نلقى الضوء على كتاب "رحلة الأندلس" لـ محمد لبيب البتنونى، وهو من كتب الرحلات المهمة خاصة أن مؤلفه يهتم بالتاريخ ويجيد توظيفه داخل الكتاب، كما أن "الأندلس" له مكانة خاصة فى التاريخ الإسلامى والعربى.
وكان "محمد لبيب البتنونى" متعدِّد الرحلات والجولات فى أوروبا، لكنه لم يكن قد زار إسبانيا من قبل، حتى رمته المقادير عام ١٩٢٦م للتنقل سائحًا بين ربوعها، والوقوف مشدوهًا على معالم واقعة فى عوالم تتوازى فيها وتتقاطع إسبانيا الجديدة مع الأندلس الدارسة.
وقد أرسل البتنونى إبَّان رحلته مجموعة من الرسائل الراصِدة الواصِفة إلى "الأهرام" المصريَّة، والتى نشرتها بدورها فى سلسلة تحت عنوان "جولة فى إسبانيا".
وقد جمع البتنونى تلك الرسائل بين دفَّتى هذا الكتاب حتى يضع القارئ بمواجهة الصورة المتكاملة، صورة الأندلس فى ماضيها وحاضرها، وصورة الحضارة التى كان صعودها عظيمًا، وسقوطها مريرًا.
ويتميَّز أسلوب المؤلِّف بالابتعاد عن التحيُّز الصارخ للعاطفة الدينية أو القومية، وقد وشَّى عرضه الشائق بمجموعة من الصور الخاصَّة بتلك الآثار الجليلة التى خلَّفها العرب والمسلمون فى الأندلس.
يقول الكتاب:
كانت حالة إسبانيا قبل فتح العرب لها أشبه بالبداوة منها بالحضارة، ولم يعلم التاريخ لأهلها مدنية قديمة يذكرون بها، بل كانوا طوال عمرهم طعمة للفاتحين من فينيقيين ورومان ويونان وقرطاجينيين وقوط. وما كانوا يعرفون شيئًا من أسباب الحياة إلا ما كانوا يستخرجونه من معادن بلادهم فيستبدلون به مادة غذائهم وكسائهم من تجار الأمم المحتلة لبلادهم، حتى دخل فيهم عنصر الدول المتغلبة، فأخذوا يحملون سلاحهم ويدافعون عن حوزتهم، وأصبحوا أمة اشتهرت بأنها حربية وهى وإن كانت تعيش بنى أركان القرى، كان أهلها غارقين فى خشونة الهمجية إلى أواخر القرن الرابع للميلاد. ولم تقم لإسبانيا قائمة إلا فى المدة التى حكمها القوط فى أوائل القرن الخامس للمسيح. ولما دخلتها النصرانية وكثر ورود القسس إليها دعا الملك ريكارد فى أواخر القرن الخامس بطارقة النصرانية إلى مؤتمر فى طليطلة، وعلى أثره اعتنق المذهب الكاثوليكي، ومن ثم احتفل بكنيسة طليطلة هو وقومه حتى أصبحت غنية زاهية بكثرة من الأوانى الذهبية، التى كانت منها تلك المائدة الثمينة البديعة التى أخذها العرب بعد استيلائهم على هذه المدينة، وقدمها موسى بن نصير إلى الوليد بن عبد الملك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة