كان الوقت مساء 12 أكتوبر، مثل هذا اليوم، 1906، حين غص المكان فى دار «سعد زغلول بك» بالذين حضروا لمناقشة موضوع إنشاء جامعة مصرية، حسبما يذكر «أحمد شفيق باشا» رئيس ديوان الخديو عباس الثانى فى الجزء الأول من مذكراته «مذكراتى فى نصف قرن».
كان الحاضرون رجال قضاء وعلم وسياسة وجاه، منهم، قاسم أمين بك، وحفنى ناصف بك، ومحمد فريد بك، وعلى فهمى بك، وحسن سعيد بك، وزكريا نامق أفندى، والشيخ عبدالعزيز شاويش، وأحمد رمزى بك، وحسن جمجوم بك، وحسين السيوفى باشا، ومحمد عثمان أباظة بك، ومحمد راسم بك، وحسين أبوحسين بك، ومحمود الشيشينى بك، ومحمد يوسف بك، وحنفى ناجى بك، ومحمد هاشم بك.
يذكر «شفيق باشا» أن الحاضرين تشاوروا فى حماسة ويقين، وبلغ اكتتابهم 4485 جنيها مصريا، وقرروا: انتخاب لجنة تحضيرية من حضرات سعد زغلول بك وكيلا، وقاسم أمين بك سكرتيرا، وحسن سعيد بك أمينا للصندوق، والأعضاء، مصطفى كامل الغمراوى بك، ومحمد بك عثمان أباظة، ومحمد بك راسم، وحسن بك جمجوم، وحسن باشا السيوفى، وأخنوخ أفندى فانوس، وزكريا نامق أفندى، ومحمود بك الشيشينى، وقرروا نشر الدعوة فى جميع الصحف المحلية، وتسمية هذه الجامعة بالجامعة المصرية.
كان الاجتماع خطوة عملية مهمة فى مشروع الجامعة الذى مر بمراحل متعددة منذ أن بدأت فكرة أطلقها مصطفى كامل، وفقا لما يذكره «عبدالرحمن الرافعى» فى كتابه «مصطفى كامل، باعث الحركة الوطنية».. يؤكد أنه طالب فى جريدة اللواء، 26 أكتوبر 1904، بإنشاء جامعة مصرية بأموال الأمة، ودعا المفكرين وأصحاب الرأى إلى موافاته بآرائهم وطريق الوصول إلى تحقيقه، وفى يناير 1905 عاود الدعوة إلى المشروع، واقترح أن تسمى الجامعة «كلية محمد على» لمناسبة مرور مائة سنة ميلادية على ولاية محمد على باشا عرش مصر «13 مايو 1805».
يضيف الرافعى: «أيد الأمير حيدر فاضل دعوة مصطفى كامل، فكتب سنة 1905 فى تحبيذ المشروع، واستنهض همم الأمراء والأغنياء إلى الاكتتاب له، وجمعت له فعلا فى سنة 1905 الاكتتابات من بعض الأمراء والسراة بلغت نحو ثمانية آلاف جنيه، ثم وقف المشروع لعدم تعضيد الخديو.. لكن الدكتور عبدالعظيم رمضان يذكر فى مقدمته لمذكرات سعد زغلول، أن الفكرة طرحت على الرأى العام منذ عام 1900، ثم تبناها مصطفى كامل على صفحات اللواء عام 1904.. يذكر أن مدرسة الشيخ محمد عبده هى المهد الذى ولدت فيه من الناحية التنفيذية.. ويؤكد أن الشيخ محمد عبده كان يعمل على تنفيذ الفكرة عن طريق إقناع أحد أعيان الغربية، وهو أحمد المنشاوى باشا، الذى كان من مؤيدى الثورة العرابية بإنشاء الجامعة على نفقته الخاصة، وتحمس للفكرة على أساس بنائها خارج القاهرة على أطيانه، وفى هذا الغرض خاطب الشيخ محمد عبده مجلس النظار لكى يبيع للمنشاوى باشا عشرة آلاف فدان من ملك الحكومة، فيوقفها هذا على بناء الجامعة ونفقاتها، لكن وفاة المنشاوى باشا، ثم وفاة الشيخ محمد عبده فى 11 يوليو 1905 أوقف الفكرة.
يذكر «شفيق باشا»، أن الأستاذ أحمد حافظ عوض، عرض على صفحات جريدة «المؤيد» نقاشا ومناظرة عام 1905 فى موضوع: «أى أنفع للقطر المصرى فى حالته الحاضرة، الكتاتيب أم مدرسة كلية عالية؟، واستدرجت المناظرة كثيرا من الكتاب للاشتراك فيها على صفحات الجرائد المختلفة، وانتهت بغير طائل ولا نتيجة.
ويؤكد أن الخطوة الأولى الأساسية فى بناء الجامعة بدأها مصطفى كامل الغمراوى ببنى سويف، بأن نشر نداء فى جميع الصحف العربية والأفرنجية بمصر فى 30 سبتمبر 1906، داعيا لفكرة الجامعة، مهيبا بالقادرين من الأمة أن ينزلوا الميدان، وقال فيه: «لاعتقادى بأن على كل منا دينا لوطنه يجب وفاؤه وعدم المماطلة فيه بادرت للاكتتاب بخمسمائة جنيه أفرنجى لمشروع إنشاء مدرسة جامعة مصرية، وطرح أربعة شروط لها وهى: ألا تختص بجنس أو دين، بل تكون لجميع سكان مصر على اختلاف جنسياتهم وأديانهم، فتكون واسطة للألفة بينهم، وأن تكون إدارتها فى السنين الأولى فى أيدى جماعة ممن يصلحون لإدارة مثل هذا المعهد العلمى الكبير، وأن يكتتب على الأقل ألف من سكان مصر كل منهم بمبلغ لا يقل عن مائة جنيه، ويجوز أن يزيد هذا المبلغ إلى ما شاء الواهب وحبه لوطنه وللإنسانية، وأن يقام بناء هذه المدرسة فى بقعة خلوية من أجمل بقاع مصر على شاطئ النيل، وتعمل لها حديقة من أجمل الحدائق.
يختتم «الغمراوى» هذا النداء بدعوة للإفاقة.. فيقول: «إذا لم يجب هذا النداء ألف من أغنياء مصر، وهم ألوف عديدة، فلنخبئ وجوهنا أمام كل الأمم ولنعترف بأننا عاجزون عن مباراة الأجانب فى مضمار الحياة الأدبية والمادية».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة