بوجه بشوش وابتسامة صافية استقبلتنى الدكتورة أمل مصطفى محمود، ابنة الدكتور الشهير الراحل مصطفى محمود، وذلك فى المقر الخاص الذى كان مخصصًا لوالدها الراحل بجوار المسجد الذى أسسه فى منطقة المهندسين، وقد ذهبنا إليها من أجل الاحتفاء بمرور 100 عام على ذكرى ميلاده "27 ديسمبر 1921"، والذى توفى فى 31 أكتوبر من عام 2009.
الكتابة تكسب الطب.. قرارات مصطفى محمود
تقول أمل مصطفى محمود: كانت قراراته نابعة من اقتناعه الشخصى، وكان حريصا أن يقوم بما يحقق له السعادة، سواء وجدها فى الكتابة والقراءة والشعر أو فى الطب أو فى الفن، فعندما كان طفلا تمكن من إقامة معمل صغير يطبق من خلاله المعادلات الكيميائية التى درسها، وتمكن من صنع مبيد حشرى وأيضًا صناعة العطور والصابون، ووقت دراسته فى كلية الطب أحب دراسة علم التشريح لأنه كان مشغولا بفكرة كيف أن الإنسان يتحرك ويفكر وهو عبارة عن مجموعة مكونة من لحم وأنسجة ومع ذلك ممتلئا بالأحاسيس والمشاعر، فبدأ بدراسة الجسم البشرى خاصة المخ باستفاضة، لذلك عمل على إيجاد «مخ» ووضعه فى «الفورمالين» تحت فراش غرفة نومه، وأثناء دراسته انبهر أساتذة الكلية به فكيف وصل لتعلم أجزاء المخ لوحده دون توجيه من أحد، ووجود الفورمالين كان أحد أسباب أن صدره بدأ يصيبه التعب لأنه تعرض لاستنشاقه فترة طويلة، وفى مرحلة معينة من حياته عندما بدأ يمكث فى المنزل بسبب آلام صدره نمت لديه موهبة الكتابة، وهذا جعله يكتب فى الصحافة وهو ما يزال طالبا فى كلية الطب، حيث كتب فى «روز اليوسيف، وآخر ساعة» حتى تخرج فى كلية الطب قسم أمراض صدرية، لأن أمراض الصدر فى ذلك الوقت انتشرت بصورة كبيرة، ولم تكن لها علاج فعال، وعمل فترة فى مستشفى أم المصريين، وكان يجمع بين الطب والصحافة، حتى جاء قرار سنة 1961 بعدم الجمع بين مهنتين، وكان عليه الاختيار بين الصحافة والطب، فوقع الاختيار على الصحافة لأنه ارتبط بالكتابة والقراءة، وقد عارضت أسرته هذا القرار، لأن الطب مهنة ثابتة وذات دخل مالى أكبر، لكنه رفض وتمسك بالصحافة لأنه يرى فيها سعادته.المشاكل العاطفية فى الصحف والمجلات
كانت ترسل إليه المشاكل العاطفية على جريدة روز اليوسيف ويقوم بإبداء رأيه فى حل المشكلة، أتذكر مشكلة عاطفية كوميدية، فقد أحب رجل فتاة وخطبها ومشكلته أن تفكيرها أوروبيا جدا، وكان كل ما يطلب منها أن ترتدى زيا محتشما أو عدم الحديث مع بعض الرجال، ترد عليه وتقول «لازم تكون اسبور يا مونامور»، ورسالة الرجل أنه كل ما يسمع كلمة «مونامور» من خطيبته ينسى الدنيا كلها، وجاء رد والدى عليه فى جملة واحدة فقط «اهرب بجلدك يا مونامور قبل ما طروح فى توكر»، وتحولت كتابات والدى فى حل المشاكل العاطفية إلى كتاب «55 مشكلة عاطفية واعترافات عشاق».
حوار ابنة مصطفى محمود
مصطفى محمود والموسيقى.. من الناى إلى العزف على العود فى الأفراح
كان منذ صغرة يحب ويأثره صوت «الناى»، وكان عنده أكثر من ناى بأشكال مختلفة، لأنه يرى الناى فيه حزن وعمق ودفء، وعندما وصل لمرحلة الشباب أحب العود وهذا نشأ مع صداقته لموسيقار الأجيال الفنان محمد عبدالوهاب، والصداقة بدأت عندما كان والدى يكتب فى باب «النقد الفنى» فى روز اليوسيف والنقد سواء عن أفلام السينما أو الأغنيات وقد أعجب عبدالوهاب بأسلوبه، ومن هنا بدأ التعارف، ووالدى عشق الغناء لأن صوته كان حلوا ولكن حنجرته ضعيفة لذلك ابتعد عن فكرة الغناء.
