ونحن بصدد الاحتفال بعيد الشرطة رقم 69، وحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي لحفل الشرطة المقام بأكاديمية الشرطة بالقاهرة الجديدة، بحضور عدد من أسر الشهداء، لا ننسى تضحيات الأبطال من أجل هذا الوطن.
ويأتي في مقدمة الأبطال اللواء ياسر عصر، الذي استشهد أثناء أداء عمله، حيث حضرت زوجته مراسم حفل عيد الشرطة.
وقالت أرملة الشهيد اللواء ياسر عصر، فخورة بتكريم زوجي الشهيد، مضيفة: "تكريمنا النهاردة شرف لا يضاهيه شرف، وتاج فوق رأسنا وده شيء متوقع من سيادة الرئيس، الذي يهتم بأسر الشهداء ويقدم لهم الدعم وبأشكر وزارة الداخلية اللى واقفين جنبنا".
وقالت أرملة الشهيد في تصريحات لها: "زوجة كل ضابط عارفة بنسبة 90% انها هتكمل لوحدها، وشايفين إن ده شيء واجب ومش فضل وبلدنا تستاهل أكثر من كده".
ووجهت رسالة إلى الضباط قائلة: "حابة أقول لكل الضباط إن مصر تستاهل وادفع فيها دم ناس غالية علينا".
وحول زوجها قالت الزوجة: "ياسر كان متفانيا في عمله بدرجة كبيرة، ويعشق عمله وأداء الواجب، وانزعج عندما تم تداول صوره على السوشيال عقب إطفاء حريق".
وقالت والدة الشهيد اللواء ياسر عصر، إن ابنها الشهيد كان بارا بها، وإنه رغم أن لديها 5 أبناء غيره، فإنه كان أقربهم لقلبها وأكثرهم محبة وبرا لها، معلقة "كان أحن أولادي وعمره ما زعلنى".
ولفتت الأم ـ في تصريحات سابقة لليوم السابع، إلى أن آخر مرة شاهدت نجلها يوم الخميس الماضي في جلسة مطولة لهما سويا، وأوضحت: يوم الجمعة أدى صلاة الجمعة وعاد وجلس بجواري وقال لي "نفسي أكلك بإيدي" فابتسمت وقلت "لا كل أنت"، قال لي "شوفي والله إيدي نظيفة وبدأ يمسك من الطعام بيده ويضع في فمي"، وذهب للباب ثم عاد قال لي أنا كل دقيقة اتذكرأبي وادعو له بالرحمة، ثم قال: "أنا نفسي أبوس أيدك ورجلك" انتى وأبي قمتم بتربيتنا بالوجه الأمثل وزرعتوا فينا القيم وحب الحلال ولا تمتد يدي للحرام أبدا.
وأكدت أنه كان بصحة جيدة وكان طبعه هادئا ومريحا وكانت تحب الحديث الدائم معه، وقالت والدة الشهيد "أحلف على مصحف انك يا ياسر ماعليت صوتك عليا" وكان أول ما يدخل وانا نائمة ويقبل قدمي ويدي وأمزح معه "بتقبل رجلي واقول له : "ليه هو أنا شيخ".
وعن علاقته بأشقائه أكدت والدة الشهيد أنه كان يحبهم ويحب الحديث معهم وتذكر أنه في مرة كان شقيقه يأكل سمك ودخلت شوكة في فمه ونزف دما فحمل ياسر شقيقه علي كتفه من منزلنا لطوخ ليذهب به الي الطبيب.
وبدأت قصة معركة الشرطة فى صباح يوم الجمعة الموافق 25 يناير عام 1952، حيث قام القائد البريطانى بمنطقة القناة "البريجادير أكسهام" باستدعاء ضابط الاتصال المصرى، وسلمه إنذارا لتسلم قوات الشرطة المصرية بالإسماعيلية أسلحتها للقوات البريطانية، وترحل عن منطقة القناة وتنسحب إلى القاهرة فما كان من المحافظة إلا أن رفضت الإنذار البريطانى وأبلغته إلى فؤاد سراج الدين، وزير الداخلية فى هذا الوقت، والذى طلب منها الصمود والمقاومة وعدم الاستسلام.
وكانت هذه الحادثة اهم الأسباب فى اندلاع العصيان لدى قوات الشرطة أو التى كان يطلق عليها بلوكات النظام وقتها وهو ما جعل إكسهام وقواته يقومان بمحاصرة المدينة وتقسيمها إلى حى العرب وحى الإفرنج ووضع سلك شائك بين المنطقتين بحيث لا يصل أحد من أبناء المحافظة إلى الحى الراقى مكان إقامة الأجانب.
هذه الأسباب ليست فقط ما ادت لاندلاع المعركة بل كانت هناك أسباب أخرى بعد إلغاء معاهدة 36 فى 8 أكتوبر 1951 غضبت بريطانيا غضبا شديدا واعتبرت إلغاء المعاهدة بداية لإشعال الحرب على المصريين ومعه أحكام قبضة المستعمر الإنجليزى على المدن المصرية ومنها مدن القناة والتى كانت مركزا رئيسيا لمعسكرات الإنجليز وبدأت أولى حلقات النضال ضد المستعمر وبدأت المظاهرات العارمة للمطالبة بجلاء الإنجليز.
وفى 16 أكتوبر 1951 بدأت أولى شرارة التمرد ضد وجود المستعمر بحرق النافى وهو مستودع تموين وأغذية بحرية للانجليز كان مقره بميدان عرابى وسط مدينة الإسماعيلية، وتم إحراقه بعد مظاهرات من العمال والطلبة والقضاء علية تماما لترتفع قبضة الإنجليز على أبناء البلد وتزيد الخناق عليهم فقرروا تنظيم جهودهم لمحاربة الانجليز فكانت أحداث 25 يناير 1952.
وبدأت المجزره الوحشية الساعة السابعة صباحا وانطلقت مدافع الميدان من عيار 25 رطلا ومدافع الدبابات (السنتوريون) الضخمة من عيار 100 ملليمتر تدك بقنابلها مبنى المحافظة وثكنة بلوكات النظام بلا شفقه أو رحمة وبعد أن تقوضت الجدران وسالت الدماء أنهارا، أمر الجنرال إكسهام بوقف الضرب لمدة قصيرة لكى يعلن على رجال الشرطة المحاصرين فى الداخل إنذاره الأخير وهو التسليم والخروج رافعى الأيدى وبدون أسلحتهم وإلا فإن قواته ستستأنف الضرب بأقصى شدة.
وتملكت الدهشة القائد البريطانى المتعجرف حينما جاءه الرد من ضابط شاب صغير الرتبة لكنه متأجج الحماسة والوطنية، وهو النقيب مصطفى رفعت، فقد صرخ فى وجهه فى شجاعة وثبات: لن تتسلمونا إلا جثثا هامدة. واستأنف البريطانيون المذبحة الشائنة فانطلقت المدافع وزمجرت الدبابات وأخذت القنابل تنهمر على المبانى حتى حولتها إلى أنقاض، بينما تبعثرت فى أركانها الأشلاء وتخضبت أرضها بالدماء الطاهرة.
وبرغم ذلك الجحيم ظل أبطال الشرطة صامدين فى مواقعهم يقاومون ببنادقهم العتيقة من طراز (لى إنفيلد) ضد أقوى المدافع وأحدث الأسلحة البريطانية حتى نفدت ذخيرتهم، وسقط منهم فى المعركة 56 شهيدا و80 جريحا، بينما سقط من الضباط البريطانيين 13 قتيلا و12 جريحا، وأسر البريطانيون من بقى منهم على قيد الحياة من الضباط والجنود وعلى رأسهم قائدهم اللواء أحمد رائف ولم يفرج عنهم إلا فى فبراير 1952.
ولم يستطع الجنرال إكسهام أن يخفى إعجابه بشجاعة المصريين فقال للمقدم شريف العبد ضابط الاتصال لقد قاتل رجال الشرطة المصريون بشرف واستسلموا بشرف، ولذا فإن من واجبنا احترامهم جميعا ضباطا وجنودا. وقام جنود فصيلة بريطانية بأمر من الجنرال إكسهام بأداء التحية العسكرية لطابور رجال الشرطة المصريين عند خروجهم من دار المحافظة ومرورهم أمامهم تكريما لهم وتقديرا لشجاعتهم وحتى تظل بطولات الشهداء من رجال الشرطة المصرية فى معركتهم ضد الاحتلال الإنجليزى ماثلة فى الأذهان ليحفظها ويتغنى بها الكبار والشباب وتعيها ذاكرة الطفل المصرى وتحتفى بها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة