على الرغم من النفوذ الكبير الذى حظت به شقيقة زعيم كوريا الشمالية كيم يو يونج، في السنوات الماضية، خاصة فيما يتعلق بالمفاوضات مع الولايات المتحدة، إبان حقبة الرئيس السابق دونالد ترامب، يبدو أن النظام الحاكم في بيونج يانج قرر تخفيض رتبتها في الحزب الحاكم، مما يثير الشكوك، ليس فقط فيما يتعلق بالدور الذى سوف تلعبه في المستقبل، وإنما يثير تساؤلات أكبر عن دورها في الماضى، فى ظل التقارب غير المسبوق بين الإدارة الأمريكية السابقة، والزعيم كيم جونج أون، إلى الحد الذى أقدم فيه ترامب على عبور الحدود، بين الكوريتين خلال الزيارة التي قام بها الأخير إلى كوريا الجنوبية، ليكون أول رئيس أمريكى تطأ قدماه الأراضى الكورية الجنوبية.
ولعل ظهور شقيقة الزعيم ارتبط إلى حد كبير بالإدارة الأمريكية السابقة، حيث لعبت دورا بارزا في التمهيد للمفاوضات، وهو ما بدا في حضورها لفاعليات الأولمبياد الشتوية في كوريا الجنوبية، والتي شهدت حضور نائب الرئيس الأمريكي السابق مايك بنس، وهو ما تزامن مع بدء الترتيبات لتحقيق تقارب أكبر مع بين الكوريتين، تمهيدا لانطلاق المفاوضات، مما دفع قطاعا كبيرا من المحللين إلى النظر إلى الحسناء الكورية باعتبارها "مهندس" انفتاح بيونج يانج على العالم، بعد سنوات العزلة، التي فرضتها العقوبات الدولية المفروضة عليها، منذ الحرب الكورية، في الخمسينات من القرن الماضى، وبالتالي يبقى خروجها "الخجول" عن المشهد، مرتبطا إلى حد كبير بتغيير الإدارة الأمريكية، وصعود الحزب الديمقراطى إلى سدة السلطة في واشنطن.
شقيقة الزعيم وابنة الرئيس.. دبلوماسية "الحسناوات" تتجاوز المؤسسات
توهج الدور الذى لعبته كيم يو جونج، تزامن مع دور كبير لعبته إيفانكا ترامب، ابنة الرئيس الأمريكي السابق، وهو ما دفع البعض إلى تسميتها بـ"إيفانكا الكورية"، حيث تجمعهما غياب الصفة الرسمية لقيادة مفاوضات دبلوماسية عالية المستوى، إلا أنهما تجاوزا المؤسسة الرسمية في الكثير من الأحيان، ليقوما معا بدور كبير فيما يتعلق بالسياسة الخارجية لبلديهما، تجاوز في كثير من الأحيان المؤسسة الرسمية، فيما يمكن تسميته بـ"دبلوماسية الحسناوات"، وهو ما يبدو في تواجدهما بين الرؤساء وفى قلب الوفود الدبلوماسية، ليقوما بأدوار ربما غير معلنة، إلا أنها كانت مؤثرة إلى حد كبير.
شقيقة الزعيم كانت رأس حرب فى المفاوضات مع أمريكا
وربما ساهمت حالة غياب الثقة في بعض الشخصيات، على غرار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، والمعروف بتوجهه "الصقورى"، المناوئ لبيونج يانج، في تعزيز دورهما، باعتبارهما خارج يمثلان وجوها سياسية غير مألوفة، إلى حد كبير، وبالتالي تبقى متحررة إلى حد كبير من "الإرث" العدائى، بين البلدين، يمكن استثمارها من أجل تحقيق أكبر قدر من التقارب، والانفتاح بينهما، وهو الأمر الذى ترجمه ترامب، خلال خطابه في كوريا الجنوبية، عندما أشار إلى وزير خارجيته وابنته معا، بوصفه لهما بـ"الجميلة والوحش"، وهو ما يمثل ارتباطا وثيقا بين المسئول صاحب الصفة الرسمية، من جانب، والفتاة الحسناء، التي تلعب دورا خلف الكواليس في العديد من القضايا، وعلى رأسها مسألة كوريا الشمالية، إذا ما أخذنا في الاعتبار الظرف المكانى للحديث.
تقويض إرث ترامب.. هل يعود بايدن للمربع الأولى مع كوريا الشمالية؟
وهنا يصبح خفوت نجم شقيقة الزعيم بمثابة مرتبطا بـ"غياب" اضطرارى"، وربما مؤقت لإيفانكا، في ظل مخاوف كبيرة من عودة نبرة العداء الأمريكي تجاه بيونج يانج في المرحلة المقبلة، جراء تغير التوجهات التي يتبناها الديمقراطيون، تجاه مختلف القضايا الدولية، وتبدل الأدوار لدى دائرة صناعة القرار في الولايات المتحدة، حيث تدور التوقعات حول تحول واشنطن إلى التوافق مع إيران، عبر إحياء الاتفاق النووي، بينما تجميد الموقف، إن لم يكن تصعيده، تجاه كوريا الشمالية، في المرحلة المقبلة، في إطار تقويض إرث ترامب، الذى اتجه إلى تعزيز العلاقات مع كوريا الشمالية، لضرب أحد أهم عناصر النفوذ الصينى، وتجريده من حلفائه في محيطه الإقليمى والآسيوى، في إطار حالة التوتر الكبير بين واشنطن وبكين في السنوات الماضية.
ترامب يسمح لإيفانكا بالحديث خلال زيارته لكوريا الجنوبية فى وجود وزير الخارجية
إلا أن إدارة بايدن ربما لا يزعجها كثيرا تنامى النفوذ السياسى للصين، حيث إنها مازالت ترى أن الخصومة الرئيسية لأمريكا تبقى تجاه روسيا، وبالتالي فهى تضع بكين في إطار المنافسة الاقتصادية، مما يقلل من أهمية الدور السياسى للصين في آسيا، وبالتالي لا توجد حاجة ملحة لدى بايدن وإدارته للتوجه نحو التقارب أو تقديم تنازلات كبيرة لبيونج يانج، مما قد يؤدى إلى العودة إلى المربع الأول في العلاقات بين البلدين.
عودة المارقين.. توارى شقيقة الزعيم مقدمة لتدجيج النظام بـ"الصقور"
وبالتالي فإن تقليص رتبة شقيقة الزعيم، والتي تصدر إسمها الترشيحات لخلافة كيم جونج أون في فترة اختفائه، يمثل خطوة قد تتبعها خطوات أخرى، أبرزها تدجيج النظام الكوري الشمالى بـ"المارقين" أصحاب التوجهات التقليدية المعادية لواشنطن، في المرحلة المقبلة، وهو ما يعنى العودة من جديدة إلى دائرة العداء بين البلدين في المرحلة المقبلة، وهو ما يمثل تهديدا للعديد من الإنجازات التي تحققت في سنوات ترامب، وأبرزها تحقيق السلام الإقليمى في شبه الجزيرة الكورية، وحماية حلفاء واشنطن الرئيسيين في آسيا من بطش النظام الحاكم في بيونج يانج.
سياسات بايدن تجاه كوريا الشمالية محل تساؤل
ويعد الموقف الأمريكي من كوريا الشمالية، في ظل إدارة بايدن، أحد الاختبارات المهمة، للأولويات التي تضعها على عاتقها، خاصة فيما يتعلق بالحلفاء في آسيا، حيث كانت خطوات ترامب سببا رئيسيا في حالة من الاستقرار النسبى، خاصة في كوريا الجنوبية، وبدرجة أقل في اليابان، خاصة مع حرص الرئيس السابق على ربط خطواته من التقارب مع النظام في بيونج يانج بمدى نجاحها في تحقيق التقارب مع جيرانها، والذى كان بمثابة مدخلها للانفتاح على العالم.