"تماثيل رخام على الترعة وأوبرا فى كل قرية عربية".. بهذه الكلمات الموحية التى كتبها شاعر مصر الكبير صلاح جاهين وغناها عبد الحليم حافظ فى مطلع الستينيات يمكن تختصر رؤية الدكتور حسن بكر أحد الأطباء المولعين بالفنون والذى جسد بحق أحلام جاهين وكل أبناء جيله على أرض الواقع داخل قريته بمحافظة البحيرة.
فعندما تطأ قدميك قرية كفر عوانه التابعة لمركز إيتاى البارود لابد تندهش من هذا المنزل المرصع بالجداريات والرسوم الفنية ولابد أن تندهش أكثر من التماثيل والمنحوتات الفنية القابعة على ترعة القرية وشوارعها التى تعبر عن رؤية صاحبها لتجميل قريته البسيطة وجعلها أكثر تحضرا ورقيا.
عدسة اليوم السابع رصدت فى بث مباشر عبر منصاته الإليكترونية هذا النموذج الملهم لهذا الطبيب الفنان الذى يبلغ من العمر 85 عاما ومازال يعطى بكل عزم وقوة رغم كبر سنه فى مجال الطب داخل منزله الذى حول جزء منه إلى عيادة للطوارئ لأهل قريته البسطاء بالإضافة دوره الواضح فى تنمية قريته وتجميلها.
وقال الدكتور حسن بكر أن دوره فى الحياة لا ينتهى عند سقف معين ويتجاوز حدود الزمن، مضيفا "أن الله قد خلقنا لإعمار الأرض ومداواة البشر والعمل على إسعادهم حتى آخر نفس فى الحياة.. ولذلك نذرت نفسى منذ بداية شبابى لتحقيق هذه الرؤية بقدر استطاعتى من خلال عملى فى مجالى الطب والفنون.
وأوضح طبيب الغلابة كما يطلق عليه أن دوره فى خدمة أهالى قريته لم يقتصر على علاج سكانها بل تعدى إلى إقامة مشروعات تنموية مستدامه مثل تطوير شبكة الصرف وأعمال التشجير والتجميل وكذلك إنشاء عدد من المساجد ذات الطابع المعمارى المميز بالجهود الذاتية.
وعن ارتباطه الشديد بتنمية قريته رغم انشغاله الدائم بعمله فى مجال الطب أكد بكر، أن هذا التوجه نابع من رؤيته لإسعاد من حوله وإحساسه بمشاكلهم خاصة وأنه ينحدر من أسرة بسيطة للغاية.
وتابع "أنا واحد من الناس الغلابة ولم أتخلى يوما عنهم.. والدى كان يعمل حلاقا بالقرية وعنده قطعة ارض صغيرة ساهمت فى زراعتها.. ورغم عملى بالمستشفيات الحكومية وافتتاح عيادتى الخاصة إلا إننى لم اخجل يوما من انى فلاح ابن فلاح لذلك كنت اول من يمسك الفأس لتفليح الأرض وبعدها اتابع دراستى العلمية بجدية فائقة لا تخرج من كلية الطب جامعة الأزهر فى اول دفعاتها فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر.. كل هذا بجانب المجال الفنى الذى أعشقه منذ الصغر ومارسته بالفطرة دون اى دراسة أكاديمية.
وعن أسباب قيامه بتزيين شوارع قريته بالتماثيل والجداريات الفنية أكد الطبيب الفنان حسن بكر أن هذا ينبع من رؤيته الجمالية لتطوير قريته وتحقيق العدالة الثقافية والفنية، معقبًا: "الناس دى لها حق علينا أن يشعروا بالجمال ويتذوقوا الفن بأشكاله المختلفة، مش علشان عايشين فى قرية بسيطة يفضلوا كده على حالهم، لازم نرفع من قدرتهم على التذوق الفنى خاصة بين الشباب ليكونوا اكثر ابداعا واكثر انسانية فى مواجهة القبح الذى يحيط بهم".