فى كثير من الأحيان نسمع جملة "السكوت علامة الرضا"، ولكن هل "السكوت" من الممكن فلا أن يكون "علامة الرضا" فعلا فى القانون – حيث أن فى العديد من المجتمعات والأسر يكون سكوت عامة الناس على الفساد لا يعنى الرضا عن تلك الممارسة أو القبول بها، إنما يعد ذلك السكوت فى أضعف الحالات تعبيرا عن عدم المبالاة، وربما عدم الثقة فى جدوى عدم السكوت، وفى حالات أخرى يكون السكوت جبنا وخوفا من بطش الفاسدين، فيخشى الشخص على نفسه أن اختار عدم السكوت واعترض على الفساد أو انتقده.
من الأمثال الشائعة الذى لا يجادل فيه عامة الناس المثل القائل "السكوت علامة الرضا"، وفى الأغلب الأعم يكون عدم التصريح بالرضا والقبول نتيجة حرج أو خجل أو كليهما معا، ويرتبط المثل عند عامة الناس ـ خاصة فى السابق ـ بالأهل حين يسألون ابنتهم أن كانت توافق على من تقدم لخطبتها زوجا، فتستحى أن ترد فيعتبر سكوتها علامة على الموافقة – وبالطبع أن كانت لا توافق فستفصح عن ذلك ـ أما أن سكتت فإن السكوت علامة الرضا.
هل "السكوت علامة الرضا" وفقا للقانون؟
وهكذا الحال تنسحب المقولة الشهيرة على ما هو أكثر من السؤال الشرعى الواجب على الأهل حين تزوج ابنتهم، لتغطى مواقف فردية وجماعية مختلفة، فإذا سكت الناس عامة عن أمر يخصهم، يفسر صاحب الأمر ذلك بأنه "علامة رضا"، لكن الحقيقة أن السكوت ليس دوما علامة الرضا والقبول والموافقة، بل ربما كان تعبيرا أكثر قسوة عن الرفض الممزوج باليأس من التعبير عن ذلك الرفض والممانعة والأمثلة كثيرة.
فى التقرير التالى، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية السؤال، هل "السكوت" فعلا "علامة الرضا" ولكن من الناحية القانونية وليست فى الأمور المجتمعية التى اعتادنا عليها؟ حيث أن السكوت فى أصله هو السكون والصمت وعدم الكلام، ولذلك فالسكوت لا يفيد شيئا، وبالتالى لا يفيد القبول ولذلك يوجد مقولة فقهية مضمونها "لا ينسب لساكت قول"، وسبب ذلك واضح لأنه لا يمكن اعتبار امتناع الشخص عن التعبير عن رأيه صراحه أو ضمنا رضا منه وإلا بذلك نكون حملنا كل شخص وجه اليه عرض معين أنه يلزم أن يرد على ذلك العرض سواء بالقبول أو الرفض، وإلا اعتبرنا سكوته رضا منه عن العرض أو الايجاب الموجه له وبذلك يكون كتير من الناس مرتبطين بالتزامات غير راضين عنها لمجرد سكوتهم – بحسب الخبير القانونى والمحامى طاهر على ديغم.
أزمات "السكوت" فى المعاملات التجارية والإيجارات
ولكن إذا كان ذلك هذا هو الأصل فلا يوجد ما يمنع أن يخرج عن هذا الأصل نص القانون أو يتفق الاطراف على ذلك - فعلى سبيل المثال - القانون المدنى خرج عن هذا الأصل فى أكثر من موضع مثل نص المادة 322 ونص المادة 421 والمتعلقة بالبيع بشرط التجربة، وفى هذه المشرع اعطى الحق للمشترى أن يقبل المبيع أو يرفضه، وأوجب على البائع أن يمكنه من التجربة، فاذا رفض المشترى الشيء المبيع يجب عليه فى خلال المدة المتفق عليها أن يعلن البائع برفضه، ولو لم يتم الاتفاق على مدة، فيتم الاعلان فى مدة معقولة يعينها البائع وإلا اعتبر سكوته فى هذه الحالة، وعدم اعلانه للبائع برفضه فى خلال المدة المحددة قبول منه للشيء المبيع – وفقا لـ"ديغم".
وكذلك من الممكن أن يتفق الاطراف على اعتبار السكوت رضى أو قبول، ففى هذه الحالة يجب اعمال هذا الاتفاق - فعلى سبيل المثال - يتفق المؤجر والمستأجر فى عقد الايجار أن العقد يتجدد تلقائيا ما لم يخطر أحد الطرفين الأخر برغبته بعدم تجديد العقد خلال مدة معينة شهرين أو ثلاثة قبل انتهاء مدة العقد ففى هذه الحالة يعتبر السكوت عن الاخطار رضا بتجديد العقد، أما فى غير هذه الحالات يبقى الأصل على حاله فى أن السكوت لا يدل على القبول إلا فى حالة معينة الفقهاء أطلقوا عليها حالة "السكوت الملابس" – الكلام لـ"ديغم".
ضوابط وشروط أعمال مبدأ "السكوت علامة الرضا"
فى هذه الحالة سالف البيان - يمكن اعتبار السكوت استثناء قبول فى بعض الحالات و"السكوت الملابس" يعنى أن السكوت تلابسه أو تحيط به ظروف معينة هى التى تجعله يفيد القبول، والأصل أن تقدير الظروف الملابسة تدخل فى سلطة القاضى، لكن تيسيرا فى هذه الحالة وضعت كثير من القوانين العربية بعض الضوابط التى يستطيع القاضى من خلالها تحديد دلالة الظروف الملابسة للسكوت كالتالي:
1-طبيعة المعاملة أو العرف التجاري
أو غيرها من الظروف التى تعتبر السكوت قبول ومنها أن يرسل البنك للعميل كشف حساب ويذكر فيه أن عدم الاعتراض على هذا الكشف فى خلال وقت معين يعتبر اقرار وقبول له.
2- وجود تعامل سابق بين الطرفين
ويعتبر السكوت الملابس هنا قبولا لأنه يستفاد من سبق التعامل بين الطرفين أن أحد الطرفين لا ينتظر من الأخر الأدلاء بتعبير صريح على قبول العرض أو الإيجاب الموجه له مثل التاجر الذى اعتاد فى ميعاد معين أن يرسل لعميله نوعا معين من السلع، واعتاد العميل قبولها دون أن يصرح إيجابا أو سلبا ففى هذه الحالة التعامل السابق بين الطرفين هو المبرر لاعتبار السكوت الملابس قبول.
3- إذا كان الإيجاب موجه لمنفعة من وجه إليه
فالقبول يستفاد فى هذه الحالة من سكوت من وجه إليه الإيجاب - وعلى سبيل المثال - أن يعرض المؤجر على المستأجر تخفيض الأجرة أو يعرض التاجر على العميل تخفيض ثمن السلعة، وكل ذلك متروك لتقدير القاضى لأن الضوابط التى جاءت بها القوانين العربية جاءت على سبيل المثال لا الحصر وعلى ذلك فإن كل سكوت تلازمه ملابسات معينه تدل على الرضا يعتبر قبولا.
الخلاصة:
وكما قال فقهاء الشريعة الإسلامية "السكوت في معرض الحاجة بيان"، فلو علم الموكل بتعدى الوكيل حدود الوكالة وسكت عن ذلك فإن سكوته يعتبر اقرار لأنه لو أراد أن يعترض لتكلم لكنه سكت فى معرض الحاجة – والخلاصة - الأمر أن السكوت في الأصل لا يدل على الرضا إلا لو خرج القانون عن ذلك الأصل أو اتفق الطرفين على خلاف الأصل أو كان السكوت تلابسه ظروف معينه تفيد دلالة القبول.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة