- "الجماعة" أقرت مبدأ الإرهاب لإخفاء جرائمها المسلحة فى أيام "البنا" الأخيرة.. والتأكيد على أنها فى "صدام دائم" مع الحكم
- "حق الشهداء" بدعة تاجر بها مكتب الإرشاد.. وتجلت فى تلقين "بديع" لمرسى على الهواء: " القصاص.. القصاص"!
- "المرشد" تخابر مع الألمان أثناء الحرب العالمية.. وسكرتير السفارة الأمريكية اتفق معه: "أنتم بالرجال ونحن بالمال"!
- الدولة المصرية تنبهت لخطرهم بعد سقوط هيكل التنظيم.. فى قضية «السيارة الجيب».. و«النقراشى» قرر الحل
من الأقوال التى دائما ما تقفز إلى ذهنى، مقولة للمفكر السياسى الكبير الراحل الدكتور رفعت السعيد، رحمه الله، قالها لى فى وصف بليغ، لا تغيب عنه «خفة الدم» التى اشتهر بها، وهى: «إن بعض السياسيين يتحولون فى الدفاع عن رموزهم إلى أرامل، تجدهن يصرخن بأعلى صوت: ما حدش يجيب سيرة المرحوم»!
لا أعرف لماذا يقفز هذا الوصف دائما إلى ذهنى، كلما رأيت قادة الإخوان وكوادرهم، وهم يتحدثون عن حسن البنا، فالمشهد ينقصه بعض الطقوس الغريبة والمعتادة لديهم، من بخور وغرف مظلمة ومصاحف للقسم، كما يؤدون بيعتهم، لتكتمل ملامح الصورة.
عاش الإخوان على مدى ثمانية عقود وهم يستمدون قوتهم من صناعة الوهم وبيع الضلال، هم يصنعون أصناما، ويطالبون الناس، والعياذ بالله، ليس بالسجود لها، ولكن رفعها إلى مرتبة الرسل والأنبياء!
حسن البنا
فى كل «بكائية» يستغلون الدين، ويصدرون للناس أنهم فى صدام دائم مع الحكم، وأن «شهداؤهم فى الجنة، ومن يقاوم فكرهم الشيطانى، فهو فى النار»!
هل نسينا تلك الأحاديث الضالة، والاستغلال السافر للدين والأنبياء والملائكة فى الضحك على عقول البسطاء خلال اعتصامىّ «رابعة والنهضة» للجهل المفتوح؟
هل نسينا الأقوال التى تجاوزت حد الاختلال العقلى بتأكيد أن «مرسى راجع راجع»، بعد أيام قليلة من أعظم ثورات مصر على الإطلاق، التى أجمع فيها المصريون على ضرورة رحيل هذه الجماعة الآثمة ومندوبها فى « الاتحادية» عن سدة الحكم؟!
حملات الجهل والصراخ والبكاء، تستهدف دائما النيل من التفكير والتركيز وإعمال العقل، فعلى مر تاريخهم الأسود هم لا يريدون أن ترتفع أصوات أخرى فى مواجهتهم، لأنهم ببساطة يرغبون فى أن يكونوا الصوت الأوحد، والمصدر الوحيد للرواية، وما على الناس سوى الإقرار بصحة تلك الرواية!
فى مؤلفه الأشهر «الحرب النفسية» قال صلاح نصر رئيس المخابرات العامة المصرية الأسبق: «كثيرا ما يخترع العقل خيالات وتصورات، وكثيرا ما تكون لهذه الخيالات والتصورات نفس السيطرة التى للحقائق على السلوك الإنسانى»!
هذا الوصف، السابق لعصره، ذكره «نصر» قبل نصف قرن من الزمان، وتحديدا عام 1966، هذه الخيالات والتصورات هى أزمة الإخوان الحقيقية على مر تاريخهم، كشفها صلاح نصر، دون الإشارة إليهم، والأغرب أن هذا الرجل، له ما له وعليه ما عليه، استهدفته الآلة الدعائية الإخوانية، فى إطار منظومة شاملة أعقبت نكسة 1967، لتصنع منهم أبطالا مقهورين وراء أسوار «سجون ناصر» وتختلق موجة من الأكاذيب ما زال الناس يرددونها حتى اليوم بكل أسف!
فى 31 مارس 2012 أعلن مرشد الاخوان، محمد بديع، فى مؤتمر صحفى، استقالة المهندس خيرت الشاطر، نائب المرشد العام، من مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين، وقال إن الجماعة قررت الدفع بـ«الشاطر» مرشحا لها فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، عن حزب الحرية والعدالة.
وخلال المؤتمر شاهد المصريون على الهواء مباشرة مسرحية هزلية سياسية من نوع خاص، عندما أعطى «بديع» الميكروفون لمندوب الإرشاد، محمد مرسى، بصفته رئيس الحزب ليتحدث، عن أمجاد الإخوان فى الدفاع عن « ثورة مصر»، وبدأ «مرسى» حديثه عن الثورة وصناعها ورجالها، وكيف أن العالم اعترف ببرلمان مصر، والمطلوب الآن هو الدفع بمرشح للرئاسة ليستطيع تحقيق أهداف الثورة!
إلى هنا الموقف يحمل الكثير من الأكاذيب وخلط الأوراق، إلا أن المشهد الهزلى الحقيقى، حدث عندما بدأ «مرسى» يتحدث بـ« عنترية» عن نضال الإخوان فى الثورة، وآمال المصريين التى لم تتحقق حتى الآن، وعلا صوت المندوب لدرجة أنه لم يلتفت إلى تلقين المرشد له: «القصاص.. القصاص»، ما دفع «بديع» لأن يكررها مرة أخرى بهمس واضح: «القصاص للشهداء»، ورغم كل ذلك لم يلتفت «المندوب» لوصلة «التلقين»!
هذا هو منهج الإخوان فى تصدير «المظلومية»، وصناعة «البكائية»!
فى 12 فبراير 1949، لقى حسن البنا مصرعه أمام مقر جمعية الشبان المسلمين فى شارع رمسيس، الملكة نازلى سابقا، بسبع رصاصات أُطلقت عليه، لتستقر فى جسده، توفى بعدها بساعات فى مستشفى قصر العينى.
كانت العملية كلها جزءا من صراع بين الدولة المصرية والجماعة الإرهابية، التى استهدفت رمز الدولة متمثلا فى رئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى قبل شهر وعدة أيام من ذلك التاريخ.
كان الثمن باهظا حقا، دفعه «النقراشى» فى أول مواجهة للدولة مع الإخوان، وذلك عندما أقدم أحد أعضاء التنظيم الخاص للإخوان، ويدعى عبدالمجيد أحمد حسن، على اغتياله فى 28 ديسمبر عام 1948.
وفى التحقيقات اعترف الجانى بأن إقدامه على اغتيال «النقراشى» كان بسبب إصداره لقرار حل الجماعة فى 8 ديسمبر، أى قبل اغتياله بعشرين يوما!
النقراشى
كان المطلوب، «التغطية» على كل هذه الجرائم الإرهابية بـ«بكائية» احترافية، لكن الجريمة الأكبر لم تكن فى اغتيال رئيس الوزراء، إنما كانت فى السبب الحقيقى وراء حل الجماعة الإرهابية قبل 20 يوما من اغتيال «النقراشى».
رئيس الحكومة ووزير الداخلية محمود فهمى النقراشى، كان على قناعة خاصة بأن الإخوان «جماعة إرهابية» بالفعل، وأن تحركات مرشدها تتسم بالريبة، فقد سعى «النقراشى»، وهو أحد أبرز قادة «الوفد» فى ثورة 1919، إلى تعقب نشاط الجماعة، خاصة منذ وصوله إلى سدة الحكم فى 1946، عندما اتجهت أجهزة الأمن إلى رصد تحركات الإخوان فى محاولة لكشف أسرار «تنظيمها الخاص».
وثيقة نادرة عثرت عليها، تثبت أن البوليس السياسى قد وضع المرشد العام للجماعة، الشيخ حسن البنا، «تحت المراقبة» أثناء حرب فلسطين!
مصطفي مشهور
الوثيقة عبارة عن تقرير صادر من ضابط الاتصال بقسم البوليس السياسى بمحافظة الإسماعيلية، ونصها كالتالى:
«حضرة صاحب العزة/ المدير العام لإدارة عموم الأمن العام..
