يشهد العالم موجة تضخمية نتيجة تداعيات جائحة كورونا، وتأثيرها الكبير على سلاسل الإمداد بداية من المصانع، حتى الوصول إلى المستهلكين بمختلف دول العالم، بخلاف تأثيرها على أسعار الطاقة خاصة النفط والغاز الطبيعى، حيث تضاعفت أسعار النفط لمرتين ونصف على الأقل من 25 دولار للبرميل لأكثر من 84 دولارا حاليا، فيما ارتفعت أسعار الغاز بنسبة تصل لنحو 30% عالميا وكذلك ارتفاع أسعار مشتقات الطاقة؛ مما أدى لارتفاع أسعار السلع والمنتجات.
كشف الدكتور أحمد عبد الحافظ، الخبير الاقتصادى، أن مصطلح "التضخم المستورد" سيظهر خلال الفترة المقبلة، ولا سيما فى الدول التى تعتمد بشكل كبير على الاستيراد، وبالتالى مع زيادة الأسعار جراء موجة التضخم العالمية، ستزيد أسعار السلع المستوردة، ما يتطلب السعى للحد من الاستيراد بصفة عامة.
أحمد عبد الحافظ: الأزمة نتيجة عدم التوافق بين العرض والطلب بين المنتج والاحتياج
أضاف أحمد عبد الحافظ لـ"اليوم السابع" أن موجة التضخم العالمية هى نتاج مباشر للتعافى التدريجة لجائحة كورونا فمع ذروة الجائحة حدث إغلاق تام لأغلب مصانع العالم على رأسهم الصين "مصنع العالم" نتيجة عدم وجود طلب بسبب تأثر سلاسل الامداد، وبالتالي انخفض برميل البترول لـ20 إلى 25 دولارا، ومع التعافى وانتشار اللقاح وعودة المصانع للعمل بكامل طاقتها أصبح هناك عجزا؛ نتيجة عدم التوافق بين العرض والطلب بين المنتج والاحتياج له.
أشار عبد الحافظ انه نتيجة لفتح المصانع بدأ الطلب يتزايد على البترول وارتفع من 25 دولارا حتى 80 دولارا فى رحلة صعود ربما تقارب ال 100 دولار بنهاية العام الجارى، مما ترتب عليه ارتفاع كبير فى كل مشتقات الطاقة، ومنها الغاز بجانب ارتفاع أسعار المادة الخام ومدخلات الإنتاج، والنتيجة ارتفاع أسعار المنتجات عالميا بما فيها الرقائق الالكترونية التى تدخل فى صناعة السيارات والأجهزة، لافتا أن هذا يعنى أن كل دول العالم ستتأثر بهذه الموجة التضخمية الفترة المقبلة.
الموجة التضخمية تتطلب لخفض فاتورة الاستيراد
كشف الدكتور جمال هيكل، الخبير الاقتصادى، أن الموجة التضخمية العالمية تتطلب اتخاذ حكومات الدول النامية لإجراءات داخلية تتعلق بوضع مؤسساتها، وكذلك الحد من فاتورة الاستيراد بما يضمن عدم التأثر بشكل كبير بالسلع المستوردة.
أضاف جمال هيكل لـ"اليوم السابع" أن هناك تفاوتا بين المحللين حول قوة وتأثر الموجة التضخمية حيث يرى البنك المركزى الأوروبى والذى تقوده كريسيتن لاجارد المدير السابق لصندوق النقد الدولى، إنه يمكن عبور تلك الموجة خلال سنة من الان، لافتا أن البنك ليس متشائما بشكل كبير كما يثار فى بعض وسائل الإعلام العالمى، فى الوقت الذى يختلف مع رؤية المركزى الأوروبى بعض المحليين العالميين أيضا.
أشار أن مدى قوة الموجة سيتوقف على تعافى سلاسل الامداد، وعودة الصين للإنتاج الصناعى بكامل طاقتها خاصة بعدما أوقفت استخدام الفحم مؤخرا، إلا إنها بدأت فى التراجع عنه مرة أخرى لدرجة أن الصين كانت تطلب من المواطنين الصاعدين للدور الثالث فى البنايات ألا يركبوا الاسانسيرات لتوفير الطاقة للحد من الانبعاثات.
أوضح جمال هيكل أن سبب الموجة التضخمية جائحة كورونا والتعافى لقطاع الصناعة وبالتالى زيادة الطلب وارتفاع أسعار النفط والطاقة ومدخلات الإنتاج لمختلف الصناعات.
التغيرات المناخية ساهمت فى الموجة التضخمية العالمية
أكد الدكتور رشاد عبده الخبير الاقتصادى، أن الموجة التضخمية فى العالم كانت متوقعة نتيجة العديد من المتغيرات من بينها التغير المناخى " فنحن جُرنا على الطبيعة، وبالتالى الطبيعة تدفّعنا الثمن فى صورة فيضانات وحرائق وجفاف، وهناك فيه خلل بيئى أثر على المعروض من المواد الغذائية التى ارتفعت أسعارها".
أضاف رشاد عبده لـ"اليوم السابع" أن المتغير الثانى هو الطاقة، سواء البترول والغاز التى ارتفعت أسعارها عالميا؛ نتيجة تعرضها لفترة خلل وانخفاض فى السعر، ثم ارتفاع كبير فى ظل تعطل بعض الابار وسلاسل المداد فى أوروبا وأمريكا.
والأخطر أن النقل كله مرتبط بالنفط، وبما أن تكاليف الطاقة ارتفعت فإن كل الآلات سترتفع قيمتها بداية من المحراث وآلات الحصد التى تعمل بالطاقة ومشتقاتها؛ مما سيؤثر على أسعار السلع نفسها خاصة مع مبدأ العرض والطلب.
