لم يكد الرئيس الأمريكى جو بايدن يلتقط أنفاسه بعد تمرير أحد البنود الأساسية فى أجندته الاقتصادية، وهو مشروع قانون البنية التحتية بقيمة تريليون دولار، الذى وافق عليه الكونجرس الأسبوع الماضى، حتى جاءت أرقام وزارة العمل بشأن معدلات التضخم المرتفعة لتعكر صفو هذا الانتصار التشريعى الذى طال انتظاره.
وتقول شبكة "سى إن إن" إن الكابوس السياسى القادم الذى يواجه الرئيس الأمريكى جو بايدن هو التضخم فى الولايات المتحدة، واصفة إياه بالقوة التى يمكن أن تدمير ميزانيات الأسر والحياة السياسية، وتقف ورائها عوامل محلية وعالمية يصعب على أى رئيس أن يقوم بإصلاحها بشكل سريع.
وأظهرت البيانات الحكومية أن تكلفة المعيشة الأمريكية قد ارتفع 6.2% خلال الأشهر الـ 12 الماضية، وهو أعلى معدل منذ 30 عاما، مما دق أجراس القلق بالبيت الأبيض، الأربعاء، وقدم نافذة جديدة للجمهوريين لانتقاد بايدن بسبب ارتفاع أسعار الطاقة.
وذهبت الشبكة إلى القول بأن الأرقام تسلط الضوء على ما يعرفه الأمريكيون بالفعل، فكل رحلة إلى السوبر ماركت تظهر أن المنتجات الغذائية الأساسية مثل البيض واللحوم يرتفع سعرها. ووصل سعر جالون البنزين الآن 3.40 دولار فى المتوسط. وتهدد مثل هذه الضائقة المالية، التى تأتى مع وباء محبط مستمر منذ قرابة عامين، الموقف السياسى الضعيف بالفعل للرئيس بايدن وهو يحارب قضية سياسية تؤثر على الناخبين كل يوم.
وتقول "سى إن إن" إن البيت الأبيض كان بطيئا أحيانا فى التعامل مع التحذيرات السياسية القوية مثلما حدث مع قضية الهجرة. لكن كان هناك مؤشرات واضحة على تغيير فى اللهجة بعدما أمضى المسئولون أشهر يصرون على أن ارتفاع الأسعار هى مجرد عرض للوباء.
وأصدر بايدن بيانا فى البداية قال فيه إنه سيعمل على خفض الأسعار، ثم تحدث أثناء زيارته لبالتيمور عن اهتمامه وفهمه بالقضية، وقال: "كل شىء من جالون البنزين وحتى رغيف الخبز أصبح يتكلف أكثر، وهذا مبعث قلق. ولا يزال كثير من الناس متأزمين بسب الاقتصاد، ونحن جميعا تعرف السبب. فهم يجدون ارتفاعا فى الأسعار، ويذهبون إلى المتاجر أو التسوق الإلكترونى ولا يستطيعوا إيجاد ما يريدونه دائما فى الوقت الذى يريدونه".
وبالإشارة على واحدة من المشكلات الاقتصادية الكبرى التى تسبب تباطؤ فى الاقتصاد، وهى مشكلة تعطل سلاسل التوريد، قام بايدن بعمل جيد بتوضيح أن إغلاق مصنع فى ماليزيا يمكن أن يجعل الحياة أكثر تكلفة فى الولايات المتحدة. لكن سى إن إن تقول إن المهمة السياسية التى تنتظره تتطلب تركيزا يوميا هائلا ورسائل قوية متكررة، والتى لم ينجح فيها بعد بشكل كامل البيت الأبيض فى عهد بايدن.
من جانبها، قالت صحيفة ذا هيل أن ارتفاع الأسعار أحد العوامل العديدة التى تتسبب فى انخفاض نسب الموافقة على أداء بايدن وتراجع آراء الناخبين فى تعامله مع الاقتصاد، وهو أمر محبط للديمقراطيين. وصحيح أن بايدن أشرف على النمو فى سوق العمل وزيادة الإنفاق الاستهلاكى وزيادة مدخرات الأسر وزيادة المخزون، إلا أن الناس فى استطلاعات الرأى تركز بشكل أكبر على ارتفاع الأسعار ونقص السلع وانتكاسات أخرى فى التعافى الاقتصادى.
ولا يزال أغلب خبراء الاقتصاد يعتقدون أن التضخم سيتراجع مع تخفيف الاختناقات المرتبطة بالوباء وعودة العمال المهمشين على القوى العاملة وتحويل المستهلكين إنفاقهم مرة أخرى نحو الخدمات وبعيدا عن قطاع السلع المثقل بالأعباء.
وقالت ذا هيل إن المسئولين فى إدارة بايدن وحلفائه، الذين تجاهلوا إلى حد كبير خطر التضخم فى الربيع الماضى، يستعدون الآن لرد فعل سياسى أعمق، حيث أمضى الجمهوريون شهورا يلقون باللوم على أجندة بايدن الاقتصادية فى ارتفاع معدلات التضخم وتعهدوا يجعلها قضية حاسمة فى انتخابات التجديد النصفى.
ولا يقتصر الأمر على ارتفاع اسعار السلع والبنزين فقط، بل الأمر يشمل أيضا إيجارات المنازل، وهى قضية مهمة فى الولايات المتحدة. وقالت مجلة بولتيكو أنه على الرغم من أن ارتفاع سعر الطاقة والبقالة يعد تذكيرا مستمرا بالتضخم، إلا أن هناك اتجاها أخر يزحف يمثل إشكالية أكبر لميزانية الأسر الأمريكية ومن ثم المستقبل السياسة للديمقراطيين، وهو ارتفاع أسعار الإيجار.
وذكرت المجلة أن أسعار الإسكان سجلت واحدا من أكبر الارتفاعات الشهرية منذ عقود ويتوقع الكثير من خبراء الاقتصاد أن ترتفع بشكل أكبر فى أرقام التضخم خلال العام المقبل وحتى موعد الانتخابات النصفية فى نوفمبر 2022.
والأمر لا يقتصر على خبراء الاقتصاد فقط، بل إن بنك الاحتياطى الفيدرالى فى نيويورك قال فى بحث نشر يوم الاثنين الماضى، أن الأمريكيين فى المتوسط يتوقعون ارتفاع أسعار الإيجار بنسبة 10.1 % خلال العام المقبل، وهو أعلى قراءة فى تاريخ المسح.