المصريون القدماء أول من عرفوا مرض تصلب الشرايين والسكتة القلبية
توت عنخ آمون لم يٌقتل كما أشيع.. وعلم الأشعة يكشف الطريق للمرممين لمعرفة أماكن الضعف والخلل
فى الحلقة الأولى من هذا الملف «حفظة التاريخ»، تم إجراء جولة ميدانية داخل مركز ترميم المتحف المصرى الكبير، للتعرف على الخطوات التى يتم اتباعها من قبل المرممين فى سبيل الحفاظ على القطع الأثرية وإعادة رونقها من جديد، وفى ذلك تم إجراء معايشة كاملة داخل هذا المتحف مع الباحثين والمرممين وتوثيق ذلك من خلال الصور والفيديو، وفى الحلقة الثانية يتم استكمال ذلك الملف عبر إجراء حوار مع الدكتورة سحر سليم، خبيرة المسح الضوئى للمومياوات الفرعونية، وأستاذ الأشعة بكلية الطب بجامعة القاهرة، داخل غرف الفحص بالأشعة على المومياوات وأحد الخبراء العالميين المرموقين فى هذا المجال، فقد أجريت العديد من الفحوصات، أبرزها فحص هياكل عظمية عمرها 55 ألف عام قبل التاريخ، إلى جانب إجراء الأشعة عى المومياوات الملكية والتى كشف حولها عن الكثير من المومياوات.
كما عملت على فحص مومياوات العساسيف التى تم اكتشافها مؤخرا، كما أجرت الفحوصات على المومياوات فى المتاحف العالمية فى إيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمملكة المتحدة، فى هذا الحوار يتم الكشف فيه عن العديد من المفاجآت التاريخية، وبيان أهمية الأشعة ودورها فى فحص المومياء دون الحاجة لتشريحها مما ساهم فى حفظ مئات المومياوات من الدمار، كما ساهم ذلك العلم فى كشف العديد من الحقائق التاريخية وتصحيح بعض الوقائع الأخرى ليتم إعادة التاريخ بشكل مختلف وإلى نص الحوار..
يرتبط عند الكثيرين مفهوم الكشف بالأشعة أنه خاص بالكائنات الحية فقط ولا يتصور أن يكون ذلك مرتبط بالمومياوات.. ما هى بداية عملك فى هذا التخصص؟
بدأت دراسة هذا التخصص الدقيق فى كندا خلال الفترة من 2004 إلى 2006م، وبعد ذلك التحقت بالعمل مع وزارة الآثار للعمل على مشروع فحص المومياوات الملكية والحفائر المختلفة، وبالاطلاع المستمر على كل ما يخص هذه الدراسة وما يتعلق بها ليس فقط بعلم الأشعة ولكن فيما يتعلق أيضًا بعلم الآثار، لأن ذلك يفيد الباحث خلال عمله بجانب دافع مهم وهو إعلاء الحضارة المصرية وبيان مكانتها، ومن باب أولى أن يتم الدراسة من خلال العلماء والباحثين المصريين، ولهذا السبب عملت فى مشروعات علمية ودولية فنية متخصصة لفحص المومياوات، التى يعجز العلماء فى الخارج عن فحصها ولهذا يتم فى النهاية إرسالها لى.
بعد إجراء الفحص على المومياء التى يعجز عن دراستها العلماء الأجانب يتم تغيير تصورهم من خلال نتائج بحثك؟
بالفعل أحيانا يتم تغيير التصور الأولى الذى تم وضعه بمعرفتهم عن المومياء ويتم إعطاء مفهوم جديد بناء على الفحص الذى قمت به، فعلى سبيل المثال الفحص الذى قمت به على إحدى المومياوات الموجودة فى المملكة المتحدة منذ 120 عاما، وهى على شكل «صقر»، فعندما أجرى الباحثون الأجانب فحصهم قالوا إنها مومياء لقرد ولكن تبين بعد بعدما فحصتها بنفسى اكتشفت أنها لجنين آدمى كان يعانى من عيب خلقى فى الرأس وبناء على ذلك تم تغيير التشخيص وهذه مومياء نادرة للغاية لمومياء لأجنة فى مصر القديمة.
ما هو انطباعك عندما حضرتى أول فحص على مومياء مصرية؟
كان ذلك فى كندا وبالتحديد عام 2004م، فى جامعة ويسترن اونتاريو، وخلال مشاركتى فيه شعرت بالفخر الشديد بحضارتى المصرية القديمة، وذلك بسبب التقدم الكبير لأجدادنا المصريين القدماء فى علم التحنيط الذى حفظ الأجساد والمومياوات عبر آلاف السنين، وطوال فترة الفحص لتلك المومياء كان لدى انبهار شديد بالحضارة المصرية وبتقنية التحنيط التى حفظت الجسم والتى لا تزال سرًا من أسرارهم، ورغم التقدم العلمى الهائل لم يتم الكشف عن سرها إلى الآن، بجانب أن التعامل مع هذه المومياء كان يتم بحرص وتقدير بالغ من قبل المختصين فى جامعة كندا، لذلك كنت شديدة الفخر بمصريتى وانتمائى لتاريخ المومياء خاصة والانتماء لهذه الحضارة بشكل عام، وشعرت أنه من واجبى ومن والأولى الاعتناء بمومياواتنا ودراسة ذلك المجال.
- متى تم اكتشاف علم الأشعة على المومياوات؟
بداية اكتشاف علم الأشعة كان فى 8 نوفمبر 1895، على يد العالم الفيزيائى الألمانى رونجون الذى اكتشف بالصدفة الأشعة الغامضة وأطلق عليها آنذاك «اكس»، عندما اخترقت يد زوجته وأظهرت العظام، وطرقت وقتها عليه فكرة تجربة هذه الأشعة على أشياء أخرى غير الإنسان فتم تجربتها على المومياوات المصرية القديمة لـ«طفل وقطة»، وفى يوليو 1896 تم نشر 14 صورة أشعة لمومياوات مغطاة باللفائف لتظهر أمام الحاضرين ما بداخل المومياوات دون نزع اللفائف.
ما وجه الاستفادة التى عادت على الآثار خلال الفحص والترميم من خلال استخدام الأشعة المقطعية؟
استخدام الأشعة المقطعية فى فحص الآثار أحدث ثورة عظيمة فى ذلك المجال، فيكفى أنه كان سببا رئيسيا فى الحفاظ على مئات المومياوات بحالتها دون تدميرها، حيث كان من المتعارف قديما قبل ظهور هذه الأشعة، إجراء أعمال الفحص ويجب إزالة اللفائف المحفوظة بها وتشريحها بالكامل، وكان يؤدى ذلك إلى تدميرها ولكن اختلف ذلك الأمر تماما مع استخدام علم الأشعة سواء كانت الأشعة التشخيصية الخاصة الإكلينيكية الأشعة العادية، المقطعية، أشعة مقطعية ماكروسكوبية ومع التطور المستمر فى علم الأشعة الإكلينيكية كان ينعكس ذلك على علم الآثار بكل تأكيد.
هل يحدث خلط فى بعض الأوقات فى تشخيص نتيجة الوفاة للمومياء؟
قد يحدث أحيانا من جانب غير المتخصصين الخلط بين التحنيط وسبب الوفاة وهذا ما يقع فيه غير المتدربين من أطباء الأشعة الإكلينيكية فيتم الخلط بين عمليات التحنيط للمومياء وبين الأمراض، مثل الادعاء أن المومياء كانت مصابة بورم سرطانى أو التهاب فى العظام وتكون فى الحقيقة عبارة عن تغيرات عادية حدثت للمومياء، بجانب أن الأشعة المقطعية المتطورة تبين بشكل كبير الآفات الموجودة، وبالتالى يمكن ربطها وبين سبب الوفاة وهذا ما مكنا فى مشروع المومياوات الملكية من أن نكتشف سبب وفاة تلك المومياوات للملوك العظام ومنهم الملك الذهبى توت عنخ آمون، إلى جانب الملك رمسيس الثالث، الذى كشفت الأشعة عن مؤامرة الحريم التى تمت ضده وعلى آثارها تم نحره وقطع إصبع القدم اليسرى بواسطة متآمرين عليه ترتب عليها موته.
هل كان هناك شغف بإجراء الفحص على مومياء بعينها؟
مومياء الملك «سقنن رع» مهمة جدًا، حيث إنه منذ أن تم اكتشافها عام 1881م، فى خبيئة الدير البحرى، وتم رفع الضمادات عن الوجه واللفائف فوجئ الجميع بالضربات والطعنات بالمومياء الموجودة فى رأس الملك، وبما أن التاريخ لم يذكر شيئًا عن ما إذا تم قتله أو خضوعه للحرب، وخصوصًا أنه عاصر الهكسوس، فكانت هذه المومياء فى غاية الأهمية لفحصها بالأشعة حتى تخبرنا ما لم يخبرنا به التاريخ، برغم أنه تم إجراء على المومياء أشعة فى ستينيات القرن الماضى إلا أن الأشعة المقطعية وهى وسيلة حديثة متطورة توضح ما تخفى عن الأعين والأشعة العادية، وهو ما حدث بالفعل، وبالفعل اكتشفنا طعنات لم تكن ترى بالعين.
كيف تم اكتشاف أن الملك سقنن رع مات خلال خوضه لحرب ضد الهكسوس؟
تمت المقارنة بين تلك الطعنات التى توجد فى وجه الملك وبين أسلحة الهكسوس المحفوظة فى مخازن المتحف المصرى بالتحرير، ووجدنا تضاهى كبير بين الطعنات والأسلحة المتعددة للهكسوس، ويدل ذلك على إصابة الملك سقنن رع من خلال مواجهته لهم، وسقط قتيلا على أيديهم.
كيف تم اتخاذ القرار بفحص مومياء الملك توت بالأشعة؟
أجريت الفحص على الملك توت عنخ أمون بالأشعة المقطعية وتم الكشف عليه فى وادى الملوك وبيان حالة المومياء بعد أن دمرها التشريح الذى تسبب به مكتشف المقبرة هوارد كارتر عام 1925م، وهذا كان بداية مشروع المومياوات الملكية التى بدأها الدكتور زاهى حواس مع وزارة السياحة والآثار المصرية من 2005 إلى الآن، وتم فحص المومياء فى نفس العام 2005 وإعادة قراءة صور الأشعة المقطعية فى 2009م.
ما هى الأسرار التى تم اكتشافها خلال فحص توت عنخ آمون؟
كشفت الأشعة والفحوصات أن توت عنخ أمون كان مصابا بعدة أمراض ومنها معاناته من التواء فى القدم اليسرى ونقصان عظمة فى الإصبع الثانى بشكل خلقى بجانب كسر فى الركبة اليسرى، فضلا عن إصابته بالملاريا وقد تكون اجتماع هذه الأمراض مع بعضها فى وقت واحدة أدت إلى وفاته فى سن صغيرة جدًا لا يتعدى التاسعة عشر من عمره.
ما وجه الارتباط بين الازدهار والرخاء وجودة التحنيط؟
من المعروف أن التحنيط عملية مكلفة جدًا فالمصريون القدماء كانوا يجوبون بقاع الأرض المختلفة لجلب المواد المستخدمة فى عملية التحنيط التى لا تزال إلى الآن سرا ويبقى التساؤل الدائم عن كيفية وصولهم إلى هذه الدرجة من الدقة والإتقان؟، ورغم أن هناك محاولات حديثة لمضاهاة التحنيط ونجحت بعضها ولكن لا يمكن بأى حال من
الأحوال مقارنتها بما وصل إليه قدماء المصريين الذين استطاعوا الحفاظ على المومياوات وشكلها لآلاف السنوات، كما أن كل مومياء تحمل عددا من الأسرار والخبايا تختلف عن الأخرى لذا تختلف طريقة التحنيط والحفظ من مومياء لأخرى، ولذلك نستغرق وقتا طويلا فى الدراسة والأشعة المقطعية، حيث يتم التقاط آلاف الصور للمومياء والتى يتم تجميعها بواسطة الكمبيوتر وتتحول لصور ثنائية وثلاثية الأبعاد ودراستها بعدة فلاتر.
هل تم الكشف عن مفاجآت خلال إجراء الأشعة على المومياوات؟
وجدنا أشياء مبهرة للغاية بخصوص دقتهم الشديدة وبراعتهم فى الحفظ الشديد للجسم التشريحى للإنسان حتى عظام الأذن متنهاية الدقة لا زالت محتفظة بالتحنيط، وعند إجراء الأشعة المقطعية لبنات توت عنخ آمون وكانوا بنتان «أجنة» الأولى كانت بعمر الشهر الخامس والأخرى كانت بعمر الـ8 أشهر، وكانت أسنان الأجنة محتفظة بشكلها لدرجة أن بداية تكيسات العظام محفوظة، كل ذلك يؤكد أن هناك تقدما وإبهارا فى عمليات التحنيط، كذلك عمليات التجميل التى تمت بواسطة المحنطين من خلال وضع الحشوات أمام العين حتى لا تكون العين مجوفة للداخل والأنف لمنع دخول الحشرات، ووضع الحشوات تحت الجلد من خلال مادة لا تتأثر بأى عوامل حتى لا يتعرض بـ «الانكماش» لم نعرف مثيلا لها حتى الآن، بالإضافة إلى التمائم والحلى التى يضعها المحنط داخل تجويف الجسم أو فى لفائف، كل هذه الأشياء مبهرة بالإضافة لدراستنا للأمراض، كما تم اكتشاف خلال أعمال الفحص بالأشعة أن مومياء ميريت آمون ابنة سقنن رع التى توفت بالسكتة القلبية، كانت تعانى من مرض تصلب الشرايين التاجية للقلب وهو ما وضحته الأشعة.
