إكانت فلسطين قبل الاحتلال الصهيونى واعلان قيام الكيان الاسرائيلى عام 1948 سوقاً رائجة للفن والأفلام المصرية، وكانت الفرق المسرحية وكبار الفنانين والمطربين يقيمون العديد من الحفلات والعروض فى فلسطين التى كان أهلها دائما يرحبون بالمصريين وبالفن المصرى، وكانت الفرق المصرية تلاقى نجاحا كبيرا فى فلسطين.
وكان الفنان الكبير عزيز عيد المخرج والممثل المسرحى وأحد كبار رواد الفن المصري من اوائل الفنانين الذين تنبأوا وتنبهوا لخطورة الاحتلال الصهيونى لفلسطين فى وقت مبكر قبل وقوعه وقبل اعلان دولة اسرائيل عام 1948 ، وكان دائماً يردد فى أحاديثه الخاصة خوفه على فلسطين من ان تتحول إلى مستعمرة يهودية، وذلك منذ كانت فلسطين تحت الانتداب البريطانى وبدأ اليهود ينزحون إليها من دول العالم تمهيداً لإعلان قيام دولتهم.
وكان عزيز عيد يردد هذه التحذيرات والاراء فى كل مجلس يتواجد فيه حتى شعرت السلطات الانجليزية فى فلسطين بخطورة ما يردده الفنان المصرى الكبير لدرجة أنها أخذت عليه تعهداً بعدم التدخل فى السياية والحديث فيها وإلا تمنع دخوله فلسطين.
وظل عزيز عيد كلما سافر لفلسطين يعلن رأيه صريحاً فى مطالبات اليهود بإقامة دولة لهم فى فلسطين، ويسخر من هذه الدعاوى وينتقد وعد بلفور، حتى انه منع دخول اليهود إلى العروض التى يقدمها فى فلسطين لأنه كان يعرف أن هؤلاء اليهود المهاجرين إلى فلسطين يخططون لإقامة دولة لهم على الأراضى العربية.
وذات مرة نزل عزيز عيد فى فندق اسمه " بنسيون فلسطين" وفى اليوم التالى زاره أحد أصادقائه العرب ، وعرف منه بالصدفة أن صاحب الفندق يهودى ، فما كان من عزيز عيد إلا أن ألقى بحقائبه من الشباك وهو يقول :" ما كنت أدرى أنى أنام فى بيت مجرم"
ومرة ثانية سافر عزيز عيد إلى فلسطين بفرقته التى طافت البلدان العربية ، ولما وصل إلى مدينة يافا وكانت مقسمة قسمان، قسم يقيم فيه اليهود ، وقسم يقيم فيه عرب فلسطين ، وكان المسرح الذى ستعرض عليه الفرقة يقع فى شارع بين القسمين، ويوجد به عدد من المسارح ودور السينما، فكتب عزيز عيد على المسرح لافتة تقول :" الدخول قاصر على العرب فقط"، فاعتبر اليهود هذه اللافتة تحدياً لهم وهاجموا المسرح ، فتصدى لهم العرب وأسفرت المعركة عن بعض الجرحى، وتم استدعاء الشرطة ، وعندما وجد عزيز عيد أن القوة التى جاءت للمسرح يقودها ضابط يهودى رفض الادلاء باقواله إل للضابط العربى بقسم البوليس ، حيث كان قبل الاحتلال وخلال فترة الانتداب البريطانى فى كل نقطة شرطة ، ضابط عربى وأخر يهودى تحت رياسة ضابط انجليزى ، وانتهى الأمر بإلغاء حفلات عزيز عيد فى يافا، فانتقل بالفرقة إلى مدينة نابلس ، واشترط على متعهد الحفلات ألا يسمح لليهود بدخول حفلاته.
وذات مرة أعلن عزيز عيد أنه سيقدم مسرحية " البخيل" والتى كانت تتضمن انتقادات لتحركات اليهود فى العالم ، ولشخصية اليهودى، فأعلن اليهود فى فلسطين مقاطعة المسرحية ووقفوا على باب المسرح لمنع اى يهودى من دخولها، وهو ما أسعد عزيز عيد ، فارتدى ملابس بطل الرواية وطاف فى أحياء اليهود بيافا وهو يمسك لافتة كتب عليها :" عزيز عيد يشكركم على هذه المقاطعة.
وكانت أخر رحلات عزيز عيد لفلسطين عام 1938 ، حيث عرض عليه أحد متعهدى الحفلات من الثائرين ضد دعوة اليهود لقيام دولة اسرائيل تقديم رواية "يهود مالطة" ، وبسبب هذه الرواية قامت معركة عنيفة بين العرب واليهود، حيث حاولت العصابات الصهيونية تحطيم المسرح والاعتداء على عزيز عيد ، فتصدى لهم العرب ، وتقرر بعدها منع عزيز عيد نهائياً من دخول فلسطين.