كتابه «محاولة تفسير القرآن بفهم عصرى» صنع له مشكلة
استكملت «أمل»: أتذكر أن الكتاب الذى خلق أزمة كان كتاب «محاولة تفسير القرآن بفهم عصرى»، وخرج العديد من الناس يقولون له ليس من حقك تفسير القرآن، لأنك لست متخصصا ولم تدرس فى الأزهر، وكان رد والدى عليهم «أنا كاتب محاولة أى أحاول أن أفسره»، واجتمع عدد من علماء الأزهر وطالبوا بضرورة وقف إصدار الكتاب.برنامج العلم والإيمان توقف لأسباب مجهولة
توضح: أن توقف برنامج العلم والإيمان لأسباب غير معلومة، وكان والدى حزينا جدا على توقفه، وما لا يعلمه الكثيرون أن والدى لم يرغب فى تقديم البرنامج لكنه أحب أن يعد البرنامج وشخص آخر يقدمه، لأنه ليس مقدم برامج ومن ضمن الشخصيات التى تم اختيارها الإعلامى الكبير عبدالرحمن على والذى رفض تقديم البرنامج لأنه يناقش مواضيع علمية متخصصة وهذا ليس من اختصاصه، ووقع الاختيار على والدى رغم أنه كان متخوفا جدا ولكن اتضح أن لديه كارزما كبيرة جدا على الشاشة.لم يكن صديقا لناصر.. ورفض الوزارة فى زمن السادات
تحكى «أمل»: بدأ والدى الكتابة فى زمن جمال عبدالناصر، لم تنشأ بينهما صداقة، نظرًا لأن الصحفيين المقربين لعبدالناصر كانوا يكتبون فى المجال السياسى فقط، وهذا لم يكن من طبيعة والدى الذى أحب الكتابة فى كل شىء.تنبؤات مصطفى محمود بالمستقبل
كانت تنبؤات مصطفى محمود تأتى من قراءته المستمرة، بالإضافة إلى استنتاجاته الشخصية وبصيرته من عند الله، وإخلاصه الشديد، ومن الأشياء التى تنبأ بها.. توقع ظهور فيروس يصيب البشر فى كل أنحاء العالم ولن تستطيع الدول الأوروبية المتقدمة أن تقدم علاجا وستكون مثلها مثل أى دولة فقيرة ليست لديها موارد، وتوقع أن الحروب المقبلة ستكون سببها الماء، وتوقع وصول الإخوان إلى الحكم ولكن أكد أنهم لا يستمرون لأن نيتهم ليست لوجه الله.الرؤى المنامية جعلته قريبًا من الله
تقول ابنة الراحل مصطفى محمود: الرؤى جعلته قريبًا من الله، كان فى ذلك الوقت يكتب فى مجلة صباح الخير وروز اليوسيف، وكان لديه أصدقاء منهم جلال العشرى ولويس جريس، فنام والدى واستيقظ على مكالمة تليفون من صديقه جلال العشرى، وقال له «ازيك يا جلجل تصور إنى حلمت بيك ماشى مع كذا فى وسط البلد وكنتوا بتتناقشوا فى مصطلحات علمية»، وعندما سمع جلال العشرى الحلم صرخ ووقعت سماعة التليفون من يده، وقال جلال له هذا بالضبط ما حدث معى اليوم وكأنك كنت معايا، وهذا الموضوع عمل لوالدى توتر شديد وبدأ يقرأ فى كل الفلسفات الهندية التى لها صلة بالتفكير عن بعد، وتعمق فيها فترة طويلة وقرأ عن اليوجا التى تعلى الناحية الروحانية وهذه الأشياء لم تعد كافية بالنسبة له وبدأ يقرأ فى الدين أكثر وقرأ فى التفسيرات وتأكد أن لنا وجود كروح وجسد، وأن الموت ليس نهاية مثل النوم، فهندما ننام نذهب إلى أماكن أخرى ونتحدث مع ناس آخرين ولذا كان يرى أن النفس البشرية ليست جسدا فقط فهى لا تفنى مع الزمن حتى نقابل الله عز وجل ونتحاسب.حلم بشراء يخت يزور به العالم.. ثم بنى مسجده
فى البداية والدى حلم أنه يقوم بشراء يخت يقوم به بزيارة العالم كله مع أسرته، لكن درس الموضوع بجدية ووجد أنه مكلف جدا، وبعد ذلك فكر فى أن اللى يكسبه يقوم بتحويله كله للخير، وقامت والدتى بمعارضته لأنها رغبت أن يقوم بشراء منازل لى ولشقيقى أدهم حفاظا على مستقبلنا، لكنه رفض وقال لها: «أنا عشت بالضرورى وهما يعيشوا بالضرورى» وهذه طريقة فلسفته فى الحياة، لذلك أى مبلغ يحصل عليه يذهب للأعمال الخيرية وقام بشراء قطعة أرض وبنى عليها مسجدا، ثم عيادات طبية، ومن بعد ذلك جاءت تبرعات من الخارج لتساعده.مقالات بخط يد الدكتور مصطفى محمود (1)
مقتنيات الدكتور مصطفى محمود (3)
مقتنيات الدكتور مصطفى محمود (4)
مقتنيات الدكتور مصطفى محمود (9)
مقتنيات الدكتور مصطفى محمود (10)
مقتنيات الدكتور مصطفى محمود (11)
مقتنيات الدكتور مصطفى محمود (12)
مقتنيات الدكتور مصطفى محمود (13)