أصدرت الدائرة الجنائية "و" بمحكمة النقض حكماَ رسخت فيه لمبدأ قضائيا في غاية الأهمية بشأن قضايا المخدرات – المحاولات الشرائية - التي يتم ضبطها بالاستعانة بالمصادر السرية، قالت فيه إن حالة التلبس تستوجب أن يتحقق مأمور الضبط القضائي من قيام الجريمة بمشاهدتها بنفسه أو بإدراكها بحاسة من حواسه ولا يغنيه عن ذلك تلقي نبأها عن طريق الرواية أو النقل من الغير شاهداً كان أو متهماً يقر على نفسه".
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 14043 لسنة 88 القضائية – لصالح المحامى بالنقض جورج أنطون، برئاسة المستشار نبيه زهران، وعضوية المستشارين أحمد الخولى، ومحمد عبد الحليم، ومحمد عبد السلام، وأحمد الغرباوى، وبحضور رئيس النيابة لدى محكمة النقض إسلام صقر، وأمانة سر حسن سعد.
النقض تؤكد: التلبس حالة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها
المحكمة في حيثيات الحكم قالت – كان من المقرر أن الحرية الشخصية حق طبيعي وهى مصونة لا تمس وفيما عدا حالات التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع، ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة، وذلك وفقا لأحكام القانون، فالتلبس حالة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها ولتوافرها استوجب الشارع أن يتحقق مأمور الضبط القضائي من قيام الجريمة سواء بمشاهدتها بنفسه أو إدراكها بإحدى حواسه ولا يغنيه عن ذلك أن يتلقى نبأها عن طريق الرواية أو النقل عن الشهود طالما أن تلك الحالة قد انتهت بتماحى آثار الجريمة والشواهد التي تدل عليها والقول بتوافر حالة التلبس أو عدم توافرها هو من المسائل الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بتقديرها.
وبحسب "المحكمة": ولما كان شاهد الإثبات قد أيقن إحراز المتهم الجوهر المخدر عقب إجراء مصدره السري محاولة الشراء على نحو ما سلف، وقام بضبطه عقب توافر حالة التلبس بالجريمة والتي أدركه بحاسة البصر الأمر التي تتوافر معه حالة التلبس بجريمة في حق المتهم، مما يبيح لشاهد الإثبات إلقاء القبض عليه وتفتيشه ذلك التفتيش الذى أسفر عن ضبط باقى الجوهر المخدر، ولما كان الضبط قد وقع صحيحاَ فتأخذ المحكمة بكل دليل يسفر عنه التفتيش اللاحق عليه، ويضحى ما يثيره الدفاع في هذا الصدد غير سديد متعينا رفضه".
المادتين 34، 35 من قانون الإجراءات الجنائية
ولما كان ذلك – وكانت المادتين 34، 35 من قانون الإجراءات الجنائية المعتدلتان بالقانون رقم 37 لسنة 1972 المتعلق بضمان حريات المواطنين قد أجازتا لمأمور الضبط القضائى في أحوال التلبس بالجنايات أو الجنح المعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على 3 أشهر أن يقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه، فإذا لم يكن حاضراَ أجاز للمأمور إصدار أمراَ بضبطه وإحضاره، كما خولته المادة 46 من القانون ذاته تفتيش المتهم في الحالات التي يجوز فيها القبض عليه قانوناَ.
وبحسب "المحكمة": كان من المقرر قانوناَ أن التلبس صفة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها مما يبيح للمأمور الذي شاهد وقوعها أن يقبض على كل من يقوم دليل على مساهمته فيها وأن يجرى تفتيشه بغير إذن من النيابة العامة، وأنه ولئن كان تقدير الظروف التي تلابس الجريمة وتحيط بها وقت ارتكابها ومدى كفايتها لقيام حالة التلبس أمراَ موكولاَ إلى محكمة الموضوع إلا أن ذلك مشروط بأن تكون الأسباب والاعتبارات التي تبنى عليها المحكمة تقديرها صالحة لأن تؤدى إلى النتيجة التي انتهت إليها.
حالة التلبس تستوجب أن يتحقق مأمور الضبط القضائي من قيام الجريمة بمشاهدتها بنفسه
لما كان ذلك – وكان لا يضير العدالة إفلات مجرم من العقاب بقدر ما يضيرها الافتئات على حريات الناس والقبض عليهم بغير وجه حق، وقد كفل الدستور هذه الحريات باعتبارها أقدس الحقوق الطبيعية للإنسان بما نص عليه في المادة 54 منه من أن: "الحرية الشخصية حق طبيعي وهى مصونة لا تمس وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد وتفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق".
لما كان ذلك – وكانت صورة الواقعة – كما حصلها الحكم المطعون فيه في مدوناته التي سلف بيانها – لا تنبئ عن أن جريمة إحراز جوهر الحشيش المخدر التي دين الطاعن بها كانت في حالة من حالات التلبس المبينة على سبيل الحصر في المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية، إذ أن تلقى مأمور الضبط القضائي نبأ الجريمة من الغير لا يكفى لقيام حالة التلبس مادام لم يشهد أثراَ من أثارها ينبئ بذاته عن وقوعها قبل إجراء القبض، وحالة التلبس تستوجب أن يتحقق مأمور الضبط القضائي من قيام الجريمة بمشاهدتها بنفسه أو بإدراكها بحاسة من حواسه ولا يغنيه عن ذلك تلقي نبأها عن طريق الرواية أو النقل من الغير، ذلك أن البين من مدونات الحكم للمطعون فيه أن مأمور الضبط القضائي لم يشاهد عملية البيع والشراء بين المصدر السرى والطاعن، ولم تكن تحت بصره، وما أورده الحكم بمدوناته لا ينبئ بذاته عن إدراك الضابط بطريقة يقينية على ارتكاب هذه الجريمة، وهو ما لا يوفر حالة التلبس.
والحيثيات: لا يغنيه عن ذلك تلقي نبأها عن طريق الرواية أو النقل من الغير
وبحسب "المحكمة": فإن القبض على الطاعن يكون قد وقع في غير حالة تلبس بالجريمة، ومن ثم فإن دفع به في حقه هو قبض مخالف لصحيح القانون، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وجرى قضاءه على صحة هذا الإجراء فإنه يكون معيباَ بالخطأ في تطبيق القانون، بما يوجب نقضه وكان بطلان القبض مقتضاه قانوناَ عدم التعويل في الحكم بالإدانة على أي دليل مستمد منه، وبالتالي فلا يعتد بشهادة من قام بهذا الإجراء الباطل، ولما كامن الدعوى حسبما حصلها الحكم المطعون فيه لا يوجد فيها من دليل سواء فإنه يتعين الحكم ببراءة الطاعن عملاَ بالفقرة الأولى من المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 ومصادرة المخدر والسلاح الأبيض المضبوطين عملاَ بالمادة 42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل والمادة 30 من القانون 394 لسنة 1954 المعدل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة