مفتى الجمهورية: نحن فى أمسِّ الحاجة إلى بذل الجهود للنهوض بالأمة.. والشباب هم حماة الأوطان وبناة حضارتها
.. ويدعو الشباب إلى ضرورة دعم الدولة فى هذه المرحلة والحفاظ على استقرار الوطن
مفتى الجمهورية
:
- النبى صلى الله عليه وسلم أول من مكَّن الشباب
- الشباب يحتاج إلى صبر فى الحياة والتعلم والتأهيل
- هناك هجمة شرسة من الأفهام المغلوطة ونحن نعيش فى عصر سيولة المعلومات
- يجب أن نقاوم هذه الأفكار المغلوطة بالعلم
- ليس الهدف من تحصيل العلم إحراز النجاح فى الجامعة فقط بل التفوق فى كافة التخصصات والارتقاء بالإنسان والعمران والأوطان
- الإسلام لا يريد الشكل إنما يريد الجوهر والمضمون
- هناك فرق بين العلم والمعلومات فالعلم منهج ويحتاج إلى وقت وتدرج قويم
- العالم يحتاج إلى مصر فى كل التخصصات وقد لمست ذلك خلال زيارتى الأخيرة للبوسنة
- تنبهنا فى دار الإفتاء إلى خطر الطلاق المبكر وأنجزنا جملة من المبادرات لعلاج هذه الظاهرة
- أول طريق الحفاظ على الشباب هو الالتفات إلى أهمية تنميته.. وتزييفه أخطر عليهم من المخدرات
- الرسول أوصانا بتجديد الدين وتوصيل الإسلام فى شكله الحضارى وتصحيح المسار أصبح ضرورة العصر
- الرسول اهتمَّ بالشباب اهتمامًا كبيرًا فقد كانوا أكثر فئة وقفت بجانبه فى بداية الدعوة
-المؤسسات الدينية عليها عبء كبير فى احتواء الشباب ووضعهم على الطريق الصحيح وترسيخ مفاهيم وسطية الإسلام
- الرسالات السماوية جميعًا عُنِيَتْ ببناء الإنسان وتطويرِه وتأهيلِه لخلافة الله فى الأرض
- أدعياء العلم فهموا الدين على غير مراده وخالفوا مقاصده .. وعلى الشباب التثبت فى مواجهتهم
شارك الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم، اليوم فى ندوة الشباب وبناء الأوطان، التى استضافتها جامعة قناة السويس، حيث رحب الدكتور السيد الشرقاوي، رئيس الجامعة بالدكتور شوقى علام، لحضوره فى جامعة قناة السويس وتلبية الدعوة للحديث حول "دَور الشباب فى بناء الأوطان".
وفى بداية الندوة أكد مفتى الجمهورية، أن السويس بلد صامد أَبِى قدَّم تضحيات كثيرة فى سبيل الوطن، مشيرًا إلى أن الشباب هم الثروة الحقيقية لأى وطن، وموضحًا أن النبى صلى الله عليه وسلم بُعث فى سن الأربعين والشباب آمن به، وكان النبى صلى الله عليه وسلم أول من مكَّن الشباب، وهناك أمثال كثيرة، منها: الصحابى أسامة بن زيد وغيره الكثيرون.
وأضاف المفتى أن الشباب يحتاج إلى صبر فى الحياة والتعلم والتأهيل، والقرآن علمنا قصة أصحاب الكهف، والهدف من القصة هو التحلى بالصبر والأمل، مؤكدًا أن هناك هجمة شرسة من الأفهام المغلوطة، وأننا نعيش فى عصر سيولة المعلومات وثورة الاتصالات، لكن هناك أشخاص يحاولون بث الأفكار المغلوطة، ويفسرون النص بما يحقق أغراضهم.
وأوضح المفتى أننا يجب أن نقاوم هذه الأفكار بالعلم، والهدف من تحصيل العلم ليس النجاح فى الجامعة فقط، بل التفوق فى كافة التخصصات، والارتقاء بالإنسان والعمران والأوطان، فإن "الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه".
كما أوضح أن العلم هو الحصن الذى يحمى الإنسان من الوقوع فى براثن الفكر المتطرف، ومن دون العلم لا يمكن أن نواجه التحديات الكثيرة التى نمر بها.
وشدَّد المفتى فى محاضرته على أن الإسلام لا يريد الشكل، إنما يريد الجوهر، ومضمون الإسلام يركز على القلب، كما أن القرآن يركز على القلب السليم المتحلى بكل الفضائل، والرسول أعطانا أوصاف الخوارج ونعتهم بأنهم "سفهاء الأحلام".
وقال المفتي: "إن هناك فرقًا بين العلم والمعلومات، فالعلم منهج، ويحتاج إلى وقت وتدرج قويم، وبعد تحصيل العلم لا بد من التدريب والتأهيل"، مشيرًا إلى أن الإقبال على مصر والحاجة إليها شديدة جدًّا فى العالم، فالعالم يحتاج إلى مصر فى كل التخصصات حتى فى مجال حفظ المخطوطات والتدريب والتأهيل، موضحًا أنه لمس تلك الأمور بنفسه خلال زيارته الأخيرة للبوسنة والهرسك.
وفى سياق متصل، تحدث المفتى عن تجديد الخطاب الدينى استجابة لقول النبى صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها"، مشيرًا إلى أن معنى التجديد ليس التبديد والتضييع، ولكن توصيل الدين فى شكله الحضاري، وتصحيح المسار وتقديم الدين فى ثوب العصر.
فى الإطار ذاته قال مفتى الجمهورية: "إننا فى أمسِّ الحاجةِ إلى كافة الجهودِ التى تَهدُفُ إلى النهوض بالأمة ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية فى سبيل الوصول بأبنائها إلى دوام الأمن والاستقرار والرفاهية".
وحول الأسرة المصرية وحمايتها قال المفتي: "تنبهنا فى دار الإفتاء إلى خطر الطلاق المبكر؛ لذلك أنجزنا جملةً من المبادرات لعلاج هذه الظاهرة، منها دورات المقبلين على الزواج، وهذه الدورات لا تغطى الجانب الشرعى فقط، ولكن يدخل فيها الجانب النفسى والاجتماعي، ونتعاون أيضًا مع الوزرات المعنية مثل مبادرة مودة فى وزارة التضامن".
وأضاف أنه فى إطار الطلاق نفسه وجدنا إشكالات فى الأسرة، ففتحنا مركز الإرشاد الزواجي، وهناك لجنة مشتركة من الطب النفسى والمتخصص فى الشريعة وغيرها من الجوانب، ونجحنا فى دار الإفتاء فى احتواء الكثير من المشكلات الأسرية.
وأكد أهمية دَور الشباب فى بناء المجتمعات، وأن الأمم تُبنى بسواعد الشباب، مشددًا على أن الشباب هم عماد أى أمة من الأمم، وسر نهضتها وبناة حضارتها، وهم حماة الأوطان والمدافعون عن حياضها؛ ذلك لأن مرحلة الشباب هى مرحلة الطاقة والحيوية المتدفقة والعطاء.
كما تطرق إلى الحديث عن الإسلام والشباب، وكيف اهتم الرسول صلى الله عليه وسلم بالشباب اهتمامًا كبيرًا؛ مشيرًا إلى أنهم كانوا الفئة التى وقفت بجانبه فى بداية الدعوة، فأيدوه ونصروه ونشروا دعوة الإسلام وتحملوا فى سبيل ذلك المشاق والأهوال، كما كان صلى الله عليه وآله وسلم يثق بالشباب ويعتمد عليهم فى أداء المهمات الثقال، مثل (أسامة بن زيد- على بن أبى طالب).
وأضاف المفتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم، حث الشباب على أن يكونوا أقوياء فى العقيدة، أقوياء فى البنيان، أقوياء فى العمل، حيث قال: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِى خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ". غير أنه عليه الصلاة والسلام نبَّه إلى أن القوة ليست بقوة البنيان فقط، ولكنها قوة السيطرة على النفس والتحكم فى طبائعها، فقال: "لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِى يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ". وبهذا عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على إعداد الشباب وبناء شخصيتهم القوية؛ ليكون الشباب مهيئًا لحمل الرسالة، وأقدر على تحمل المسئولية، وأكثر التزامًا بمبادئ الإسلام.
هذا، وقد تطرقت كلمة المفتى إلى أهمية بناء الوعي، حيث أوضح أن أول الطريق للحفاظ على الشباب هو الالتفات إلى أهمية تنمية الوعى لديهم، وأن مفهوم الوعى فى حقيقته يدور حولَ الإدراكِ الدقيق والحقيقي؛ إدراكِ الذات، وإدراكِ المتغيرات التى تُحيط بالإنسان، والوعى بهذا المفهوم هو صفةٌ إسلاميةٌ أصيلة وعامة؛ ذلك أن الشريعة الإسلامية قد أَسَّست للوعى بمفهومه الشامل، فبيَّنت حقيقة الذات البشرية، والكون المحيط، وعلاقة الإنسان بذلك الكون.
وتابع: "تزييف الوعى وتضليل العقل أخطر على الشباب من جميع مُغيِّبات العقل ومُذهِبَات الفهم كالمخدرات وغيرها، فغياب الوعى من أكبر الأخطار المهددة لهم؛ وهذا هو ما يعلمه أعداءُ الأمة وأعداء البشرية من حماة التطرف والإرهاب، فيستخدمونهم بابًا لتسريب أفكارهم ومِعوَلًا لهدم أساس الأمة وبنائها".
وأوضح أن الوعى نوعان: وعى صحيح ووعى زائف. ومن هنا وجب علينا أمران: أن نبين زيف الأفكار والمعتقدات الهدامة من جهة، ونقيم الوعى الصحيح البنَّاء فى مقابلة الوعى غير البنَّاء من جهة أخرى. وشدد على أن تنمية الوعى لا تقف عند حدود الفكر فقط، وإنما تمتد إلى الأخطار التى تُهدد الشباب فى صحتهم وفى انتمائهم، وأن علينا جميعًا العمل على زيادة الوعى ومراقبة الشباب وتحصينهم من تلك الأفكار؛ لكونهم صيدًا ثمينًا للجماعات المتطرفة.
ولفت المفتى النظر إلى أن الأسرة المصرية أولًا ثم مؤسسات الدولة المعنية بأمور النشْء والشباب ثانيًا، يقع عليهما واجبُ الحفاظ على الشباب من كافة هذه المخاطر. ويبدأ ذلك بتنشئة الأجيال داخل الأسرة تنشئة سليمة، وقيام المدرسة بدورها، موضحًا أن لمؤسسات الدولة دورًا مهمًّا فى الحفاظ على الشباب بأن تتكاتف لصد هجمة التطرف والإرهاب الشرسة التى تحاول استقطاب الشباب.
وأما من جانب تحصين الشباب، فعلى المؤسسات الدينية عبء كبير فى احتواء الشباب ووضعهم على الطريق الصحيح، وترسيخ مفاهيم وسطية الإسلام واعتداله، ومراجعة ما يُنشَر ويُبَث من مواد دينية بشكل مباشر أو غير مباشر.
كما أن من أسباب الوقاية تنمية روح الانتماء فى قلب الشباب، وتوعيتهم بأهمية الوطن وتفعيل دورهم فى بنائه وتعميره، ولا ريب أن إقامة مشروعات طموحة تستوعب طاقات الشباب وتمكِّن لإبداعهم وتُعبِّر عن طموحهم، من أهم الخطوات الإجرائية التى تحمى الشباب.
وحول بناء الإنسان، أكد مفتى الجمهورية أن الرسالات السماوية جميعًا عُنِيَتْ فى المقام الأول ببناء الإنسان وتطويرِه وتأهيلِه لخلافة الله فى الأرض، والقيامِ بمقتضيات تلك الخلافة، وأَوْلَتِ الشريعةُ المحمدية على وجه الخصوص عنايتَها البالغة ببناء هذا الإنسان، بوصفه ركيزة الحضارة، ومناط عملية النهضة والتنمية، وسَعَتْ إلى تشييد هذا البنيان الإنسانى على قواعد ثابتة مستقرة. وبناء الإنسان يكون بالتخلية والتحلية والتزكية والعلم النافع؛ إذ إن الإنسان الذى يسعى الإسلامُ إلى بنائه ينبغى أن يكون مرتبطًا بتراثه العريق الذى يحفظ له هُوِيَّتَه الثقافية، وذاتيته الحضارية.
كما أن الإسلام يسعى إلى بناء إنسان متعلِّم؛ فالعلم هو الضامن الحقيقى لإعادة صياغة الشخصية وتطويرها بالقدر الذى تستطيع به مواكبة متطلبات العصر وتحدياته؛ ومن ثم لا يوجد ثمة ازدواجية بين العلوم الدينية والدنيوية.
وواصل المفتى قائلًا: إن العلم منهجية، وليس مجرد مجموعة من المعلومات التى تحصل فى العقل، بل هو منهجية متكاملة تستطيع بواسطة هذه المعلومات استخراج النتائج ومعرفة المقاصد والترجيح بين المصالح والمفاسد. مشيرًا إلى أن هذه المنهجية لا تحدث بين يوم وليلة، ولا بقراءة كتاب أو اثنين أو عشرة؛ بل هى نتاج سنوات من التعلُّم والقراءة والبحث والاستفادة والإفادة.
كما تحدث عمن أسماهم بـ أدعياء العلم، موضحًا أن من صفات أدعياء العلم التركيز على الشكل لا المضمون؛ فقد فهموا الدين على غير مراده فخالفوا مقاصده، وأتوا فيه بمعانٍ ومفاهيم جديدة وغريبة، ادَّعوا أنها تمثل صحيح الدين، والمؤكد أن أسلوبهم خطابى مبنى على العواطف الحماسية لا على المقاصد والمعاني، حيث يستغلون الدين فى تحقيق أغراضهم الدنيوية، رغم أن شريعة الإسلام تأمرنا بتنفيذ أوامر الله والالتزام بالدين طاعة لله عز وجل ورغبة فى تحقيق رضاه، ولكن أدعياء العلم يجعلون ذلك وسيلة لتحقيق أهداف دنيوية يلبسونها ثوب الدين، فيرفعون شعار الدين ليخدعوا به الناس لتحصيل الدنيا.
وتابع المفتى تفنيده لصفات أدعياء العلم، موضحًا أنهم كثيرو الحكم على الآخرين، ومن هنا فإنهم يتساهلون فى أمر الدماء، رغم أن شريعة الإسلام تحذر من انتهاك حرمة الدم، وتعلى من شأن حياة الإنسان. يقول الله عز وجل: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة:32]. وقال النبى ﷺ: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا جَمِيعًا أَهْوَنُ عَلَى الله مِنْ دَمٍ يُسْفَكُ بِغَيْرِ حَقٍّ».
كما يزعمون الاختصاص بالحق من دون سائر الخلق، رغم قوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾، وقال نبينا الكريم ﷺ: «وَجُعِلَتْ أُمَّتِى خَيْرَ الْأُمَمِ». ويعملون ضد مظاهر المدنية والتحضر؛ فهم فى خصام وتنافر مع مظاهر عمارة الأرض وضد كل نجاح بشري، فلم يقدموا أى شيء نافع لمجتمعاتهم أو أمتهم، رغم أن الإسلام يعلى من شأن قيمة العمل ويحث على عمارة الأرض ونشر مظاهر المدنية والحضارة، ويجعل ما يبذل فى سبيل ذلك من القربات إلى الله التى يثاب المرء عليها.
