أثار الإعلان عن مقتل أبومصعب البرناوى زعيم تنظيم "بوكوحرام" الإرهابى، فى 15 أكتوبر الجارى (2021)، الكثير من الجدل والتساؤلات حول ما يعنيه مقتل زعيم التنظيم الإرهابى الذى صُنِّف خلال السنوات الأخيرة على أنه الأكثر وحشية على مستوى العالم، وهو أحد التنظيمات الموالية لتنظيم "داعش" الإرهابى حسبما ورد فى دراسة لمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
وطرحت الدراسة مجموعة من التساؤلات حيث قالت :"هل مقتل البرناوى يزيد من احتمال بانتهاء وتصفية التنظيم الإرهابى، وما يترتب عليه من تقليص حضور "داعش" فى إفريقيا، أم أن هناك عوامل تعزز من استمراره وتساعده على احتواء خسائره وتدعيم مركزه فى إقليم غرب إفريقيا ومنطقة الساحل.
وأشارت الدراسة إلى انه على الرغم من حالة الارتباك التى أصابت التنظيمات الإرهابية الموالية لـ"داعش" فى أقاليم إفريقيا جنوب الصحراء وأهمها تنظيم "بوكوحرام"، كنتيجة لمقتل القادة الرئيسيين فى تنظيمات الساحل وغرب إفريقيا، إلا أن اهتمام تنظيم "داعش" بجذب التنظيمات الإرهابية فى القارة إليه ومحاولة التدخل بشكل مباشر لإعادة هيكلة هذه التنظيمات، كلها عوامل تشير إلى إصرار التنظيم الإرهابى على إعادة التمركز فى القارة الإفريقية .
ويحذر مسئولو مكافحة الإرهاب الغربيون من أن "داعش" قد وجد فى إفريقيا طرقاً ليس فقط للبقاء على قيد الحياة ولكن للانتشار. كما أن الأزمات التى تعانى منها دول وحكومات القارة الإفريقية، وعجز هذه الدول عن الوفاء بواجباتها وتوفير الحد الأدنى من الأمن الإنسانى، مع عدم قدرة هذه الدول على السيطرة على كامل إقليمها، يقدم فرصاً ثمينة لقوى الشر المختلفة، سواء التنظيمات الإرهابية أو تنظيمات الجريمة المنظمة، للاستقرار واستغلال أراضى وموارد القارة فى تنفيذ أهدافها وتحقيق طموحاتها الشيطانية.
يأتى ذلك فى الوقت الذى لا يمكن أن تعول الدول الإفريقية على القوى الدولية والإقليمية فى تقديم الدعم والمساندة لتحقيق الحماية والتخلص من تهديدات التنظيمات الإرهابية فى القارة، فى ظل تركيز هذه القوى على إعطاء أولوية لمصالحها، مما يؤدى إلى نتائج كارثية على حياة السكان فى الدول المتضررة من الإرهاب، وخير مثال على ذلك حالة "الهرولة" الفرنسية للهروب من إفريقيا بعد ثمانية أعوام من التواجد العسكرى لقواتها التى تدخلت لمكافحة الإرهاب، إلا أن أراضى القارة تحولت إلى مركز رئيسى لنمو وانتقال التنظيمات الإرهابية.
وربما يساعد تركيز الجيوش الوطنية، ومنها الجيش النيجيرى، على تكثيف عملياتها ضد تنظيم "بوكوحرام"، وخاصة فى ظل حالة الارتباك التى يواجهها، فى القضاء على خلايا هذا التنظيم التى تشير بعض التقديرات إلى أنها تبلغ ما بين 50- 60 خلية، وخاصة فى ظل استسلام آلالاف من عناصر "بوكوحرام" للجيش النيجيرى بعد مقتل أبوبكر شيكاو، وافتقاد التنظيمات الإرهابية لمبادئ الولاء، حيث يتخلص تنظيم "داعش" من قادة التنظيمات الإرهابية المواليه له دون وجود اى اعتبارات للولاء وكذلك تقوم العناصر شديدة التطرف بالتخلص من المعارضين لها.
فقد ذكرت مصادر فى تنظيم "داعش"، أنه أبلغ "ولاية غرب إفريقيا الإسلامية" ((ISWAP بأن موقعه على جزر بحيرة تشاد سيجعل التوسع الهادف أمراً صعباً، وأن الأفضل هو التواجد فى سامبيسا- معقل شيكاو ومخبأه- وأن السيطرة على سامبيسا ستتطلب القضاء على شيكاو. ولذلك قام أبومصعب البرناوى الزعيم السابق لـ"ولاية غرب إفريقيا" بمهاجمة سامبيسا وقتل الأخير.
فضلاً عن ذلك، فإن التعاون الإقليمى، سواء فى إطار القوة متعددة الجنسيات لمحاربة "بوكوحرام" أو فى سياق الاتحاد الإفريقى أو الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، قد يؤدى إلى مزيد من النجاحات فى القضاء على العناصر فى الجيوب المختلفة للتنظيمات الإرهابية. ولكن لكى تنجح هذه الترتيبات لابد أولاً من أن تتحمل كل دولة أفريقية مسئولياتها فى مكافحة الإرهاب، ولا يكون العبء ملقى فقط على كاهل الدول المتضررة منه، كما يجب أن تتوصل الدول الإفريقية إلى حلول للمشكلات المالية والخلافات التى تتصاعد فيما بينها والتى تنعكس سلباً على كفاءة العمليات المشتركة لمكافحة الإرهاب.