بناء على تكليفى من قبل سعادتكم بمراقبة الشيخ حسن البنا عند حضوره لمدينة الإسماعيلية يوم 20 الجارى، وملاحظة اتصاله بضابط المخابرات ليز، أتشرف بأن أبلغ عزتكم أن الميجور ليز قد نقل من القطر المصرى فى شهر أكتوبر سنة 1947، وعين بالسفارة البريطانية بباريس، وقد عين مكانه الميجور سمرز، وقد عينّا كونستابل لمراقبة مكتب هذا الضابط من صباح اليوم المذكور حتى الساعة السادسة مساء، فلم يحضر إليه أحد، وقد راقبت هذا الميجور بنفسى هو وضابط المخابرات من الساعة السابعة مساء حتى الساعة الثانية عشرة منتصف الليل، حيث دعوتهما إلى تناول العشاء معى بالنادى الفرنساوى بالإسماعيلية، وقد ساعدنى فى هذه المراقبة رئيس مكتب القسم السياسى بالإسماعيلية، حيث عين كونستابلين لمراقبة الأماكن والمنازل التى قد يتردد عليها الشيخ حسن البنا عند حضوره لمدينة الإسماعيلية يوم 20 الجارى من الصباح حتى الساعة الحادية عشرة مساء، إلا أنه لم يحضر إطلاقا إلى الإسماعيلية، ولم يلاحظ على الميجور سمرز ما يدعو إلى الريبة، وبهذه المناسبة أتشرف بإبلاغ سعادتكم أننا لاحظنا أن منطقة الإسماعيلية أصبحت ذات أهمية خطيرة، نظرا لتركز القوات البريطانية فيها، ووجود جاليات أجنبية كبيرة ووقوعها على الطريق الرئيسى من وإلى فلسطين، وأن القسم المخصوص المكلف بمراقبة النشاط السياسى والطائفى بهذه المنطقة أصبح مرهقا بكثرة العمل، وعدم توافر القوات اللازمة ووسائل المواصلات.
وأرى توفير الوسائل اللازمة له من وسائل الانتقال وتزويده بالعدد اللازم من الكونستابلات والعساكر حتى يتمكن من القيام بالمهمة الموكلة إليه على الوجه الأكمل.
وتفضلوا عزتكم بقبول فائق الاحترام.
ضابط الاتصال صاغ «رائد»: شريف العبد
الإسماعيلية 22 مايو 1948»
لكن من هو الصاغ شريف العبد ضابط الاتصال؟
من الوثيقة يتضح أنه ضابط الاتصال المكلف بنقل المعلومات من مكتب القلم السياسى «البوليس السياسى» إلى إدارة عموم الأمن العام بوزارة الداخلية، وقد ظل يقوم بهذه المهمة لسنوات طوال، حيث ورد اسمه بنفس الصفة بعد هذا التاريخ بنحو أربع سنوات، ولكن بعد أن تقلد رتبه بكباشى «مقدم»، وأصبح مسؤولا عن مهمة الاتصال بوزير الداخلية فؤاد سراج الدين باشا، أثناء عمليات المقاومة قبل 25 يناير 1952.
ورغم أن الوثيقة لم تحمل اتهاما مباشرا لـ«البنا» بعمالته للمخابرات البريطانية، إلا إنها أوردت الكثير من الشكوك والجدل، خاصة التوقيت الحساس لها وهو «20 مايو»، أى بعد تحرك القوات المصرية إلى فلسطين بنحو خمسة أيام! ولكنها تشير إلى أن «المرشد» كان فى دائرة الشك الأمنية، أو «تحت المراقبة»، حيث يشير التكليف إلى مراقبة اتصاله بالضابط «ليز»، ووفقا للرد «فقد نقل الضابط الإنجليزى من القطر المصرى منذ عام 1947»، ما يعنى أن الشكوك كانت قائمة قبل هذا التاريخ بشهور، وربما سنوات!
بعد أقل من شهرين من هذا التاريخ، واعتبارا من شهر يوليو عام 1948 عادت الانفجارات من جديد لتهز شوارع وميادين القاهرة، والطائفة المستهدفة بالطبع كانت اليهود، فقد انفجرت شحنة من الديناميت فى محل شيكوريل بوسط القاهرة، تبعها انفجاران فى محلى بنزايون وجايتنو فى الشهر التالى، وأمام هذه الانفجارات التى أشارت أصابع الاتهام فيها إلى الإخوان، أعد عبدالرحمن عمار، وكيل وزارة الداخلية لشؤون الأمن، مذكرة حول جماعة الإخوان المسلمين، قال فيها: «إن الجماعة ترمى إلى الوصول إلى الحكم بالقوة والإرهاب، وإنها اتخذت الإجرام وسيلة لتنفيذ أهدافها، فدربت شبابا من أعضائها أطلقت عليهم اسم «الجوالة»، وأنشأت لهم مراكز رياضية تقوم بتدريبات عسكرية، وأخذت تجمع الأسلحة والقنابل والمفرقعات وتخزنها وساعدتها على ذلك ظروف حرب فلسطين.
خلال فترة الحرب العالمية نضجت أساليب «الإخوان» فى التعامل مع أجهزة المخابرات الغربية، وهو ما دفع «البنا» إلى فتح اتصالات سرية عبر وسطاء مع «هتلر» و«موسولينى»، بينما احتفظ بعلاقات خاصة مع السفارة البريطانية، وأظهرت وثائق للبوليس السياسى المصرى أن غالبية شُعَب الإخوان فى المحافظات كانت تتحرك بأوامر من السفارة الإنجليزية، ولكن بقى النظر إلى الدور الأمريكى المتنامى فى المنطقة عقب الحرب العالمية الثانية، وهو ما لم يغب يوما عن فكر «البنا»!
فى صيف عام 1947، أرسل سكرتير السفارة الأمريكية بالقاهرة فيليب إيرلاند، مبعوثا إلى «البنا» بمقر المركز العام للإخوان المسلمين بالحلمية يطلب لقائه، اندهش المرشد العام من الطلب فى البداية، لكنه وافق مشترطا أن يكون اللقاء بعيدا عن المقر العام للجماعة، لأنه مراقب من «البوليس السياسى»، وأن المرشد، وفقا لرواية الدكتور محمود عساف، مؤسس جهاز معلومات الإخوان، «يرى أن البعض سوف يؤولون تلك المقابلة ويفسرونها تفسيرا مغلوطا ليس فى صالح الاخوان»! حمل المبعوث رد المرشد إلى سكرتير السفارة الأمريكية، الذى طلب أن يكون اللقاء فى بيته بحى الزمالك على النيل! وفى الموعد مساء إحدى ليالى الصيف، لم تحدد أى من الروايات التاريخ، حضر «البنا» إلى بيت سكرتير السفارة، ومعه اثنان من أقرب معاونيه، الدكتور محمود عساف، ومحمد الحلوجى، ويعمل مترجما فوريا، دخل الثلاثة إلى بيت سكرتير السفارة، والذى استقبلهم استقبالا حارا، وكانت المفاجأة هى حديثه المطلق باللغة العربية، ما جعل المترجم يجلس «مجرد مستمع»!
«إيرلاند» دخل فى الموضوع مباشرة، قائلا: «إن موقفكم من الشيوعية معروف لنا، ولقد عبرتم كثيرا عن أن الشيوعية إلحاد تجب محاربته»، واستطرد: «لقد طلبت مقابلتكم حيث خطرت لى فكرة وهى لماذا لا يتم التعاون بيننا؟ أنتم برجالكم ومعلوماتكم، ونحن بأموالنا»!
هذه هى الحقيقة التى يحاول الإخوان إخفاءها، فقد استجاب مرشدهم لأول دعوة «أمريكية» للتعاون المخابراتى، ولكن على أية حال يظل السر الأكبر هو تحديد «السنة الأولى» لبدء هذا التعاون.
دائما، أجهزة المخابرات الغربية وحدها هى من تملك الإجابة عن التساؤلات حول حقيقة هذا التعاون، وتلك الاتصالات!
قبل اغتيال المرشد بشهرين، كشفت الجماعة عن وجهها القبيح، عندما سقط أول تنظيم سرى للجماعة فى قبضة الأمن يوم 15 نوفمبر 1948، ضمن القضية التى عُرفت بـ«السيارة الجيب»، ولعل أبلغ شهادة عن تلك القضية هى الشهادة المهمة لوكيل النيابة الذى حقق فيها، وهو المستشار عصام حسونة، والد النائبة أنيسة حسونة، بقوله: «استيقظت مصر يوم 15 من نوفمبر 1948، لتعرف لأول مرة أن جماعة الإخوان المسلمين، التى تعرفها حق المعرفة، قد أنشأت فى الخفاء تنظيما سريا، لم تعرف مصر بأمره من قبل، وكان هذا التنظيم السرى المروع، نتاج عقول رسمت وخططت وتآمرت وهى آمنة، مطمئنة، واثقة من نفسها، ومن غفلة خصومها، لا يعكر صفاءها شىء، وليس يؤرقها خوف، تنظيم استكمل قواته الضاربة، المدربة على القتال للاستيلاء على السلطة حين يصدر إليه الأمر من قادته، تنظيم له مخابراته السرية التى لم تعرف مصر لها من قبل مثيلا، مخابراته التى تسللت فى هدوء إلى أهم مراكز الدولة الحساسة، واستكملت أهبتها للاستيلاء عليها، وشل حركتها، وله أجهزة إعلامه ومحطة إذاعته، لتكون فى خدمة هذا التنظيم السرى العبقرى الرائع المروع».
اكتشفت مصر ذلك كله صباح 15 نوفمبر 1948، وعرفت أن فى مصر دولة داخل الدولة الشرعية، بل فوق تلك الدولة، تستعد للانقضاض عليها، متى أصدر القادة أمرهم، وقد كانوا على وشك أن يفعلوا.
وأعد قادة التنظيم عدتهم، باعترافهم، لنسف ثكنات الجيش المصرى، وتعطيل أسلحته عن طريق العمال الموالين للتنظيم، وإلى استعمال القنابل المتفجرة لنسف مكاتب شركة قناة السويس وورشها ومعداتها، وإلى تعطيل خطوط السكك الحديدية ونسف القطارات بواسطة الألغام، ونسف الطرق والكبارى ونسف أقسام البوليس والاستيلاء على أسلحتها وقتل خيولها عن طريق وضع السم لها.
وتحدث بناة التنظيم السرى عن سياستهم فى الإعلام، فقالوا «إن الأمر قد يتطلب اغتيال شخصية معادية خارج القطر للفت أنظار العالم، وأن برنامج إذاعتهم ينبغى أن يتم بسرد الشائعات المثيرة لعواطف ومشاعر الجماهير على الطريقة الألمانية وبإصدار منشورات عن الحوادث التى يرتكبها، أفاد الحركة بصورة مبالغ فيها تارة، وبالنقد والتجريح للإيهام تارة أخرى، وأنه تتعين تهيئة أشخاص للعمل فى بعض الأماكن والشركات والاشتراك فى أسهم الشركات أو تأسيسها».
واعترف أحد قادة التنظيم، مصطفى مشهور، المرشد فيما بعد، الذى كان يعمل بمطار ألماظة أنه سطر بخط يده خطة لنسف مخازن المطار ومعداته.
ولقد كان من نصيبى كمحقق، والكلام لعصام حسونة، فى قضية السيارة الجيب، أن أفحص ما احتوته أوراق التنظيم السرى من بيانات عن المحال المملوكة لليهود فى القاهرة، ولو تخفى أصحابها وراء أسماء مسيحية أو مسلمة، وما احتوته تلك الأوراق عن السفارات الأجنبية، ومنازل الشخصيات العامة من يهود ومسيحيين ومسلمين، وكيفية القضاء عليهم.
ولكن كيف تم اكتشاف الجهاز السرى للجماعة؟
كان ضباط القسم السياسى قد علموا من التحريات، بعد تعدد حوادث النسف بمدينة القاهرة، أن نفرا من جماعة الإخوان المسلمين قد أخذوا يتخلصون من المواد الناسفة التى يخفونها فى منازلهم إلى أماكن أخرى أكثر أمنا، مستعملين فى نقلها سيارات من طراز جيب، لا تحمل أرقاما معدنية، فوضع الصاغان محمد محمد الحراز، ومحمد توفيق السعيد، من ضباط القسم السياسى، نظاما لمراقبة أحياء مدينة القاهرة بواسطة قوات من رجال البوليس الملكى، تكون مهمتهم مراقبة الحالة، وملاحظة هذا النوع من السيارات، وقد وجه الضابطان عناية خاصة إلى حى الوايلية نظرا لما تبين، من حوادث سابقة، من أنه يضم نفرا من تلك الجماعة، وعينا لمراقبة هذا الحى واحدا من سكانه، وهو أمباشى البوليس الملكى صبحى على سالم.
فى الساعة 2.45 من بعد ظهر يوم 15/11/1948 اتصل الأمباشى صبحى سالم بالصاغ محمد الحراز تليفونيا، وأبلغه أنه ضبط سيارة من طراز جيب محملة بصناديق فى شارع جنينة القوادر بالوايلية، ويركبها بعض الأشخاص، فانتقل الضابط مع زميله الصاغ محمد توفيق السعيد، إلى محل ضبط السيارة أمام المنزل رقم 38 شارع جنينة القوادر، وأمرا بالتحفظ عليها، وقد تبين لهما أن كلا من أحمد عادل كمال، وطاهر عماد الدين وإبراهيم محمود على كانوا من ركاب السيارة، وأن مصطفى مشهور ضبط قريبا من السيارة، وهو يحمل حافظة من الجلد تحتوى على أوراق.
وقد شهد رجل البوليس الملكى، صبحى على سالم، أنه فى حوالى الساعة الثانية من بعد ظهر يوم 15/11/1948 شاهد سيارة رمادية اللون من طراز جيب، لا تحمل أرقاما تسير ببطء مقبلة من شارع لبيب بجهة الوايلية ومتجهة إلى شارع جنينة القوادر، ثم وقفت أمام المنزل رقم 38، وقد أثارت هذه السيارة ريبته، إذ رأى عليها صندوقا وحقيبتين وأوراقا، كما رأى ركابها ينزلون منها ويقفون بجوارها، وعرف منهم أحد سكان ذلك المنزل، وهو إبراهيم محمود على، فتقدم من ركاب السيارة وأمرهم بالوقوف فى أماكنهم، فدفعه أحدهم وجرى مع أحد زملائه إلى جهة شارع عبده باشا، فتبعهما الشاهد وجمهور من المارة، وهو يصيح: «صهيونى»، إذ تبادر إلى ظنهم أن السيارة لجماعة من الصهاينة، وقد تمكنوا من ضبط المشتبه فى أمرهم ركاب السيارة الذين سلفت الإشارة إليهم.
تلك هى قضية السيارة الجيب، التى كانت سببا فى قرار حل الجماعة فى ديسمبر 1948، وقبل قرابة شهر من اغتيال البنا!
• • •
الضربات التى لحقت بالجماعة بعد الحل، وبعد اغتيال أحد كوادرها لـا«لنقراشى»، جعلها تفكر فى «أكذوبة كبرى» تغطى بها على كل على جرائمها السابقة، فدفعت بفكرة «الإمام الشهيد» إلى رجالها، وتناست أن هذا الإمام هو ذلك الشخص الذى تخابر ودبر علميات قتل ونافق كل الأنظمة.
بعد العودة المشروطة لممارسة العمل فى عام 1950، بدأت الآلة الإعلامية للجماعة، عبر صحفها، فى الترويج لفكرة «الإمام الشهيد» فخصصت صحيفة «الدعوة» عددا خاصا للاحتفال بذكراه، وتبارت الأقلام الإخوانية فى الكتابة عن مآثر من وصفته بـ«الشيخ الجليل»، ومن ضمنها ملف خاص تحت عنوان: «أستاذ المسلمين فى القرن الرابع عشر»، يقول: «وكان ذلك هو أعظم درجات البكائيات بأن جعلت من المرشد أستاذا للمسلمين، وهو ليس رجل دين!».
فى نهايات عام 1951، بدأت الجماعة تروج فى منشورات دعائية لها عن «نتيجة العام الجديد» التى كما يقول الإعلان ستكون «محلاة بصورة للإمام الشهيد حسن البنا»!
ومنذ ذلك الحين، لم تتوقف الآلة الإعلامية الإخوانية عن الدفع بمزيد من الأكاذيب، وتوارث الأبناء بكائية الأجداد!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة