تعانى أمريكا اللاتينية من أزمة اقتصادية كبرى؛ بسبب أزمة كورونا، لذا اتجهت بعض الدول إلى الدولرة، فى محاولة للخروج من مشاكل الاقتصاد، حيث إن الدولرة مفهوم مألوف للعديد من اقتصادات أمريكا اللاتينية، والتى تضمنت تغييرات فى السياسة النقدية، وتعتبر الإكوادور أولى الدول التى فرضت الدولرة والتخلى عن عملتها المحلية؛ بسبب الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، حيث اتجهت لإضفاء الطابع الرسمى على العملة الأمريكية فى يناير 2000، والآن تدرس فنزويلا الدولرة، فى محاولة إنقاذ البلاد من التدهور الاقتصادى الذى تعانى منه.
واعتمدت ثلاث دول فى أمريكا اللاتينية العمل الأمريكية رسميا لأسباب مختلفة، وهى بنما والإكوادور والسلفادور، على الرغم من أن العديد من الدول الأخرى تستخدمها بشكل غير رسمى، مثل فنزويلا. وقالت صحيفة "الاوردن مونديال" الإسبانية، إن الأزمة الاقتصادية فى امريكا اللاتينية أدت إلى انخفاض كبير فى العملات، مما أدى إلى انتشار الدولار الأمريكى فى الدوائر الاقتصادية للعديد من دول أمريكا اللاتينية، وتعنى الدولرة اعتماد الدولار الأمريكى كعملة، واستبدال العملة المحلية عند تحديد الأسعار أو طريقة الدفع، ويمكن أن تكون الدولرة رسمية أو شاملة.
فنزويلا
اعترف رئيس فنزويلا، نيكولاس مادورو، بأهمية الدولار فى اقتصاد فنزويلا، وقال: أن "الدولار يعمل كصمام للدخل وللتجارة ولإرضاء قطاعات مهمة من الحياة الاقتصادية الفنزويلية".
وأشارت قناة "تيلى سور" الفنزويلية إلى أن هذه المرة الأولى التى يكشف فيها مادورو الذى يحكم البلاد منذ عام 2013، بيانات عن الدولرة الفعلية التى تمر بها البلاد، وقال: "لا يمكننا أن نقول إن فنزويلا مثل الإكوادور أو بنما، إنهما من اقتصادات الدولرة"، قبل أن يشير إلى أن حكومته ستدافع عن استخدام العملة المحلية، وأن بين الدولار وما يسمى بالثورة البوليفارية هناك تكامل زمنى.
وقال مادورو، إن الدولار استُخدم فى 18.6٪ من الأنشطة التجارية لفنزويلا خلال عام 2020، عندما شهدت البلاد دولرة بحكم الواقع نتيجة لارتفاع التضخم.
وأضاف: "أستطيع أن أقول لكم إن 77.3٪ من المعاملات التجارية فى البلاد هذا العام 2020 تمت بالبوليفار من خلال طرق الدفع الرقمية، و18.6٪ تمت نقدًا بعملات قابلة للتحويل، بالدولار بشكل أساسى".
ولفت مادورو، إلى أن 3.4٪ من العمليات تم إنتاجها باستخدام بوليفارات على الورق كوسيلة دفع، وهى نادرة وقوة الدفع قليلة فى ضوء التضخم المرتفع الذى تعانى منه فنزويلا.
ولم يشر إلى طريقة الدفع التى تم استخدامها لنسبة 2.7٪ المتبقية من العمليات التجارية فى فنزويلا خلال عام 2020.
ومع ذلك، على الرغم من دفاعه عن استخدام الدولار فى التجارة، أكد مادورو أن الولايات المتحدة حظرت استخدام عملتها للدولة الفنزويلية كوسيلة لفرض تغيير الحكومة، وقال إن "فنزويلا ليس لها الحق فى بيع النفط فى العالم وتحصيله بالدولار، ولا يحق لفنزويلا كدولة إدارة حسابات لشراء الأدوية والغذاء فى العالم".
