سأل الرئيس جمال عبدالناصر، الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل رئيس مجلس إدارة وتحرير الأهرام: «مش حتعزمنى أشوف الأهرام؟»، فدعاه «هيكل» يوم 13 فبراير، مثل هذا اليوم، 1969، حسبما يذكر للكاتب يوسف القعيد فى كتاب «عبدالناصر والمثقفون والثقافة».
لم تكن هذه الزيارة لافتتاح مبنى الأهرام الجديد، وفقا لتأكيد «هيكل»، فافتتاح المبنى تم فى الأول من نوفمبر 1968، وعلى الصفحه الأولى من الجريدة يوم 2 نوفمبر 1968 كانت صورة المبنى وتقرير عنه فيه، أن تكلفته بلغت أربعة ملايين جنيه، بينها مليون ونصف المليون جنيه للمبنى نفسه، وخدماته المباشرة، أى المصاعد وتكييف الهواء ونظام التليفونات، وبينها مليونا جنيه إسترلينى، هى ثمن الآلات والمعدات الجديدة، وكانت أحدث أجهزة للإنتاج الصحفى بأى مقياس عالمى، يضيف التقرير، أن مبنى الأهرام كله تم اعتمادا على موارده وحدها من حصيلة بيع الجريدة، وحصيلة إعلاناتها، وأنه لم يستدن لإتمام مشروعه من أى بنك من البنوك، وإنما اعتمد أولا بأول على المتوافر من صافى أرباحه المحققة بين سنة 1957 وسنة 1968.
يكشف «هيكل» قصة تحديد موعد الافتتاح، قائلا ليوسف القعيد: «كان من المفروض أن نقوم به فى الثانى من نوفمبر 1968، ولكنى تذكرت أن هذا اليوم هو ذكرى وعد بلفور المشؤوم، فقدمناه لكى يكون فى الأول من نوفمبر، وأنا قلت فى ذلك الوقت، وما زلت أذكر هذا حتى الآن، إن اليوم يجب أن يكون ذكرى انطلاق الثورة الجزائرية، الأول من نوفمبر 1954، بدلا من أن يكون ذكرى وعد بلفور المشؤوم 1917».
أما الطريقة التى بها افتتاح المبنى الجديد، فيتذكرها «هيكل»، قائلا: «تجمعنا أمام باب الأهرام، بناة الأهرام الحقيقيون، العمال والمحررون والموظفون والسائقون ورجال الإدارة ومسؤولو الإعلانات، وفتحنا باب الأهرام ودخلنا جميعا مرة واحدة».
يذكر «هيكل»: «بعد هذا الافتتاح بكذا شهر كانت الرغبة لدى عبدالناصر فى أن يحضر إلى الأهرام، وقال لى ذات يوم: مش حتعزمنى أشوف الأهرام؟»، على أثر ذلك تمت دعوته، يؤكد «هيكل»: «قصدنا ألا يقوم بالافتتاح، لأن المبنى هو فى البداية والنهاية ليس مشروعا من مشروعات الدولة، والدولة لم تدخل فيه ولم تدفع له مليما واحدا، كنا أصدرنا ملحق الأهرام الجديد، فأصبحت عنده رغبة فى الحضور لرؤية الأشياء التى سمع عنها، عن قرب».
وعن ترتيبات الزيارة يذكر «هيكل»: «رتبنا أن يمر على كل الناس حيث هم، بمعنى أن يدخل صالة التحرير والمحررون يعملون فيها بصورة طبيعية لحظة دخوله، وكنا حريصين على أن يرى الكفاءة وطريقة سير العمل، وطلبت من الأستاذ أحمد بهجت، وهو كاتب لديه حس قوى بالتاريخ أن يمشى معنا ويغطى الزيارة بالقلم»، يضيف «هيكل»: «جاء إلينا فى حوالى الساعة السابعة مساء، وخرج فى حوالى الساعة الحادية عشرة، وعندما خرج كانت معه الطبعة الأولى من الأهرام، وصورة الزيارة فى الصفحة الأولى، وكان سعيدا بهذا جدا».
يؤكد «هيكل»: «لم تكن هناك داخل الأهرام أى إجراءات أمنية من أى نوع، وعبدالناصر دخل الأهرام ومعه أنور السادات، ومحمد أحمد ومحمود فهيم، من السكرتارية الخاصة به، وحتى هؤلاء لم يكملوا الجولة حتى النهاية».
يؤكد «هيكل»، أنه لم يكن هناك أى مسؤول فى استقباله لحظة وصوله إلى الأهرام، يذكر: «كنت أنا فى انتظاره تحت أمام الباب، وعندما أتى دخلنا وطلعنا إلى مكتبى أولا، كان عنده غرام بالصحافة، وعندما دخل مكتبى جلس على المكتب، وشرحت له تفاصيل ووقائع الزيارة، وقال: «هذا هو العمل الوحيد الذى كنت أرغب فى القيام به».
يضيف «هيكل»: «كنت حريصا على أن يرى الأهرام وهو يعمل، أى فى حالة عمل تماما، كما كان يتصوره قبل أن يحضر إليه، لم يكن فى الأمر أى استعراض ولكن عملية تحقيق لصورة الأهرام الذهنية عند الرئيس، وبالتالى كل الناس كانوا فى أماكنهم، لم يكن هناك عامل يتحرك فى مكانه، كل واحد فى مكان عمله، لأنه يؤدى هذا العمل، كأن الأهرام لا يوجد به الرئيس فى ذلك اليوم، وينصرف عن عمله فى حالة واحدة فقط، إن خاطبه الرئيس بصورة مباشرة».
يتذكر «هيكل»: «كنا نسير هكذا، كان هو يمشى ومعه أنور السادات وكنت معهما، والمصوران محمد يوسف، وحسن دياب، فى الأمام، ومعنا أحمد بهجت، وأعتقد أن محمد أحمد كان يمشى خلفنا، كان عبدالناصر مهتما بالسؤال والمعرفة المباشرة التى يحصل عليها بنفسه من الآخرين».
شهدت الزيارة لقاءات بين عبدالناصر وهيئة التحرير ومركز الدراسات السياسية والأدباء والكتاب، فماذا جرى فيها؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة