رحل اليوم، الفنان الكبير أحمد خليل ، متأثراً بإصابته بفيروس كورونا، عن عمر ناهز 80 عاما، رحل الفنان الذى أبدع فى كل أدواره واستطاع بقدرة كبيرة أن يجسد أدوار الشر والخير ، وحتى الكوميديا، رحل قبل أن يفصح عن كل مواهبه وقدراته ، رحل الفنان المبدع الذى يحترم فنه وجمهوره ويرعى الله وضميره.
كان الفنان الكبير أحمد خليل يمتلك قدرات فنية كبيرة لم تستغل إلا فيما أتيح له من أدوار، ورغم ذلك استطاع أن يعلن عن هذه القدرات، وأن يؤكد أنه فنان من العيار الثقيل، وظل يعطى الفن حتى آخر يوم فى حياته ، حيث رحل أثناء عرض آخر أعماله وهى حلقات " حكايتى مع الزمان" من مسلسل حكاية إلا أنا.
أبدع الفنان الراحل الكبير فى العديد من الأدوار، ولكن بقى مسلسل حديث الصباح والمساء، والذى أدى فيه دور " عطا المراكيبى"، أحد أهم وأجمل أعماله التى ارتبط بها الجمهور وعشقها، ويحرص على متابعتها مهما تكرر إعادتها، ومن عجائب الأقدار أن الفنان أحمد خليل كان يجسد فى المسلسل دور والد نعمة التى جسدتها ببراعة الفنانة الكبيرة الرائعة الرحلة، دلال عبد العزيز.
خاطر بحياته في أكثر من عمل
وكأن أحداث مسسل حديث الصباح والمساء تتكرر فى الواقع وكأن كلمات التتر التى تتحدث عن الحياة والموت متسائلة مين فينا جاى مرساها مين رايح ، والتى تشبه أعمار البشر بأوراق الشجر قائلة : "واحنا البشر كلنا اعمار ورق بيطير" قد تجلت وتجسدت واضحة فى وفاة من جسدوا هذه الأدوار ، فها هى الفنانة دلال عبدالعزيز " نعمة ابنة عطا المراكيبى "قد رحلت متأثرة بإصابتها بفيروس كورونا ، وقدمت آخر أعمالها وهو مسلسل " ملوك الجدعنة" الذى تصادف أن رحلت فيه وجسدت مشهد موتها، وبعدها بشهور ها هو الفنان أحمد خليل " عطا المراكيبى " يرحل متأثراً أيضا بكورونا وقبل أن يكمل مشاهدة آخر أعماله "حكايتى مع الزمان".
وكاد الفنان الكبير أحمد خليل يفقد حياته أكثر من مرة أثناء أداء أدواره، ومنها خلال تمثيل مسلسل حديث الصباح والمساء، والذى جسد فيه أشهر أدواره شخصية عطا المراكيبى صانع الأحذية، حيث كان يضع المسامير فى فمه، مثلما كان يفعل صناع الأحذية قديماً، وأثناء تصوير مشهد بلع أحد المسامير وتعرض للخطر.
ولد الفنان أحمد خليل عام 1941فى مدينة بلقاس بالمنصورة، وكان يعشق الفن منذ صغره بعد أن تخرج من الثانوية العامة دخل معهد السينما وتخرج منه عام 1965، وبعدها بمسرح الجيب، ومن مسرحياته خادم سيدين وياسين وبهية، حب تحت الحراسة.
السفر إلى الخليج
وفي السبعينيات سافر إلى الخليج، حيث بدأت موجة كبيرة من الإنتاج التلفزيوني، مما أدي إلى ابتعاده عن العمل في السينما المصرية، إلا أنه شارك في أعمال متميزة منها سليمان الحلبي بدور "الجنرال الفرنسي كليبر" ، ثم عاد إلى التمثيل في التليفزيون المصري في أعمال تلفزيونية مثل يموت الزمار، حديث الصباح والمساء، زمن عماد الدين، لكنه لم يحظ بنفس المكانة في السينما.
لم يقدم الفنان الراحل الكبير طوال مشواره الفنى أى عمل يندم عليه أو يقلل من احترام الجمهور له واحترامه لنفسه، وهكذا أكد فى العديد من لقاءاته وحوارته حيث كان يقول دائما :" لم أقدم فى حياتى عملاً فنياً أخجل منه أو تخجل منه زوجتى وبناتى، وراض تماما ًعن كل ما قدمته".
فالفنان الكبير حرص طوال مشواره الفنى على ألا تحتوى أعماله على ألفاظ بذيئة أو مشاهد عنف وبلطجة، حتى وإن كان قدم بعض الأعمال التى رأى أنها لم تضيف لرصيده كثيراً.