وأوضح أن المتغير الثالث بسبب كورونا وما تسببته من أثار كارثية بالرغم من انتشار اللقاحات نوعا ما حاليا، لكن تأخر الدول المتقدمة عن منح " النو هاو" للدول النامية تسبب فى ذلكم بعد رفض مقترحات دول مجموعة العشرين وكذلك ساهم هذا فى تأخر التعافى حتى نسب توزيع اللقاحات ضئيلة.
وأضاف الدكتور رشاد عبده، أن ارتفاع الأسعار عالميا سيؤثر على كل الدول خاصة النامية والفقيرة، وستحتاج لوقت للتعافى لأنها - قطعا - جزء من العالم وتستورد الكثير من منتجاتها من العالم، لافتا أن أحد أسباب موجة التضخم، هو محاولة الصين لخفض استهلاك الفحم فى الصناعة مما قلل المعروض وهو ما دفعها للتراجع خوفا من تراجع النمو وتراجع دولة مثل الهند، كانت تستورد الفحم النقى من استراليا ومع زيادة السعر استخدمت الفحم الملوث لديها.
وأشار إنه من المهم التركيز على الاستثمار وتوطين الصناعة، وخفض الاستيراد مع زيادة الرقعة الزراعية، والتنوع فيها للدول النامية ومنها مصر، بهدف تجاوز مثل تلك الأزمات مستقبلا.
الدول المنتجة للنفط والطاقة رفعت الأسعار لكى تستفيد لمعالجة الأزمة المالية
قال الدكتور هشام إبراهيم أستاذ الاستثمار والتمويل بجامعة القاهرة، أن الأزمة العالمية الحالية نتجت من عدم التنسيق الدولى للخروج من الآثار السلبية لجائحة كورونا.
وأوضح هشام لـ"اليوم السابع" أنه فى بداية الجائحة تعاونت الدول بشكل كبير من الناحية الصحية، من خلال توفير اللقاحات والأمصال، بينما لم يتم التعاون من الناحية الاقتصادية، مؤكدا أنه كان من المفترض أن يتم التعاون بيبن الدول للخروج من الأزمة الاقتصادية.
وأوضح أن الدول المنتجة للنفط والطاقة رفعت الأسعار لكى تستفيد لمعالجة الأزمة المالية لديها نتيجة للتداعيات السلبية لجائحة كورونا، حيث خفضت كل المصانع والدول طاقاتها الإنتاجية فى ظل تراجع كبير فى الطلب على السلع والطاقة بكل أشكالها مع استمرار الإغلاق الاقتصادى جراء الجائحة، وهذا تسبب فى تراجع النفط إلى مستويات هى الأدنى له خلال مايو 2020 فى العقود الآجلة، ومع العودة إلى الأنشطة الاقتصادية بعد تمكن الدول من التوسع فى أنشطة تلقيح ضد كورونا، بدأ الطلب يرتفع بقوة على السلع والطاقة وهنا بدأت تظهر الأزمة.
وأكد أستاذ التمويل والاستثمار بجامعه القاهرة أنه مع ارتفاع أسعار الطاقة بدأت الدول فى تخفيض انتاجها مما أدى إلى قلة الإنتاج مما تسبب فى ارتفاع الأسعار، لافتا إلى أن بعض دول بدأت الحديث عن الأساليب القديمة للطاقة للفحم ولكن سيكون له تأثير على المناخ.
ويرى أن الحل من الخروج من هذه الأزمة أن تتعاون جميع الدول للخروج من هذه الأزمة مثلما تعاونوا من من الناحية الصحية.
وقد ظهرت الأزمة العالمية الحالية التى ظهرت نتيجة الخلل فى سلاسل التوريد والإمداد تسببت فى ارتفاعات كبيرة سواء فى الطاقة أو السلع الأخرى، فمثلا أسعار الغاز الطبيعى فى أوروبا سجلت ارتفاعات 500% فى حين ارتفعت سلع بنسبة 15 إلى 30% فى بعض الدول، وهنا تشير توقعات مراقبى الأسواق إلى استمرار الأزمة وارتفاع نسب التضخم لمستويات قياسية قد تصل بالعالم إلى ما يسمى الركود التضخمى وهو الخطر الأكبر الذى يهدد كل الدول.
يتوقع إبراهيم أن هذه الأزمة لم تستمر طويلا نظرا لأن العالم مازال يعانى من حالة ركود وكساد من كورونا، موكدا انها فترة مؤقتة نظرا لأن سببها الأساسى يرجع إلى عدم التوازن بين العرض والطلب الناتج عن تراجع الإمدادات فى ظل إغلاق عدد كبير من المصانع بسبب تداعيات فيروس كورونا، وعودة الطلب لمعدلات ما قبل الجائحة، متوقعا عودة التوازن بين جانبى العرض والطلب خلال عامين، مع إعادة تشغيل المصانع المغلقة وإنشاء مصانع جديدة.
وقد شهدت أسعار الغذاء، والطاقة، والمواد الأولية حول العالم قفزات قياسية، مع صحوة الطلب وزيادة معدلات الاستهلاك.
وسجلت أسعار الغاز فى أكتوبر بأوروبا مستويات قياسية، متجاوزة مستويات 1300 دولار/ ألف متر مكعب، فيما سجلت صادرات مصر من الغاز قفزات نسبتها %315 بالربع الأول من العام الجارى، مقارنة مع الفترة المماثلة من العام الماضى، لتسجل 564 مليون دولار، مقابل 136 مليونا فى الفترة المقابلة من العام الماضى، وفقا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.