واحدة من المجموعات القصصية التى قامت على فكرة قيام المدن وانهيارها، وإشكالية ازدواجية الحياة بين القرية والمدينة وتأثير الحروب، كانت المجموعة القصصية "مدن تأكل نفسها" للروائى والقاص شريف صالح، الصادرة عن مؤسسة بتانة للنشر، وترشحت ضمن القائمة القصيرة لجائزة ملتقى القصة القصيرة من الجامعة الأمريكية بالكويت.
والمجموعة هى السابعة لصالح بعد ست مجموعات قصصية، وتتكون من 11 قصة هى مملكة الضحك، مسمط الشيخ مسعد فتة، بلد أم الولي، العيش فى الأغاني، عيد جميع المخلصين، ابنة بيكاديللي، عقارب فى بيت الله، الضبع الماركيزي، إنقاذ تاكيمة الحبيبة، مؤتمر المؤتمرات، ما رواه ابن المقفع.
مدن تأكل نفسها
المجموعة حملت العديد من الرموز والإشارات، وحاولت الإجابة عن كثير من التساؤلات، هل حقا تأكل المدن نفسها؟ ومن يأكل من فيها؟ كيف تبدو علاقة الفرد بمكانه سواء القرية أو المدينة، وماذا يفعل المرء حين تتبدل ظروف محيطه، أو ربما يعيش تجربة جديدة لم يسبق له خوض مثلها، وماذا لو إلتقى بشخص جديد؟! تطرح القصص الكثير من التساؤلات فى حياة الناس اليومية الخاصة، والعامة، عن الدولة، والمجتمع والحياة القديمة، والحياة المعاصرة، عن دهاليز الحياة المظلمة والمعاناة التى تفتح المدن أبوابها فى أوجه قاطينها يوما بعد يوم فكل شيء لم يعد سهلا.
يقول الكاتب المغربى حسن باكور، عن المجموعة: "يكتب شريف صالح ويبنى عوالم قصصه بكثير من الحرية التى تخول له هامشا واسعا للمناورات الفنية؛ وهى حرية متأتية ــ فى تصورى ــ فى جانب منها من تمكن القاص من أدوات وعناصر بناء النص القصصي؛ تلك الأدوات والعناصر التى يحرص عليها الكاتبُ، دون أن يدعها تعيقه أو تحد من حريته.
يكتب شريف صالح قصصه متحررا من إسار الشكل من جهة، ومن ثقل وكبح التابوهات من جهة ثانية. تنطلق قصص المجموعة من الحياة لتعود إليها، وإن توسلتْ بالرمز وجمحَ بها الخيال بهذا القدر أو ذاك، لذلك فلا بد أن تكتب عن السياسة والجنس والدين.. لأن هذه العناصر منصهرة مع بعضها تمثل عصبَ الحياة، وأى كتابة تتجاهلها لن تكون إلا كتابة زائفة محكومة بالنقصان والضعف.
نجدُ فى المجموعة قصصا تلتزم بخطية السرد، وأخرى تلعب بالزمن تقديما وتأخيرا، وتعجن الواقع بالخيال، وقد يقسم الكاتب نصه الواحد إلى عناوين فرعية أو فقرات مرقمة.. لكنه فى النهاية يكتب النص القصصى نفسه (لا أقصد هنا التكرار، فقصص المجموعة ـ على العكس ـ يمثل كل منها تجربة خاصة مستقلة)، بهذا المعنى فإن الشكلَ الذى قد تتخذه هذه القصة أو تلك ليس معطى مُسبقا أو جاهزا، بل إن النص هو الذى يفرض أو يقترح شكلَه فى النهاية".