وتابع: "كل هذا يوضح كيف يتم استخدام العملة والدولار مثل النظام المصرفى الأمريكى لمحاولة فرض نموذج اقتصادى ونموذج سياسى وتغيير نظام فى فنزويلا فى هذه الحالة".
ويدرس البنك المركزى الفنزويلى خطة الدولرة مع البنوك الخاصة لإنقاذ اقتصاد البلاد، وسيكون الإجراء خطوة لإضفاء الطابع الرسمى على معاملات الصرف الأجنبى، حيث التقى ما لا يقل عن 5 كيانات مصرفية خاصة بمسئولى البنك المركزى.
وأشارت صحيفة "ران" الإسبانية، إلى أن البنك المركزى الفنزويلى BCV دعا المسئولين التنفيذيين بالعديد من الشركات المالية فى البلاد، لمناقشة وضع خطط لتنفيذ نظام التسوية بالدولار بدءا من أواخر 2020، ووفقًا لاثنين من الأشخاص الذين فضلوا عدم الكشف عن هويتهم، سيتم السماح للبنوك أيضًا بتقديم قروض بالدولار، والتى يمكن أن تغذى سوق الائتمان المحلى المحتضر.
وقال أحد المصادر، إن خمسة بنوك خاصة على الأقل اجتمعت مع مسؤولى البنك المركزى فى الأسابيع الأخيرة، وتقدم العديد من البنوك فى فنزويلا بالفعل خدمات للعملاء الذين لديهم دولارات، ومع ذلك تقتصر المعاملات على الإيداعات النقدية والسحوبات والتحويلات بين حسابات البنك نفسه، مشيرة إلى أن النظام الجديد سيحول البنك المركزى إلى غرفة التسوية بالدولار، مما يسمح بالمعاملات الفورية بين البنوك والشركات داخل الدولة.
وأدت الأزمة الاقتصادية فى أمريكا اللاتينية إلى انخفاض كبير فى العملات، مما أدى إلى انتشار الدولار الأمريكى فى الدوائر الاقتصادية للعديد من دول أمريكا اللاتينية، وتعنى الدولرة اعتماد الدولار الأمريكى كعملة، واستبدال العملة المحلية عند تحديد الأسعار أو طريقة الدفع، ويمكن أن تكون الدولرة رسمية أو شاملة.
وقالت صحيفة "الاوردن مونديال" الإسبانية، فى تقريرها، إلى أن فنزويلا لم تقر بشكل رسمى الدولرة، ولكن المواطنين اتجهوا من تلقاء أنفسهم إلى استخدام الدولار الأمريكى؛ بسبب التضخم المفرط للعملة الفنزويلية البوليفار، الذى يعانى من تضخم، ولذلك 50% من معاملات الدولة تتم بالدولار.
الإكوادور
وكانت الإكوادور أولى الدول التى قامت بإضفاء الطابع الرسمى على العملة الأمريكية، وذلك بعد أن تعرضت لأسوأ أزمة اقتصادية فى تاريخها، وكانت العملة الإكوادورية السوكرى، تتراجع يوما بعد يوم، بعد أسبوع واحد قط ارتفع من 7000 سوكرات للدولار إلى 19 ألف، لذلك اتخذ الرئيس آنذاك جميل معوض الإجراء النقدى الأكثر إتاحة، وهو التخلى عن عملته السوكرى والتحول إلى الدولار، ومنذ هذا الوقت أصبح الدولار له شعبية كبيرة، بعد أن استقرت الأزمة على الرغم من السخط الاجتماعى الذى جرى فى هذا الوقت ضد معوض والإطاحة به.
ووفقًا لآخر مسح تم إجراؤه فى البلاد حول هذا الموضوع، والذى يعود إلى عام 2015، أجاب 85٪ من الإكوادوريين بأنهم يدعمون الدولرة.
وهناك العديد من الأسباب وراء شعبية الدولرة، وهى الحد من التضخم والنمو الاقتصادى، ويقول الخبير الاقتصادى الإكوادورى خايمى كاريرا: "فى مجتمع غير منضبط مثل مجتمعنا، كانت هناك اختلالات كبيرة، أدى الاستقرار الذى توفره الدولرة إلى تدفق الاستثمارات، وكان هناك المزيد من النظام فى الاقتصاد وهذا عزز النمو"، ونما الناتج المحلى الإجمالى لإكوادور بنسبة 2.3٪ فى عام 2000، وهو العام الذى تم فيه تطبيق الدولرة.
الأرجنتين
من الممكن أن تلجأ الأرجنتين أيضا إلى الدولرة، وبدأت تخيم فكرة استخدام الدولار، حيث إن سعر الصرف الرسمى يبلغ 150 بيزو لكل 1 دولار، وإذا أخذنا هذا فى الاعتبار فإن الأرجنتين ستحتاج إلى 15 مليار دولار أمريكى من الاحتياطات السائلة، ولديها حاليا احتياطات سائلة تبلغ حوالى 800 مليون دولار.
هذا العام، سيكون للبلاد فائض تجارى يزيد على 17 مليار دولار أمريكى، ولا ينعكس ذلك فى احتياطيات البنك المركزى الأرجنتينى BCRA، ويرجع ذلك أساسًا إلى فجوة الصرف والمخزونات. وفى وقت قصير، تتمتع البلاد بالقدرة على تجميع الدولارات؛ لأن 11 مليار دولار أمريكى فى اقتصاد يبلغ 400 مليار دولار أمريكى يمثل أقل من 3 ٪، ولا شىء مستحيل تحقيقه.
بوليفيا
يرى الخبراء، أن بوليفيا هى الدولة التى حققت أعلى نسبة نزع دولرة من احتياطاتها فى العشرين عاما الماضية بنسبة 79% فى المرتبة الثانية الأرجنتين بنسبة 38.3%، وليتوانيا 37.9%، تليها لاتفيا بنسبة 36.2%، وأخيرا بيرو بانخفاض قدره 35.4%.
كما أوضح إدواردو ليفى، عميد كلية الحكومة بجامعة توركواتو دى تيلا، تم تنفيذ سياسات مختلفة لتحقيق إزالة الدولرة فى المنطقة، مثل خفض التضخم، وتنظيم استخدام العملة، وتقليل تقلبات الدولار، والسعى إلى الاستقرار، زيادة تكلفة الوساطة، على سبيل المثال، مع وضع حدود قصوى أو حظر على الودائع والقروض بالدولار، من بين تدابير أخرى.
وأضاف ليفى: "أى استراتيجية نرغب فى تنفيذها للتخلص من الدولار يجب أن تكون متعددة ومعقدة، وإلا فإننا سنواجه جانبًا واحدًا من المشكلة، لكن الأسباب الأخرى ستظل تعمل".
وتتمثل إحدى مشكلات تقلب السوق والتضخم فى أن الجهات الفاعلة فى الاقتصادات بدأت تفضل الادخار بالدولار على العملة المحلية، لذلك يتعين على الحكومات تعزيز المعاملات بالعملة المحلية وزيادة الثقة.
وأوضح مارتين جاراميلو، مستشار الأعمال فى Upside Consulting، أن الدولرة ضرورية فى بعض الأحيان. وقال: "الدول التى لديها مشاكل كثيرة مع عملتها يجب أن تستخدم الدولرة؛ لأن السياسيين والمؤسسات ليسوا أقوياء بما يكفى لجعلها ذات مصداقية أن لديهم عملة مسؤولة".
وفيما يتعلق بالودائع لأجل، فى أمريكا اللاتينية بين عامى 1999 و2018، انخفض متوسط تراجع الدولرة من 55.6٪ إلى 37.4٪ مع الأرجنتين وبوليفيا وبيرو وأوروجواى كدول نموذجية فى هذا المجال، وفى إلغاء دولرة الودائع برزت بوليفيا وبيرو مرة أخرى خلال نفس الفترة بتخفيضات بلغت 65.4٪ و28.1٪.
وقال ماريانو لانزا، الأستاذ والباحث فى جامعة ريو نيجرو: "لتكون قادرًا على إلغاء الدولار، فإن الاستقرار النقدى والتوازنات المعينة فى قدرات الدفع الدولية ضرورية، وهو ما فشلت العديد من اقتصادات أمريكا اللاتينية فى تحقيقه وهو النقاش الكبير".
من ناحية أخرى، عند تنفيذ الدولرة، يتم تحويل الودائع بالبيزو إلى ودائع بالدولار عند صرف 150 بيزو أرجنتينى مقابل 1 دولار أمريكى، لكنها لا تتحول إلى سندات بالدولار؛ لأن المودعين لا يحتاجون إلى إجراء تحويلات ضخمة للودائع دولار لفواتير، يحدث الشىء نفسه اليوم، حيث لا يتم تحويل الودائع بالبيزو بشكل كبير إلى فواتير بيزو.
قبل إعلان الدولرة فى الإكوادور، كانت أسعار الفائدة على القروض بين البنوك 200٪ فى السنة، ومع الدولرة، انخفض هذا المعدل إلى 20٪. من ناحية أخرى، تستمر الودائع المصرفية والقروض ذات المعدلات الثابتة بنفس المعدل حتى تاريخ الاستحقاق، ولكن يتم الآن دفع رأس المال والفائدة بالدولار، حسبما قالت صحيفة "انفوباى" الأرجنتينية.
خسائر كورونا فى السياحة
وفى السياق نفسه، قالت وكالة "برينسا لاتينا" الكوبية، إن السياحة فى أمريكا اللاتينية ومنطقة بحر الكاريبى، ستخسر 230 مليار دولار؛ بسبب أزمة كورونا، وقالت جلوريا جيفارا، رئيسة المجلس العالمى للسفر والسياحة WTTC، إن صناعة السفر والسياحة تتوقع خسائر تقارب 230 مليار دولار وفقدان 12.4 مليون وظيفة فى أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبى هذا العام؛ بسبب وباء كورونا.
وأشارت الوكالة فى تقرير لها، إلى أنه منذ بداية الوباء، تأثر القطاع بانخفاض الطلب من قبل المسافرين، ولكن أيضًا بالقيود المطبقة عالميًّا لاحتواء انتشار الفيروس الذى خلف ما يقرب من 28 مليونًا مصابًا ونحو 900 ألف حالة وفاة فى العالم.
وسيؤثر ذلك على ثلثى الوظائف والنشاط السياحى الإقليمى هذا العام، وفقًا لبيانات من WTTC، المنتدى الرئيسى لقطاع السياحة الخاص، وفى عام 2019، بلغ نشاط الصناعة فى أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبى 358 مليار دولار.
رأى الخبراء
من ناحية أخرى، يرى الخبراء أن للدولرة مساوئ أيضا وأضرارا، منها فقدان الدولة سيادتها النقدية، أى أن بنكها الوطنى لم يعد يتحكم فى العملة التى يتم تداولها فى أراضيها، وتأتى هذه القوة من واشنطن، أى البنك المركزى الأمريكى، وهذا يولد اختلال فى ميزان المدفوعات تؤدى إلى نشوء ديون خارجية.
وأشار التقرير إلى أن بنما تعتبر أولى دول أمريكا اللاتينية التى تتجه إلى الدولرة، وكان ذلك فى عام 1903، وذلك جنبا إلى جنب مع عملتها الرسمية "بالبوا".