل الأمانة ليعيده إليه عند الطلب، وهذه هى الصورة التى خلقها الأفراد من خلال تعاملهم الكثير بهذه الصورة، فاعترف بها القضاء واعتبرها صورة استثنائية لإيصال الأمانة، وهي ما تسمى بإيصال الامانة بين شخصين.
مميزات إيصال الأمانة:
ميزها القانون الجنائى عندما وضع نصوص تعاقب من يخالفها بعقوبة جنائية، بالإضافة إلى عقوبتها المدنية وهي المبلغ الذي يدفعه المتهم، وبناء على ذلك يمكننا القول بأن إيصال الأمانة له قوتين:
1 - قوة جنائية:
أحكام ايصال الامانة في القانون المصري هي أن الموقع على إيصال الأمانة إذا استلم المبلغ المكتوب فى إيصال الأمانة ولم يوصله إلى الشخص الثالث "بالنسبة لإيصال الأمانة ثلاثى الأطراف"، أو لم يرد المبلغ إلى صاحب الإيصال "بالنسبة الي ايصال الامانة بين شخصين"، يعتبره القانون فى هذه الحالة مبدد للمبلغ وخائن للأمانة ويستحق للعقوبة على هذا الفعل وهي عقوبة جنحة خيانة الأمانة "أو ما تسمى بجنحة التبديد" وهي الحبس، و مدة الحكم فى ايصال الامانة يبدأ من 24 ساعة "يوم" و قد يصل إلى 3 سنوات "وفقا لنص المادة 341 من قانون العقوبات" – وفقا لـ"رسلان".
ولكن يلاحظ أن: صاحب الإيصال وحده هو من يستطيع رفع دعوى خيانة الأمانة ضد الموقع، حتى ولو كان إيصال الأمانة ثلاثى الأطراف، حيث أن الطرف الثالث الذى ينتظر من الموقع توصيل مبلغ الإيصال إليه تعتبره المحكمة شاهدا فقط فى القضية على ما إذا كان الموقع قد نفذ التزامه ووصل إليه المبلغ أم قام بتبديده وخان الأمانة.
2 – قوة مدنية:
إيصال الأمانة يعطى لصاحب الإيصال الحق أيضا فى رفع دعوى مدنية – أى ترفع أمام القضاء المدني – يطالب فيها بالتعويض عن الضرر الذي تسبب له نتيجة خطأ المتهم الموقع على الإيصال والخائن للأمانة، "وذلك وفقا لنص المادة 163 من القانون المدنى المصرى".
ولكن متى يعتبر الشخص الموقع على الإيصال قد أرتكب جنحة خيانة الأمانة؟
الشخص الموقع على إيصال الأمانة يستلم المبلغ المكتوب فى الإيصال بصفته أمين على هذا المبلغ، سواء ليوصله إلى شخص ثالث أو ليرده إلى صاحب الإيصال عندما يطلب منه إعادة المبلغ، فاذا لم يقم بتوصيل المبلغ كما طلب منه أو أمتنع عن إعادته لصاحب الإيصال فيعتبره القانون خائنا للأمانة.
فكم من دائن لجأ إلى المحاكم المدنية بدعوى ضد المدين متوسلا فيها القضاء لإعادة مبلغ الدين له فى أقرب وقت ممكن و أصابه التعب من طول الإنتظار، ولكن المشرع مراعاة منه لشدة هذه العقوبة بالنسبة للموقع على إيصال الأمانة، فقد حرص على توافر ثلاثة أركان معا فى إيصال الأمانة ليمكن القول حينها أن الموقع على الإيصال قد أرتكب جنحة خيانة الأمانة وهم كالأتى:
1- ركن الاستلام:
أي يجب أن يستلم الموقع على الإيصال مبلغ من المال كنتيجة طبيعية لتوقيعه، فأنت ما الذي يجبرك على التوقيع على إيصال أمانة لشخص أخر غير إنك قد إستلمت منه فعلا المبلغ المكتوب فى الإيصال وتعبر بذلك من خلال توقيعك .
2- ركن النقدية:
أى يجب أن يكون المبلغ الذي قد استلمه الموقع على الإيصال من صاحب الإيصال هو مبلغ معين من النقود، ونستبعد بذلك من هذه الجريمة استلام البضائع أو الأمتعة أو غيرها من الأموال.
3- ركن قصد التبديد:
أى أن الموقع بعد أن استلم المبلغ المكتوب فى الإيصال قام بتبديد هذه الأموال قاصدا ذلك، بمعنى إنه أنفق هذه الأموال وصرفها لأغراض خاصة به، غير مهتم من أين سيرد هذه الأمانة عند طلبها أو من أين سيوصل الأمانة إلى الشخص الملتزم بتوصيل المبلغ إليه.
من أين تأتي خطورة إيصال الأمانة؟
أولا: مخاطرة بالنسبة للموقع على إيصال الامانة:
اعتاد الأفراد - بسبب الحاجة والاعتقاد إنهم يستطيعون سداد أى مبلغ يحصلوا عليه كدين على الاستسلام لهذا التيار، فقد أصبح كلما أرادوا اقتراض مبلغ من النقود أو القيام بشراء شئ معين بالتقسيط أو التقدم لوظيفة أو التقدم للزواج، خضعوا لطلب ذلك الشخص "المقرض مثلا" بالتوقيع له على إيصالات أمانة بالمبلغ، وأستسهل التجار استخدام هذه الورقة فى معاملاتهم مع الأفراد، فإذا أراد شخص شراء بعض البضائع منهم بالتقسيط يطلبوا منه أن يوقعوا على إيصالات أمانة بالمبلغ كله بالإضافة إلى إيصال أمانة أخر بمجموع المبلغ.
ثم ظهرت حالات أضطر فيها الأشخاص على التوقيع على ما يسمى بإيصال أمانة على بياض، وهي حالات يوقع فيها إنسان بسيط -قد يكون فقره هو من أجبره على قبول هذا الوضع أو قد يكون لعدم معرفته للكتابة والقراءة إلا بشكل قليل يكفيه فقط لكتابة اسمه بالكامل -على إيصال أمانة فارغ، حيث يكتب اسمه بالكامل ويضع البصمة على ايصال الامانة، ثم يسلمه إلى صاحب الإيصال ليتولى هو فيما بعد كتابة باقى البيانات، غير مدرك ما سوف يفعله صاحب الإيصال.
وهنا نجد أمامنا عدة فروض:
1-إذا أكمل صاحب الإيصال البيانات فى نفس الجلسة، أى بعد أن يوقع هذا الشخص البسيط "المدين" ويعطى الإيصال لصاحب الإيصال "الدائن"، فيبدأ صاحب الإيصال بكتابة باقى البيانات والمبلغ فورا فى الإيصال - فى نفس اللحظة وبنفس القلم ففى هذه الحالة يكون الإيصال فى منتهى الخطورة بالنسبة للموقع، حيث يكون أمام القضاء قد أستلم المبلغ الذي كتبه صاحب الإيصال، وفى معظم الحالات يكتب مبلغ كبير جدا ليضمن أشد عقوبة وأكبر تعويض "وفقا لنص المادة 341 من قانون العقوبات".
ثانيا: مخاطرة بالنسبة لصاحب إيصال الأمانة
1-أما إذا أكمل باقي البيانات فيما بعد ، أى بعد أن يذهب الموقع وينتهى النهار أو فى اليوم التالي أو الشهر التالي، ففي هذه الحالة إذا أمتنع أو عجز الموقع على الإيصال أن يدفع له المبلغ المكتوب فى إيصال الأمانة، يرفع صاحب الإيصال عليه دعوى خيانة الأمانة، ولكن يستطيع الموقع فى هذه الحالة أن يطعن بالتزوير فى الإيصال - وفقا لنص المادة 215 ، 340 من قانون العقوبات - فيتحول من جانى إلى مجنى عليه فى الدعوى، وهنا يفقد إيصال الأمانة قوته الجنائية، حيث أن توقيع الموقع فى تاريخ مختلف عن تاريخ باقى بيانات الإيصال يعتبره القضاء دليل على عدم استلام الموقع للمبلغ الموجود بالإيصال .
هل إيصال الأمانة يورث؟
نعم - فالشخص يرث من مورثه كل حقوقه، وكذلك ديونه، ولكن يختلف الوضع القانوني هنا بحسب اختلاف أطراف إيصال الأمانة.
أولا بالنسبة لورثة صاحب الحق فى إيصال الأمانة:
لهم ذات القوتين لإيصال الأمانة التي كانت فى يد مورثهم، أي إذا توفى صاحب الإيصال فإن لورثته أن يرفعوا دعوى خيانة أمانة ضد الموقع على الإيصال، بالإضافة لدعوى مدنية مطالبين فيها بالتعويض عن الأضرار الناتجة عن خطأ الموقع على إيصال الأمانة.
ثانيا: بالنسبة لورثة الموقع على إيصال الأمانة:
يفقد إيصال الأمانة قوته الجنائية فى مواجهتهم، أي إنه إذا توفى الموقع على إيصال الأمانة، فإن صاحب الإيصال أو ورثته لن يستطيعوا أن يرفعوا ضدهم إلا الدعوى المدنية فقط.