الضمير المهنى للفنان وللإنسان خير ميزان
كان الفنان الراحل يقول دائماً أن الضمير المهنى للفنان وللإنسان بصفة عامة وإحساسه بأن الله هو الرقيب على أعماله هو خير ميزان يستطيع به أن يقدم الصالح والجيد طوال حياته، وهكذا حرص أحمد خليل طوال حياته على مراعاة الله وعلى تنفيذ وصية والده الذى كان يرفض فى البداية عمله بالفن واشتغاله بالتمثيل وكان يريده أن يصبح مهندساً ، ولكنه اختار أن يلتحق بمعهد السينما، وعندما وجد الأب أن ابنه يعشق الفن وأنه إذا أصر على موقفه منه سوف يفشل فى الدراسة وافق على التحاقه بالمعهد على مضض ولكن بشرط أن يدخل قسم إخراج ، حتى لا يتنازل ويقدم أشياء تخالف والقيم، ونصح ابنه بألا يتنازل طوال حياته.
اقتنع والد أحمد خليل بعمله فى الفن بعد أن قابل ابنه الرئيس جمال عبدالناصر فى عيد العلم عام 1966 وسلم عليه بعد تخرجه من معهد السينما ، حيث كان الأول على دفعته، وأثر هذ اللقاء فى الشاب الذى كان يبدأ مشوار حياته وفنه ، وسحره عمق ونظرة الزعيم عبدالناصر، وحرص طوال حياته على تنفيذ وصية والده.
كان الفنان الكبير يفخر ليس بعدد أعماله وتصدر اسمه كأول أسماء أبطال العمل ولكنه كان يفخر عندما يرى معانى الاحترام والتقدير فى نظرات الجمهور وردود أفعالهم.
لن يعتزل إلا وهو على فراش الموت
عشق الراحل الكبير الفن بحق، ولذلك تحققت نبوءته ، حيث كان يقول دائما حين يسئل عن فكرة اعتزال الفنان، أنه لن يعتزل إلا وهو على فراش الموت، وسوف يعمل طالما يستطيع وحتى أخر عمره ، وهو ما تحقق بالفعل حيث رحل الفنان الكبير أثناء عرض أخر أعماله وهى حلقات " حكايتى مع الزمان " من مسلسل إلا أنا، ومرض أثناء العمل ولم يتوقف عن التمثيل إلا وهو على فراش المرض الذى خطفه سريعاً بعد حياة حاز فيها احترام وحب وتقدير جمهوره.
وكان الفنان الكبير راقياً فى كل تعاملاته محباً للخير ، عف اللسان لا ينطق بمايسيئ له أو لغيره، فعلى سبيل المثال عندما كان يسئل عن زواجه وطلاقه من الفنانة الكبيرة سهير البابلى الذى لم يستمر سوى عامين وهو فى بداية حياته الفنية ، كان يتحدث عنها بكل احترام وتقدير ويؤكد أنه هو الذى أخطأ لأنه كان يتعامل معها بحساسية حيث كانت فنانة كبيرة ومشهورة وهو لا يزال فى بداية المشوار وكان ذلك سبباً فى عدم استمرار الحياة الزوجية بينهما، مؤكداً أنه يحمل لها كل احترام وتقدير.
محباً لأعمال الخير
كما كان الفنان الراحل الكبير محباً لأعمال الخير رغم أنه لم يتحدث عن هذه الاعمال ولكن بمجرد رحيله ظهر من يتحدثون عن أعماله الخيرية فى الخفاء، حيث نشرت إحدى السيدات على موقع التواصل الاجتماعى موقفاً جمعها بالفنان الراحل قائلة :" من ٧ سنين نزلت بوست عن حالة طالب ثانوية عامة متفوق يتيم وحلمه يدخل طب وكان الهدف من البوست نوجد كفالة طالب علم له ، صديقة ليا شيرت البوست بعدها بساعه لقيت مكالمة من حد قالي انا اسمى احمد عبد الله والولد ده مبقاش يتيم ربنا بعتله أب، ممكن توصلينى بيه".
وتابعت السيدة: " بعدها بيومين الولد كلمنى قالي انا قابلت الاستاذ أحمد خليل وقالي كل اللى عاوزه من عنيا وانا ابوك ، احمد خليل مين يا بنى. اسمه احمد عبد الله، قالي لا ده احمد خليل الممثل".
وأشارت السيدة إلى أنها اتصلت بعدها بالفنان الراحل لتشكره فقال لها أنه تعمد ألا يفصح لها عن شخصيته قائلاً :" كلنا عباد الله أنا عاوز العمل ده يبقى خبيئة يمكن ده يكون طريقي للجنة" ودعت السيدة للفنان الراحل قائلة :"اللهم اني اقسم عليك باسمك الأعظم واتوسل اليك بالخبيئة ان تكرم نزله"
وهكذا كان الفنان الكبير الراحل أحمد خليل إنساناً وفناناً رائعاً راقياً محباً للخير لفنه ولجمهوره، وهكذا سيبقى فى وجدان الملايين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة