لم تكن مجرد احتفالية مبهرة أيها السادة المبتهجون ، ولديكم كل الحق طبعا أن تفرحوا وتبتهجوا بالمشهد العظيم للحضارة المصرية ، حضارتكم التي أبهرت العالم طوال قرون طويلة ومازالت قادرة على إبهاره ، لكننا جميعا مدعوون أن نتأمل هذا المشهد الباهر المبهر قليلا ، بعد أن نتوقف عن التصفيق والهتاف لبلدنا الحبيب الذى يولد من جديد مثل العنقاء الى تعود من رمادها بعدما ظن المتربصون أنها تحترق لتنتهى وتفنى.
الرئيس السيسي خلال افتتاح طريق الكباش
احتفالية افتتاح طريق الكباش بالأقصر ومن قبلها احتفالية موكب المومياوات الملكية ، إيذان بعهد جديد وبلد جديد، وإعلان عن مولد الجمهورية الجديدة التي تفصح عن ملامحها ومقوماتها للعالم أجمع بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى، بأنها الدولة المصرية العظمى حضاريا ، والقادرة على جمع شظايا العالم المتحطم بفعل أيديولوجيات الفوضى والخراب المسمومة ، نعم أيها السادة ، نحن على موعد مع ميلاد شمس حضارية كبرى سوف تكون قبلة العالم كله ثقافيا وحضاريا ، ومثلما تدور الكواكب في فلك الشمس ، سوف تدور بلدان العالم في فلك شمسنا الحضارية التي تولد على كافة الأصعدة والمجالات ، ودعونا نتأمل معا المشهد بتمهل وروية
مصر التي أرادوا تدميرها بالفوضى
خلال السنوات من 2005 وحتى 2012 ، كان نموذج العراق المهيض ماثلا في الأذهان مثل رواية تراجيدية لبلد يمتلك كل مقومات النجاح لكنه تعرض للتدمير بفعل فاعلين خارجيين وفاعلين من داخل البلد نفسه ، العراق العظيم الذى يستند إلى واحدة من الحضارات التاريخية السباقة في الظهور ، كما يستند إلى قوة بشرية كبيرة ومجتمع ديناميكى يزهو بتعدديته داخل فضاء الدولة وثروات مائية وطبيعية كبيرة تكفل له دخلا يمكن أن يحقق التنمية المستدامة لكل أبناء الشعب العراقى وصناعة وزراعة وقوة عسكرية إلخ ، هذا العراق العظيم تم توريطه في حروب خاسرة مدمرة على مدى عشرين عاما ثم دفعه إلى تدمير نفسه بنفسه من خلال غزو الكويت وصولا إلى غزو أراضيه والإجهاز عليه بالكامل ، هذا النموذج المأساوى التدميرى لتحولات الدول صاحبة المشروع النهضوى والطموحات الممكنة والواقعية ، كان بالنسبة لبعض القوى الكبرى قصة نجاح لإدارة الملفات الخارجية ونموذجا قابلا للاستنساخ والتطبيق في مصر ، وكانت المساعى محمومة لتوريط الدولة المصرية في حروب هنا وهناك ، ثم جرى ضربها بالفوضى ، وتم إنفاق المليارات على تدميرها وتقسيمها وتفتيتها وتشويهها بواسطة الحروب الإعلامية الجديدة وقصف الأدمغة وغزوها بالمخدرات المستحدثة التي تزيد من معدلات الجريمة، لكن كل هذه المحاولات العدوانية الفجة تحطمت على صخرة ثورة 30 يونيو التي أوقفت الخراب والدمار ومخططات القوى الغازية من خلف ستار الطابور الإخوانى الخامس الذى كان يحكم نيابة عن كل قوى الاستعمار الجديد
مصر التي أرادوا تدميرها بالفكر الظلامى والإرهاب
الحرب الأكبر والأخطر التي تعرضت لها الدولة المصرية ، والمجتمع المصرى الحافظ للدولة ، هي الحرب التي استهدفت تمزيق النسيج الاجتماعى وتغيير المكون الحضارى المصرى وتشويه الأسس التي قامت عليها تلك الحضارة ، من خلال نشر النموذج المتطرف والظلامى للفكر المشوه المتأسلم، والإسلام الحنيف الذى نعرفه منه براء . الأجيال الأكبر سنا والتي عاشت سنوات الثمانينيات تعرف حق المعرفة كيف تم القبض على رموز جماعة التكفير والهجرة قتلة الشيخ الذهبى ، وبعدها سلسال المجموعات والميليشيات الإرهابية والمتطرفة بأسماء شتى وهدفهم واحد ، وما هذه الجماعات إلا قمة جبل جليد التطرف والإرهاب الذى عملت على زرعه في مجتمعاتنا قوى معادية غربية وعربية للأسف الشديد ، كان الهدف ومازال هو الإنسان المصرى والعقل المصرى .. لم يكن مطلوبا من الإنسان المصرى الحديث أن يتصل بالمكون الحضارى الذى يمتلكه لأن الوعى به خطر على القوى المعادية سواء الاستعمار القديم أو العدو التقليدي أو حتى بعض الدول العربية التي تتحالف مع شياطين الغرب لمنع النهضة المصرية وهى آتية آتية لا محالة مثل شروق الشمس في موعدها
وخلال عشرين عاما بعد حكاية التكفير والهجرة استفحل الفكر الظلامى المتطرف في الجامعات والأندية الرياضية والنقابات بل وفى المصالح الحكومية وداخل القلاع الثقافية والفنية المنوط بها مواجهة هذا الفكر نفسه بالفن والثقافة والإبداع ، وكان طغيان البترودولار كبيرا ، كما كانت قوة الدفع الاستعمارية الجديدة هائلة ، تحمى وتدفع وتمول سماسرة الخراب وشيوخ الفتنة الكبرى ودعاة الفكر المشوه المتطرف بأكثر من نسخة ومظهر ، نسخة تقليدية متخلفة في القرى والمدن الصغيرة ونسخة كاجوال عصرية في الأندية الكبرى والعاصمة والتلفزيونات ، وكلها تصب في حوض واحد هو العمل على تدمير العقل المصرى وتشكيك الإنسان المصرى في الأسس التي تقوم عليها حضارته ومجتمعه ودفعه إلى الانسلاخ عن جلده حتى لا ينهض من جديد ، لكن هذه المحاولات العدوانية الفجة ، كان لها أن تتحطم أيضا على صخرة 30 يونيو وما بعدها بعد أن بلغت ذروة انحطاطها في وصول جماعة الطابور الخامس إلأى الحكم في غفلة من الزمن
مصر التي أرادوا كسرها بالحصار الاقتصادى
لم تكن القوى المعادية والطابور الخامس وطلائع الاستعمار الجديد تتوقع أو تتخيل أن ينتفض الشعب المصرى في ثورة على كل المخططات لتدميره وتدمير بقية الدول العربية من بعده ، ولم يكن في حساباتها أن يقول الجيش المصرى العظيم ، أنا من الشعب والشعب منى وسأقف إلى جانب الشعب وأحميه ، لم يكن أكثر المتشائمين من القوى المعادية والغازية وطابورهم الخامس المتطرف الظلامى يتخيل أن يخرج قائد الجيش آنذاك المشير عبد الفتاح السيسي ليقول " لو مقدرناش نحمى الشعب نروح نموت أحسن" ، ما هذا الذى يحدث ؟ حركة كش ملك مصرية في لحظة عبقرية تقلب موازين الشطرنج الاستعمارى على لاعبيه الذين تصوروا أنهم يديرون المنطقة العربية كلها بالريموت كونترول بعد أن سيطروا على مصر "درة التاج البريطاني" بواسطة طابورهم الخامس الإرهابى في 2012، وكان أن جن جنون الاستعمار الجديد وعملائه، تهديدات بعقوبات وفرض حصار عسكرى واقتصادى ومنع تمويلات وإطلاق المرتزقة والإرهابيين في هجمات يائسة على المصالح العامة والخاصة وعلى كمائن الجيش والشرطة وزرع القنابل في الشوارع وتحت أبراج الكهرباء وأمام دور السينما ،وممارسة كافة حملات التشويه والضغط بواسطة لوبى حقوق الإنسان وحقوق الحيوان وحقوق الكائنات الفضائية إلخ لكن مصر لم تركع بل أدرات الحرب على كافة الجبهات بصبر واقتدار ، واستطاعت أن تسكت كل مصادر إطلاق النار واحدا بعد الآخر وأن تدير اقتصادياتها بالإصلاح ومخططات التنمية لتحقق المعجزة التي لم يكن أكثر المتفائلين يتوقعونها لتنهض من جديد.
مصر عادت شمسك الذهب
لم تكن المواجهة المصرية لكل القوى المعادية والمتربصة والكارهة مجرد رد للعدوان فحسب ، بل كانت عملية بناء للذات من جديد لمعرفة من نكون وماذا نريد لأنفسنا وماذا نريد من العالم؟ كان من الضرورى بعد إسكات مدافع الاستعمار وإخراس أبواق التطرف والتشوية الهادفة لتشتيت العقل المصرى وحرف الإنسان المصرى عن مكوناته الحضارية ، أن نعيد الاعتبار إلى هذه المكونات العظيمة التي بدون الاستناد إليها لا تكون نهضة ولا تكون أمة قوية ولا تكون دولة كبرى تباهى الأمم ، كان لابد أن نقول لأنفسنا لجميع المصريين أولا وللعالم ثانيا من نحن ومن نكون عبر حقب التاريخ المتوالية وماذا يمكن أن نصنع نحن ورثة هذا التاريخ العظيم.
كان لابد أن يرفع المصريون رءوسهم وأن يفتخروا من جديد بتراث أسلافهم وأجدادهم الفراعنة العظماء ، وكان لابد من إعادة بناء هذا الجسر الذى حاولت القوى الاستعمارية ومعها الطوابير الظلامية تدميره وتشويهه ، نعم نحن أصحاب هذه الحضارة العظيمة المبهرة الباهرة ، نحن ورثتها القادرين على حملها والاستمرار بها والإضافة إليها ، هل وضحت الرسالة الآن أيها السادة؟ حضارتنا التي أهالوا التراب عليها وشوهوها وحاولوا طمسها وتحويلها إلى مجرد آثار يتاجرون بها في السوق السوداء لمتاحف العالم ، تعود من جديد بأبهى صورة ومعها شحنة هائلة من المد القومى والحضارى يلهم الأجيال الجديدة ليستكملوا المسيرة وهم يفخرون بمصريتهم الخالصة وفرعونيتهم المتوارثة ، نحن أصحاب هذه الحضارة العظيمة وسنسير على خطى الأجداد ، هذه رسالة احتفالية طريق الكباش ومن قبلها موكب المومياوات الملكية .. وتحيا مصر قوية باهرة على مر العصور