أين يتم إجراء الفحوصات بالأشعة على المومياوات وما هو أول إجراء يتخذ مع المومياء فور خضوعها للفحص؟
نحن فى مشروع المومياوات الملكية بيتم فحص المومياء على جهاز الأشعة المقطعية الموجود فى حديقة المتحف المصرى، وبالتالى أول مرحلة تتم هى نقل المومياء إلى جهاز الأشعة المقطعية، من خلال المتخصصين وبعناية شديدة يتم نقلها بحرص شديد بحيث لا تكون هناك أى اهتزازات أو تدمير للمومياوات.
ما هى أبرز الحقائق التى توصلتى لها خلال فحص المومياوات؟
توصلت بفحص المومياوات سواء كانت الملكية أو المومياوات الأخرى، قد يصل عددها إلى مئات المومياوات الأخرى، سواء كانت فى المتاحف داخل مصر أو خارجها حيث تم التعرف على مدى تقدم وبراعة قدماء المصريين فى علم معقد للغاية وهو التحنيط، بجانب التعرف على الأمراض القديمة وعلاقتها بالأمراض الحديثة، ومنها مثلا كان متعارف عليه بشكل خاطئ لعشرات السنوات مرض اسمه «الالتهاب الفقارى» وهو مرض يصيب الظهر والمفاصل فى سن صغير ويؤدى إلى الإعاقة لمن يصاب به وهو التهاب مناعى وكان يعتقد أنه مرض قديم من الآف السنين، وجاء ذلك الاعتقاد نتيجة الكشف بالأشعة العادية من الستينيات على المومياوات الملكية وكان هناك تشخيص خاطئ أن مومياء رمسيس الثانى، ورمسيس الثالث ومرنبتاح، يعانون من هذا المرض ولكن بعد إجراء الفحص بالأشعة المقطعية على هذه المومياوات اكتشفت خطأ ذلك التشخيص، ولكنهم كانوا يعانون من التهاب أو تآكل نتيجة السن ولكن لا تتسبب فى الإعاقة، بمعنى أن ملوكنا كانوا لا يعانون من إعاقات مثل ما أشيع، ومعنى ذلك من الممكن ألا يكون هذا المرض مرض قديم، قد يكون مرضا حديثا له علاقة بطريقة الحياة العصرية أو بطريقة الطعام غير المنضبط، وذلك يكشف أهمية ودور الأشعة المقطعية فى الكشف عن أسرار المومياوات والعلاقة بين الأمراض القديمة والحديثة والتطور الذى يحدث لعلم الأمراض.
هل من الممكن أن نقول إن علم الأشعة يعيد كتابة التاريخ المصرى القديم؟
بالطبع، علم الأشعة يحدث طفرة حقيقية فى إعادة كتابة فكانت هناك ظن على سبيل المثال أن الملك توت عنخ آمون أنه تم قتل بمؤامرة من خلال تلقيه ضربة خلف الرأس مما أدى إلى وجود عظمة داخل رأسه، ولكن الأشعة المقطعية أوضحت أن هذه العظمة انفصلت عندما فصل كارتر رأس توت عنخ آمون لكى يتمكن من خلع الجهاز الذهبى من عليه بالتالى الأشعة المقطعية تعيد كتابة التاريخ، وتعمل على تصحيح القصص المغلوطة التى تقال جزافا عن مصر القديمة بدون سند علمى.
هل تؤيدين مشاركة الباحثين الأجانب عند إجراء فحوصات على المومياوات فى مصر؟
أنا مؤمنة أن المصريين إذا كان لديهم الخبرات والعلوم التى تكفى لعمل الفحوصات فلا توجد الحاجة للاستعانة بأى خبرة أجنبية، ولكن لو كان هناك افتقار لتخصص معين أو خبرة معينة فلا يوجد مانع من الاستفادة بالخبرات الأخرى وهذا شىء إيجابى لأنه سيتم نقل الخبرة للخبراء المصريين مع مرور الوقت.