وأكد المفتى أنهم يعملون أيضًا على الانتقاص من أهل الاختصاص والتطاول على علماء الأمة، رغم أن الشريعة الإسلامية تضبط الكلام فى الدين ومجال الفتوى، وترد أمور الشريعة لأهل الاختصاص، يقول الله عز وجل: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل:43].
وكذلك الانتقاص من قيمة الوطن واعتبارهم أن محبة الأوطان شرك والتعاون مع مؤسسات الدولة والعمل بها كفر، مع أن شريعة الإسلام ترشدنا إلى أن حب الوطن من الإيمان، وتبين لنا أن الانتماء الوطنى أمر فطرى وواجب شرعي، وتوضح لنا أن قوة الوطن قوة للدين.
وعن دور الشباب فى مواجهة أدعياء العلم، أكد المفتى أن على الشباب التثبُّت، فقال: فى ظل الموجة الهادرة من أدعياء العلم فى كل مكان يجب التثبت وأخذ العلم من منبعه الصافي، ولا نأخذ الفتوى إلا من أهل الاختصاص، وتتبع المنهج الشرعى الصحيح المأخوذ عن العلماء، وهذا المنهج هو ما عبر عنه ابن عباس حين قال للخوارج: «جئتكم من عند أمير المؤمنين وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم» فأخبر أنه جاءهم من عند الصحابة، الوارثين العلم عن النبى الكريم، وورَّثوه للتابعين وتابعيهم حتى وصل إلى الأزهر الشريف؛ ذلك المنهج الصحيح الذى يربط بين الشكل والمضمون بوضوح تام، ولا يفصل بحال بينهما.
كما تطرق المفتى للحديث عن تعظيم قدر العلماء وتوقيرهم، موضحًا أن الشرع الكريم حضَّ على توقير أهل العلم؛ إذ بالعلماء يظهر العلم، ويُرفع الجهل، وتُزال الشبهة، وتُصان الشريعة. وقد روى الترمذى وأحمد عن عبادة بن الصامت رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس منَّا من لم يجلَّ كبيرَنا، ويرحمْ صغيرنا، ويعرفْ لعالمنا حقَّه".
وأضاف: علينا نبذ التشدد والغلو؛ فقد تميزت الأمة الإسلامية دون سائر الأمم بالوسطية، والتى تعنى التوسط والاعتدال بين طرفى الإفراط والتفريط. ولقد سلك المتطرفون مسلك التشدد وركبوا مركب التعصب باسم التمسك بالسنة المطهرة، لكن نصوص السنة واضحة وقطعية فى نبذ التشدد والغلو.
كما أن علينا التمسك بالأخلاق وعدم الانفصام بين العبادة والأخلاق؛ فإن التعامل مع الآخرين هو محكُّ التَّديُّنِ الصحيح. وقد اشتُهر على الألسنة أن الدين المعاملةُ. والمقصود بالمعاملة الأخلاق. وفى التدين الحقيقى لا فصل بين الإيمان والأخلاق والعمل، ويؤصل لهذا المعنى حديث جبريل عليه السلام المشهور، حين سأل النبى عليه الصلاة والسلام عن الإسلام والإيمان والإحسان. فقد بيَّن هذا الحديث الشريف أن الإسلام: شعائر وعقائد وأخلاق. والأخلاق هى مرتبة الإحسان.
وحول التحديات التى تواجهها الدولة، أكد المفتى أن الدولة تواجه تحديات جمة، منها المؤامرات والحروب التى أخذت أشكالًا جديدة هى حروب الجيل الرابع والخامس.
