أكد الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، أن التطرف تطرف على أية حال، حادًا كان أو مضادًا، فهو الذهاب إلى الطرف بعيدًا عن الوسط، وقد قال الإمام الأوزاعى (رحمه الله): ما أمر الله (عز وجل) فى الإسلام بأمر إلا حاول الشيطان أن يأتيك من إحدى جهتين لا يبال أيهما أصاب الإفراط أو التفريط، الغلو أو التقصير، مع أن ديننا السمح الحنيف قائم على الوسطية فى كل شيء حتى مجال العبادات، فلما رأى نبينا (صلى الله عليه وسلم) حبلًا مشدودًا فى المسجد بين ساريتين أى عمودين من أعمدة المسجد سأل (صلَّى اللهُ عليه وسلَّم): (ما هذا ؟ ) قالوا : حبل لزينبَ تُصلِّى فإذا كسِلَتْ أو فتَرَتْ أمسكت به قال : ( حُلُّوه ) ثمَّ قال : "لِيُصَلِّ أحدُكم نشاطَه فإذا كسِل أو فتَرَ فليقعُدْ"، ولما رأى (صلى الله عليه وسلم) سيدنا سعد بن أبى وقاص (رضى الله عنه) يتوضأ فيسرف فى استخدام الماء فقال: "مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ؟ " قَالَ : أَفِى الْوُضُوءِ سَرَفٌ ؟ قَالَ : "نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ".
وأضاف جمعة فى تصريحات له:" وحتى الإنفاق سواء أكان إنفاقًا على النفس أم على الغير تحت أى مسمى فالوسطية مطلب راسخ، حيث يقول الحق سبحانه فى كتابه العزيز : "وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا"، ويقول سبحانه : "وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا".
وقد أكد القرآن الكريم على الوسطية فى كل أبعادها، حيث يقول الحق سبحانه : "وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا "، ويقول سبحانه : "قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ"، ويقول الحكماء : لا تكن رطبًا فتعسر ولا يابسًا فتكسر.
غير أن البشرية بصفة عامة قد ابتليت بتطرفين متناقضين فى حدية بالغة، الأول يقتل ويخرب ويدمر ويسفك الدماء باسم الأديان وتحت رايتها، محرفًا النصوص ومُخْرِجًا لها عن سياقها، والأديان براء من كل ذلك.
وتابع جمعة:"فالأديان السماوية جميعها أنزلت رحمة للناس، حيث يقول الحق سبحانه : "طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى"، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : (تركتُ فيكم أَمْرَيْنِ لن تَضِلُّوا ما تَمَسَّكْتُمْ بهما : كتابَ اللهِ وسُنَّةَ نبيِّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ).
الأديان يسر، وسماحة، وتراحم، وتعاون، وتكافل، فحيث تكون مصالح البلاد والعباد فتلك مقاصد الأديان العامة.
الطرف الثانى : يهدم فى ثوابت الأديان هدمًا، ويأخذ الناس بقصد أو بجهل إلى طريق الانحراف والهاوية والضلال، وفى ذلك خطر لا يقل عن خطر التطرف باسم الدين، حيث يقول الحق سبحانه : "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِى أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِى مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى"، وليس المقصود بالضنك هنا الفقر، إنما حياة الكدر التى لا هناء فيها، ولطالما حدثنا القرآن الكريم عن الأمم والقرى التى كفرت بأنعم الله (عز وجل)، وكذبت رسله، وسلكت طريق الانحراف والشذوذ كفعل قرى قوم لوط فلما أسرفت فى شذوذها كانت العاقبة : "فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِى مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ".
واستطرد جمعة:"لذا فإننا نحذر من التطرف بكل صوره وأشكاله : إفراطا أو تفريطا، غلوا أو تقصيرا، فكلا طرفى النقيض ذميم، وكلاهما طريق الهاوية.
واختتم وزير الأوقاف:"ونؤكد أننا نعمل بقوة على ألا يذهب شبابنا أو الأجيال القادمة من التطرف إلى التطرف المضاد، فلكل فعل رد فعل مساو أو مقارب أو زائد عليه فى النسبة ومعاكس أو مضاد له فى الاتجاه، لذا علينا أن نأخذ زمام المبادرة، وننتقل فى مواجهتنا للتحديات من رد الفعل إلى الفعل، ومن التأثر إلى التأثير، ومن الترقب أو التردد إلى الإقدام، فى عالم لا مكان فيه للمترددين أو المتقاعسين والمنهزمين أو المنبطحين أو أصحاب الأيدى المرتعشة، إنما السبق والريادة لمن يأخذ زمام المبادرة، ويواجه المشكلات بالجهد والعرق والحلول المنطقية القابلة للتحقق والتطبيق فى دنيا الناس اليوم".