تروى السيدة تحية كاظم، حرم الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، أنه بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 بشهور قليلة بدأ جمال يحضر لإصدار جريدة يومية، واشتغل وبذل جهدا كبيرا قبل إصدارها، وتضيف فى مذكراتها «ذكريات معه»: «كنت أسمعه وهو يتحدث بجانبى بعد رجوعه إلى البيت فى الليل ويوجه تعليمات وترتيبات ومشاورات، وكانت تكتب نسخا وأراها فى البيت كنموذج، ويغير ويبدل فى ترتيبها وشكلها عدة مرات، وذلك قبل إصدارها، وأخيرا صدرت جريدة الجمهورية».
تواصل السيدة «تحية» سرد ذكرياتها حول هذه المسألة، قائلة: «كانت الفرحة على وجهه وهو يسلمنى العدد الأول، وكنت أعتز بجريدة الجمهورية لما شاهدته من اهتمام جمال عبدالناصر بها».. تكشف: «كانت مقالات مهمة تصدر فى «الجمهورية» باسم أنور السادات، والذى كان يكتبها هو جمال عبدالناصر، وفى مرة قلت له: «إن هذه المقالة من كلامك وعرفته وفهمت أنك كاتبها، فرد وقال: نعم».
تذكر السيدة تحية، أن زوجها جمال عبدالناصر دخل مستشفى الدكتور مظهر عاشور «الضابط بالجيش» لإجراء عملية «المصران الأعور» فى «مايو 1953»، ولم يكن «عبدالناصر وقتها رئيسا للجمهورية، غير أنه كان القائد الأقوى فى مجلس قيادة ثورة يوليو «كان محمد نجيب رئيسا للجمهورية»، ويذكر السادات جانبا مما حدث بينه وبين عبدالناصر فى المستشفى حول إصدار الجريدة الجديدة.. يكشف فى مقال له نشره على صفحات «الجمهورية» فى ذكرى مرور عام على تأسيسها أنه ذهب لزيارة عبدالناصر فى المستشفى يوم 4 يوليو 1953، فتحدثا عن صحافة الثورة، وفاجأه عبدالناصر بتكليفه بالإشراف على إصدار أول صحيفة يومية تصدرها الثورة كى تدعو لها وتتبنى أفكارها، وتدافع عن سياستها، على أن تكون «هيئة التحرير» باعتبارها التنظيم السياسى القائم هى المالكة لها، ويضيف السادات أنه طلب مهلة للتفكير لأن إصدار جريدة يومية ليس بالعملية السهلة، فهى تحتاج إلى تجهيزات واستعدادات، وعاد السادات إلى عبدالناصر بعد يومين ليخبره بأن المهمة مستحيلة وتحتاج لوقت طويل، فرد عبدالناصر: «كيف قمنا بالثورة وسط كل المصاعب التى كانت حولنا، إن الثورة لا بد أن تكون لها صحافتها، وأن الجريدة لا بد أن تصدر قبل نهاية العام».
عمل السادات قبل ثورة 23 يوليو لفترة من الوقت فى مؤسسة «دار الهلال»، ويذكر أنه بعد أن قبل تكليف عبدالناصر، تردد على «دار الهلال» طوال شهر يوليو 1953، يسأل ويستفسر عن كيفية تنفيذ هذا الحلم، وخاض كل ذلك باعتباره مديرا لها، واختار الكاتب الصحفى حسين فهمى ليكون رئيسا للتحرير، وهو الذى اقترح اسم «الجمهورية» بعد أن كان مقترحا لها اسم «التحرير اليومى» على أساس وجود مجلة «التحرير»، لكن «فهمى» اقترح لعبدالناصر الاسم الجديد، تيمنا بإعلان الجمهورية فى مصر وزوال الملكية فى يونيو 1953.
وبدءا من أكتوبر 1953 ظهرت حملة إعلانية كبرى فى الصحف المصرية تمهد لصدور الجريدة الجديدة، ومن أمثلة هذه الإعلانات: «جريدة الجمهورية تلهب ظهر الاستعمار»، و«جريدة الجمهورية جريدة الشعب»، ويذكر السادات أنه بعد تجارب أجروها عدة أسابيع تم الاتفاق على الشكل النهائى، وعند الثانية بعد منتصف ليل 7 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1953، دارت ماكينات الطباعة ليتسلم أول أعداد الجريدة الوليدة، وفى الصباح الباكر توجه إلى منزل جمال عبدالناصر فوجده يتناول الإفطار والشاى وسلمه النسخ الأولى، وبعدها بدقائق كان الباعة فى الشوارع والميادين ينادون: «الجمهورية، الجمهورية، اقرا الجمهورية».
يكشف الكاتب الصحفى موسى صبرى، فى مذكراته «50 عاما فى قطار الصحافة»، أن عبدالناصر وافق على اقتراح السادات بأن يشرف «جلال الدين الحمامصى» على تحرير «الجمهورية».. يؤكد: «كان السادات يحب «الحمامصى»، وبدأت علاقتهما فى معتقل الزيتون عام 1943، وكان صداقتهما وطيدة، وكان كل منهما ينادى الآخر باسمه الأول.. يا أنور.. ويا جلال»، وكانت المشكلة فى اختيار رئيس تحرير، وأخيرا جرى التفكير فى حسين فهمى، وقَبِلَ، وكان هذا مدعاة لرضاء عبدالناصر».
يؤكد «موسى صبرى»: «ثارت خلافات عديدة بين الحمامصى المشرف على التحرير وبين حسين فهمى الذى ترك العمل، وانفرد الحمامصى باختصاص نائب رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير، ثم ضاق عبدالناصر بالحمامصى، وترك الجمهورية كما تركها «السادات» إلى مناصب أخرى، ثم أسند عبدالناصر رئاسة مجلس الإدارة والتحرير إلى صلاح سالم، وعين كامل الشناوى وإبراهيم نوار رئيسين للتحرير، ثم عين الدكتور طه حسين رئيسا للتحرير، ثم عينت أنا رئيسا للتحرير ومسؤولا عن إصدار الجريدة، ووصل توزيعها إلى أرقام قياسية».