كما أن العالم يواجه أيضًا تحديات كثيرة، منها: كوفيد 19 والتغير المناخى وندرة المياه… وغير ذلك، مشيرًا إلى أن على الشباب دورًا كبيرًا فى مواجهة التحديات الوطنية وخاصة الاجتماعية؛ مثل: زيادة السكان والطلاق المتكرر والانتحار والتفلُّت فى السوشيال ميديا وانتشار المخدرات… وغير ذلك.
ودعا مفتى الجمهورية فى محاضرته، الشباب إلى ضرورة دعم الدولة فى هذه المرحلة؛ وذلك بتطبيق تعاليم الدين من جهة، وتعليمات القانون والدولة من جهة أخرى؛ وذلك لتحقيق أمن واستقرار المجتمع، هذا مع دعوة الغير إلى دعم الدولة والالتزام بما توجه الأفراد إليه نحو اتخاذ الإجراءات الاحترازية والحفاظ على مؤسسات الدولة من التخريب والإفساد؛ مما يحفظ على الدولة هيبتها ويؤدى إلى استقرارها.
كما دعاهم إلى ضرورة الحفاظ على استقرار الوطن، مؤكدًا أن المسلم الحق هو الذى يحب وطنه ويعمل جاهدًا على دعم مقومات الدولة والحفاظ على مؤسساتها؛ لأن فى ذلك حفاظًا على شعائر الدين ورعايةً لمصالح الخلق وانضباطًا لحياتهم. وهذا من الإصلاح الذى قال الله تعالى عنه: ﴿وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ المُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف 142]. فالمتدين بحق هو أبعد الناس عن معانى الإفساد فى الأرض.
كذلك دعاهم إلى المشاركة الإيجابية والمساعدة على حل المشكلات بالمشاركة الإيجابية فى المجتمع؛ فالمسلم الحق هو الذى لا يعيش كلًّا على أحد، يسعى لعمله كما يسعى إلى صلاته، يصلح بين المتخاصمين، ويجود بماله ووقته من أجل الآخرين، ويحارب الفساد، ويتصدى للمنكرات، ويتعاون مع أفراد المجتمع من أجل رقيه والنهوض به، امتثالًا لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
هذا إلى جانب ضرورة تمسك الشباب بدرء الفتنة، قائلًا: يجب غلق الباب أمام دعاة الفتنة؛ وذلك بتقبل الآخر والتعايش معه بالتسامح والمحبة؛ فإن الإسلام يقرر أن الناس كلهم من أصل واحد، وأنهم خُلقوا كلهم من نفس واحدة، وأنهم جُعلوا شعوبًا وقبائل ليتعارفوا، فالمتدين تدينًا صحيحًا هو الذى يؤمن بأن البشر جميعًا تجمعهم رابطة الأخوة الإنسانية، فهو يقبل الطرف الآخر ولا يُقصيه؛ لأن الإسلام أكد على وحدة البشرية وإن تعددت شرائعهم، ومن هنا ينبغى احترام الأديان والمقدسات؛ فإن الإسلام يدعو إلى احترام الأديان، كما يحرِّم الاعتداء على دور العبادة الخاصة بالمسلمين وغيرهم، ويدعو إلى تقبل التعددية العقدية؛ لأن الناس لن تجتمع على دين واحد؛ لكون الاختلاف سنة الله فى هذا الكون، قال تعالى: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة}.
وفى ختام كلمته، أكد مفتى الجمهورية أن النهضة المصرية وتحقيق رؤية الدولة فى تحقيق التنمية المستدامة لن تقوم إلا بالعمل الدءوب وَفقًا لتخطيطٍ حكيمٍ لن يتحقق إلا بتشكيل وعى شامل فى المجتمع وخاصة لدى الشباب؛ وذلك لأن العمل الناجح فرع الوعى الرشيد، ومن هنا وجب أخذ جميع الطرق الفعالة لتحقيق وظيفة العلم والعلماء فى توعية المجتمع بالطريق الأمثل لسعادة الدنيا والآخرة.