تحل اليوم ذكرى ميلاد ميلاد ابن حزم الـ 1027، إذ ولد فى 7 نوفمبر 994م الموافق 30 رمضان 384 هـ، فيما رحل عن عمر ناهز 74 عامًا، فى 15 أغسطس 1064م، الموافق 28 شعبان 456 هـ، كان من أكبر علماء الأندلس وأكبر علماء الإسلام تصنيفًا وتأليفًا بعد الطبرة، وهو إمام حافظ. فقيه ظاهري، ومجدد القول به، ومتكلم وأديب وشاعر وعالم بالحديث وناقد محلل بل وصفه البعض بالفيلسوف.
وابن حزم هو واحد من أشهر فلاسفة المسلمين الذى تحدث عن الحب والوجد فى قلب الإنسان، وتناول فى كتابه الأشهر "طوق الحمامة"، العديد من المسائل والأمور المتعلقة بالحب والعشق، ومن بينها ما ورد على لسانه عن علامات الحب، حيث يقول: للحب علامات يقفوها الفطن، ويهتدى إليها الذكى، فأولها إدمان النظر، والعين باب النفس الشارع، وهى المنقبة عن سرائرها، والمعبرة لضمائرها والمعربة عن بواطنها. فترى الناظر لا يطرف، يتنقل بتنقل المحبوب وينزوي بانزوائه، ويميل حيث مال كالحرباء مع الشمس.
اختلف كثير من العلماء مع ابن حزم في الكثير من القضايا الفقهية، وهذا هو شأن الفقه أصله الاختلاف والتعدد باختلاف المفاهيم وتعدد الاجتهادات، وفي الوقت نفسه وافق كثيرون على أن اجتهادات ابن حزم وآرائه كان لها دور كبير في تحسين مكانة المرأة في الأندلس، ويكفي أن نلقي نظرة على كتاب "طوق الحمامة" لنجده ينادي بتحرير المرأة، واحترام حرياتها، ويقص علينا الكثير من أسرارها دون حرج أو إنكار، ودون أن يلاحقها بالسب واللعن، كما حدث من جانب بعض الفقهاء والمتشددين.
والحق أن ابن حزم ارتفع بالنظرة إلى المرأة عن مستوى الشهوة ورفض النظرة إليها على أنها ليس فيها من جوانب الحياة التي تستحق التعامل معها غير الجسد، ففي "طوق الحمامة"، وفي سائر تراث ابن حزم، ظهرت المرأة في أكثر من صورة، معلمة ومتعلمة، شاعرة ومثقفة، عفيفة لا تطمع فيها الأبصار، وفية ذات خلال عالية، تستحق أن يبكيها الرجل؛ بل أن يموت أسفاً عليها إذا فارقها: حية أو ميتة.
وفسر ابن حزم قوله تعالى في سورة النساء: "الرجال قوامون على النساء" بأنها قوامة لا علاقة لها بالحقوق والطبيعة الإنسانية، أو القدرة على تصريف الأمور، وأشار إلى أنه لو كانت قوامة الرجل بهذا المعنى للزم أن يكون كل رجل أفضل من كل امرأة، وهذا في نظر ابن حزم لا يستقيم في لغة العقل، وفي نظره أن المرأة هي التي تعلم الأطفال القرآن والحديث والشعر والخط، وكان ابن حزم واحداً من الذين تلقوا تربينهم وتعليمهم الأولي على يد النساء، وكان لظروف نشأته التي تميزت بالرخاء أثر كبير في أن تكون صورة المرأة عنده إيجابية.
ناقش ابن حزم آراء الفقهاء الذين لم يقدروا المرأة قدرها قائلاً: "وجائز أن تلي المرأة الحكم، وهو قول أبي حنيفة، وقد روي عن عمر، رضي الله، عنه أنه ولى "الشفاء"، وهي امرأة من قومه، محتسبة في السوق، فإن قيل: قد قال رسول الله: "لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة"، قلنا: إنما قال ذلك رسول الله في الأمر العام الذي هو الخلافة، برهان ذلك قوله: "المرأة راعية على مال زوجها، وهي المسؤولة عن رعيتها"، وقد أجاز المالكية أن تكون وصية ووكيلة، ولم يأت نص في منعها أن تلي بعض الأمور".
أعطى ابن حزم للمرأة كل حقوقها؛ بل وكل حق يمكن أن يعطيه لها أي فقيه آخر بمن فيهم أبو حنيفة، وفي المقابل حملها مسؤوليتها كاملة تجاه الرجل، ويمنع ابن حزم التفريق بين الزوج وزوجه إذا لم ينفق عليها؛ بل إنه فوق هذا يوجب عليها الإنفاق إذا كان معسراً، وعجز عن الكسب، وهي غنية ذات مال، ففي هذه الحالة تجب نفقته عليها، وأجاز المذهب الظاهري في الزكاة أن: "تعطي المرأة زوجها من زكاتها".
ومن أهم آراء ابن حزم في شأن المرأة أنه أجاز أن تتولى وظيفة القضاء وهي وظيفة لها خطرها وجلالها العظيم، ومنعها أكثر الفقهاء من ذلك، ويؤكد ابن حزم مساواة المرأة بالرجل في حدود تخصصها، والمهم في هذا الشأن هو ما يقوله عنه الفيلسوف الإسباني "أورتيجا أي جاسيت": تكلم ابن حزم في كتابه "طوق الحمامة" عن العلاقة الخالدة بين الرجل والمرأة، وسجل تحليلاته العبقرية عن المرأة بعقل رجل موضوعي، لا يذم ولا يمدح، مستخدماً لهجة الفيلسوف، وأسلوب الأديب، ومحاولة الإنسان الدائمة لكي يفهم نفسه ويفهم الآخرين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة