سعى كتاب "الدين ومنابر التواصل الاجتماعى" الصادر عن مركز المسبار، للإجابة عن بعض الأسئلة الملحّة التى يُثيرها الدين على وسائل التواصل الاجتماعى والمواقع الإلكترونية، والتى عرفت فى السنوات الأخيرة تفاعلاً لافتاً فى العالم العربى مع قضايا مختلفة، احتل الجانب الدينى موقع الصدارة فيها، كونه يشكل جزءاً صلباً من رؤية المسلمين لذواتهم والعالم المحيط بهم.
تعالج الدراسات المدرجة فى الكتاب فاعلية المؤسسات الدينية المسلمة والمسيحية فى وسائل التواصل الاجتماعى والمواقع الإلكترونية، وتعاين نشاط الإسلام السياسى والسلفي، وأثر "الميديا الجديدة" فى الدين الإسلامى وخطاب رجال الدين والمفتين، وكيفية تصدى المؤسسات الدينية الرسمية للفتاوى الشاذة، إضافة إلى قضايا أخرى.
يأتى هذا الكتاب، فى وقت ما زلنا فيه بحاجة ماسة إلى فهم التفاعل بين الدين ووسائل التواصل الاجتماعى؛ فالظاهرة تسير بشكل كبير ما يتطلب فهمها من خلال بُعدين: الأول سلبي، والثانى إيجابي. يتمثل البعد السلبى فى انتقال الحركات الإرهابية والإسلاموية المختلفة إلى "الميديا الجديدة" والإفادة مما توفره من إمكانات فى التجنيد وكسب المؤيدين.
كانت بداية ظهور قوة وسائل التواصل الاجتماعى فى الشرق الأوسط خلال "الثورة الخضراء" التى شهدتها إيران عام 2010، وسمّاها ناشطون "الثورة التويترية"، وأظهرت أحداث ما سمى بـ"الربيع العربى" القدرة الهائلة التى تتمتع بها فى إيصال الأفكار والأخبار والتأثير فى الميادين، ووجدنا شيئاً فشيئاً تزايداً ملحوظاً فى عدد الأفراد والمنظمات والأحزاب التى تحاول الأخذ بها لأغراض عدة.
حضر الدين دوماً على الشبكة العنكبوتية منذ بداياتها، وقد أسهمت الأديان كافة فى إنشاء مواقع وصفحات لها لإبراز رسالتها، والدعوة إلى عقيدتها، والرد على مخالفيها، وأفادت غالبية الحركات الإسلامية المتطرفة من الإنترنت، ومردّ ذلك حاجتها إلى التعبير عن نشاطها الدينى أو السياسي، بعيداً عن الرقابة الحكومية المباشرة، ما أتاح لها هامشاً من التحرك تمكنت من خلاله من نقل الأفكار والأيديولوجيات الراديكالية، فى حين تراخت المؤسسات الإسلامية المعتدلة، بسبب توافر قنوات بديلة لها، عن إيصال رسالتها. وربما –أيضاً- بسبب عدم استيعاب بعض قياداتها للقوة الكامنة فى الوجود على الإنترنت، مع ذلك، كان هناك الكثير من الحضور الإيجابى والبنَّاء لممثلى الإسلام المعتدل والتقليدى على الشبكة العالمية.
الظاهرة الأكثر إثارة للبحث والاهتمام، هى ظاهرة التطرف الدينى، وخصوصاً تنظيم "داعش"، الذى كشف عن قدرة كبيرة ومتطورة فى توظيف وسائل التواصل لتجنيد الأفراد، إما للقتال معه، وإما لتبنى طروحاته الهدامة، هذا الجانب تركناه لجزء ثانٍ من هذا الكتاب، فى حين قررنا فى الجزء الأول التركيز على ظواهر وتجارب أخرى تستحق الدراسة والتحليل، فوسائل التواصل الاجتماعى أثرت كثيراً فى مفهوم السلطة الدينية، وفى العلاقة بين المسلم الباحث عن الفتوى وعلماء الدين، لقد وفرت للمسلم العادى القدرة على التلاقى مع شريحة واسعة من رجال الدين فى أى مكان من العالم، وسمحت له بانتقاء الفتوى التى يريدها، أو اختيار الشيخ الذى يفضل الالتزام برأيه، كما أنها فرضت على المفتين تغيير أسلوبهم. فقد استطاع الواحد منهم جذب عشرات الآلاف من الأشخاص، كما أنها انعكست على طبيعة الأفكار التى يناقشها المسلمون الناشطون فى "الميديا الجديدة"، ففى حين كانت النقاشات الدينية تدور حول هموم محلية يُعنى بها الفرد المسلم، أصبح الآن يخوض نقاشاً مفتوحاً – بفضل مساحة الحرية المتوافرة فى المجال الافتراضى – فى موضوعات دينية عدة، منها ما يكشف عن تشكيل وعى دينى جديد له جوانبه الإيجابية، لا سيما عندما يتمّ تداول مسائل التجديد والإصلاح الديني، ومنها ما يبرهن على حضور عنفى وسلبى تعبر عنه المواقع المرتبطة بحركات العنف الديني.
إن استخدام المؤسسات الدينية المسلمة المعتدلة، الرسمية وغير الرسمية، فى العالم لوسائل التواصل الاجتماعى له أهمية كبرى لا يمكن التغافل عنها؛ إذ إن جيل الشباب ينشط فى هذه الفضاءات بشكل متزايد، ويستقى ثقافته الدينية والأخلاقية منها.
من الأهمية تفعيل دور المؤسسات المسلمة المعتدلة على المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي؛ كخطوة تمهيدية لتطويرها، وتنشيط دورها فى نشر ثقافة الاعتدال والتسامح وتقبل الآخر، والحد من ظاهرة التطرف الدينى والغلو المذهبي.
لا ينحصر الحضور على شبكات التواصل الاجتماعى بالنشاط الذى تعبر عنه المؤسسات التقليدية والحركية الإسلامية، فالكنيسة فى المشرق حاضرة أيضاً، وهى مكوِّن تاريخى ومستقبلى من النسيج الدينى فى المنطقة، وما تحمله من رسائل على وسائل التواصل يؤثر فى المسيحيين، وقد يترك بصمات له لدى أبناء الأديان الأخرى.