كشف تقرير دولى حديث أن التغيرات المناخية ستؤثر بشكل كبير على هجرة المواطنين داخل مختلف الدول المعرضة لتلك التغيرات، حيث تتوقع النتائج التى خلص إليها تقرير Groundswell الجديد أن عدد المهاجرين داخليّاً بسبب تغير المناخ قد يصل إلى 216 مليوناً على مستوى العالم بحلول عام 2050.
وقال يورجن فوجيل، نائب الرئيس للتنمية المستدامة فى البنك الدولي انه عندما تفكر فى مسألة الهجرة بسبب تغير المناخ، ربما خطر بذهنك انتقال الناس من بلد إلى آخر هرباً من ارتفاع مناسيب البحار أو اتساع الرُّقع الصحراوية، وربما كان تفكيرك صحيحاً إلى حد ما، لكن الحقيقة هى أن الأغلبية العظمى من المهاجرين بسبب تغير المناخ ينتقلون فى الواقع فى داخل حدود بلدانهم.
وأضاف فى تقرير نشر على مدونات البنك الدولى، أنه تتوقع النتائج التى خلص إليها تقرير Groundswell الجديد أن عدد المهاجرين داخليّاً بسبب تغير المناخ قد يصل إلى 216 مليوناً على مستوى العالم بحلول عام 2050.
وقد تبدأ البؤر الساخنة للهجرة بسبب تغير المناخ فى الظهور فى وقت مبكر من عام 2030، حيث يغادر الناس أماكن لم تعد قادرة على إعاشتهم، لينتقلوا إلى مناطق تتيح فرصاً أفضل. ووفقا لهذا التقرير، فإن العوامل المحركة لهذه الهجرات ستتمثل فى شح المياه، وتراجع إنتاجية المحاصيل، وارتفاع منسوب سطح البحر.
عادة ما يقرر الناس الارتحال بعد تكرار فشل مواسم المحاصيل، أو بعد تكرار وقوع عواصف عاتية عاماً تلو الآخر، على نحو يدمر المنازل والمدارس ويفسد مياه الشرب بالملح.
فتبعاً للإجراءات الجماعية التى اتخذها العالم اليوم، يمكن أن ينخفض مسار الهجرة الداخلية بسبب تغير المناخ فى نصف القرن القادم بما يصل إلى 80% – إلى 44 مليون شخص – بحلول عام 2050.
ومع ذلك، من المرجح أن تستمر الأماكن التى يُتوقع أن تتحول إلى بؤر ساخنة "للهجرة الخارجية" بسبب تغير المناخ فى دعم أعداد كبيرة من الناس - بمن فيهم أولئك الذين لا يتاح لهم خيار آخر سوى البقاء، فى حين أن المناطق التى سينتقل إليها المهاجرون قد لا تكون مستعدة لاستقبالهم وتزويدهم بالخدمات الأساسية أو الاستفادة من مهاراتهم.
ويشتمل التقرير على تقديرات وتحليلات جديدة من ثلاث مناطق: شرق آسيا والمحيط الهادئ، وشمال أفريقيا، وشرق أوروبا وآسيا الوسطى. وهو يبنى على أول إصدار من تقرير Groundswell فى عام 2018 الذى غطَّى مناطق أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا وأمريكا اللاتينية. وبالجمع بين التقريرَيْن، خلُصَت التوقعات فى جميع المناطق حتى عام 2050 إلى أنَّ: أفريقيا جنوب الصحراء قد تشهد اضطرار ما يصل إلى 86 مليون شخص إلى الهجرة الداخلية بسبب تغير المناخ، و49 مليوناً فى شرق آسيا والمحيط الهادئ، و40 مليوناً فى جنوب آسيا، و19 مليوناً فى شمال أفريقيا، و17 مليوناً فى أمريكا اللاتينية، و5 ملايين فى شرق أوروبا وآسيا الوسطى. وستتأثر المناطق الأشد فقراً وقابلية للتأثير بالمخاطر المناخية بشكل غير متناسب أكثر من غيرها.
لكن حجم الهجرة الداخلية بسبب تغير المناخ ومواقع البؤر الساخنة ليست نقشاً على حجر، فلا تزال هناك فرصة للحد من هذه الاضطرابات بدرجة كبيرة. فتبعاً للإجراءات الجماعية التى اتخذها العالم اليوم، يمكن أن ينخفض مسار الهجرة الداخلية بسبب تغير المناخ فى نصف القرن القادم بما يصل إلى 80% – إلى 44 مليون شخص – بحلول عام 2050.
وعليه، فما المطلوب لتحقيق هذا الفارق؟
أولاً وقبل كل شيء، ضرورة اتخاذ إجراءات مبكرة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى لخفض الضغوط المناخية التى تدفع الهجرة الداخلية بسبب تغيُّر المناخ. ومن الضرورى تنفيذ هذه الجهود على مستوى العالم بأسره، وأن يتم الشروع فيها الآن.
وفى الوقت نفسه، من المهم إدراك أننا بحاجة إلى مجموعة من الإستراتيجيات لتحسين إدارة الهجرة الناجمة عن تغير المناخ أو التخطيط لها، حيث تواجه دلتا الميكونغ المنخفضة ارتفاع منسوب مياه البحر الذى يتفاقم بسبب الإجهاد المائى وانخفاض إنتاجية المحاصيل. وبالنسبة للمغرب، ستواجه سفوح جبال الأطلس ضغوطاً مائية حادة يمكن أن تزيد من الهجرة الحالية من الريف والحضر. وبالنسبة للدول الجزرية الصغيرة النامية، فإن مساحة الأراضى المتاحة آخذة فى الانكماش، وتهدد الظواهر الجوية الحادة صلاحيتها للسكن على المدى الطويل.
ومتى ما أمكن توقُّع هذه التحولات فى توزيع السكان وأديرت بشكل جيد، فقد تصبح جزءاً من إستراتيجية تكيف فعالة، تتيح للناس الخروج من براثن الفقر وبناء مصادر كسب رزق قادرة على الصمود. ومن العوامل الرئيسية فى هذا الأمر التخطيط للهجرة الداخلية بسبب تغير المناخ على نحو منظم، وبإدارة جيدة وبطريقة بعيدة النظر، على سبيل المثال، من خلال دمج الهجرة بسبب تغير المناخ فى أنماط الهجرة الأوسع نطاقاً التى يمكن أن تساعد فى تزويد الجيل القادم لبلد ما بالمهارات والوظائف فى كل من المناطق الطاردة والمستقبلة.
ربما كانت الهجرة الداخلية بسبب تغير المناخ واقعاً لا يمكننا تفاديه، لكن ليس من المحتوم أن تتحول إلى أزمة، إذا تحركنا الآن فى الاتجاه الصحيح.
وينبغى لهذا التخطيط للهجرة الداخلية أن يضع فى الحسبان جميع مراحل الهجرة: قبل التحرك وفى أثنائه وبعده.
ويمكن أن يساعد التخطيط الجيد فى ضمان أن تكون المناطق الطاردة والمستقبلة مجهزة تجهيزاً جيداً لتلبية احتياجات سكانها وتطلعاتهم. وثمة حاجة إلى استثمارات لمساعدة السكان فى سن العمل على العثور على فرص فى أسواق العمل القادرة على الصمود فى وجه تغير المناخ، إلى جانب الرعاية الصحية الجيدة والتعليم والخدمات العامة. ومن الممكن أن يؤدى الاستثمار فى رأس المال البشرى إلى زيادة قدرة المجتمعات المحلية على التكيف مع آثار تغير المناخ، ولا سيما من خلال تمكين النساء والشباب الذين فى الأغلب يكونون أول من يواجه معدلات بطالة مرتفعة.
ولمساندة هذه الخطط، يجب إتاحة مزيد من البحوث التى تتضمن بيانات تفصيلية جديدة عن مختلف آثار تغير المناخ على الصعيدَيْن الإقليمى والقُطرى. ويمكن أن تكون التقارير القُطرية عن المناخ والتنمية التى يعدها البنك الدولى بمثابة أداة لمتخذى القرار لتكملة فهم توقعات الهجرة الداخلية بسبب تغير المناخ، وأنماطها بمزيد من التحليلات السياقية لتحديد أنسب الإستراتيجيات فى كل موقع.
وتكشف الهجرة الناجمة عن تغير المناخ الارتباط الجوهرى بين تغير المناخ والتنمية الذى يؤثر تأثيراً مباشراً فى الأرواح ومصادر كسب الرزق. وربما كانت الهجرة الداخلية بسبب تغير المناخ واقعاً لا يمكننا تفاديه، لكن ليس من المحتوم أن تتحول إلى أزمة، إذا تحركنا الآن فى الاتجاه الصحيح.