تحديث البنية الأساسية.. شعار مهم يبدو أن إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن تضعه على عاتقها، ربما لتصبح أحد أهم العلامات المميزة لها، خاصة وأن هذا القطاع لم يكن على رأس أولويات الإدارة السابقة، فى ظل الإمكانات الكبيرة التى تحظى بها الولايات المتحدة، مما يجعلها فى مقدمة العالم، من حيث شبكات الطرق، والصناعة، والاستثمارات، إلا أن المستجدات والتحديات، التى يشهدها العالم، ربما تعيد الأضواء لهذا القطاع الحيوى، فى دولة تعد هى الرائدة فى هذا المجال، ليصبح أحد المعارك التى قررت الإدارة الأمريكية الجديدة أن تخوضها فى إطار رغبتها فى استرضاء المواطن، الذى تمثل أزماته الاقتصادية أولويته القصوى، خاصة فى المرحلة الحالية، التى يعانى فيه العالم من تداعيات اقتصادية كبيرة جراء تفشى فيروس كورونا، والذى دفع غالبية الحكومات حول العالم إلى العديد من إجراءات الإغلاق.
ولعل تفشى كورونا، جنبا إلى جنب مع ظاهرة التغيرات المناخية، بالإضافة إلى الحاجة إلى تحقيق معدلات أكبر من النمو الاقتصادى، فى ظل منافسه شرسة من قبل العديد من القوى الدولية الأخرى، وعلى رأسهم الصين وأوروبا، تدفع إدارة بايدن إلى التفكير جديا فى إعادة هيكلة البنية الأساسية فى الداخل الأمريكى، لتصبح البيئة الاقتصادية فى الولايات المتحدة أكثر جذبا سواء للاستثمار أو الصناعة، مع الالتزام بالمعايير البيئية التى سبق لواشنطن أن قطعتها على نفسها، عبر اتفاقية باريس المناخية، والتى انسحبت منها فى حقبة الرئيس السابق دونالد ترامب، بينما كان قرار العودة إليها فى صدارة القرارات التنفيذية التى وقعها جو بايدن بمجرد الجلوس فى مكتبه البيضاوى، بعد التنصيب فى 20 يناير الماضى.
وهنا تصبح الحاجة إلى بنية أساسية قوية، بمثابة أولوية قصوى لدى إدارة بايدن، لتصبح، جنبا إلى جنب، مع مبادرته "صنع فى أمريكا"، بمثابة خطوات مهمة على طريق "العودة" إلى الهيمنة الاقتصادية، عبر بوابة تشجيع الصناعة، والاستثمار، لتصبح المنتجات الأمريكية جديرة بالمنافسة، مع الواردات التى تفوقت من خلال جودتها، وإن كانت أقل من نظيرتها الأمريكية، فإن أسعارها الأرخص تبقى ميزة تنافسية كبيرة، تمنحها الأفضلية فى المنافسة، وهو الأمر الذى يتطلب تقديم العديد من المزايا للداخل حتى يتمكن من المنافسة فى المرحلة المقبلة.
قطاع المواصلات.. تطوير السكك الحديدية أولوية إدارة بايدن
فلو نظرنا إلى قطاع المواصلات فى الولايات المتحدة، نجد أن واشنطن تعتمد منذ عقود على نظام الطريق السريع بين الولايات، والذى تم بنائه فى القرن الماضى، إلا أن الحاجة ربما أصبحت ملحة لاستخدام السكك الحديدية، فى الانتقال السريع، وهو الأمر الذى يمثل أحد أولويات وزير النقل الأمريكى بيت بوتجيج، والذى كشف النقاب عن مشروع لبناء شبكة قطارات عالية السرعة، تصل تكلفتها إلى 205 مليار دولار، فى خطوة تمثل طفرة مهمة فى قطاع النقل الأمريكى، حيث يمكن استخدامها لنقل الأفراد، والبضائع، بتكلفة أقل، وهو ما يمنح المنتجات الأمريكية ميزة كبيرة، عبر الانتشار السريع، وبأسعار أرخص، تعود فى نهاية المطاف لصالح المواطن الأمريكي.
وزير النقل الأمريكى بيت بوتجيج
ويعد تطوير قطاع النقل وسيلة مهمة لاحتواء أزمة البطالة، خاصة وأن المشروعات المرتبطة به، من شأنها استيعاب ملايين الأيدى العاملة، لسنوات قادمة، وهو الأمر الذى من شأنه احتواء أزمة البطالة، والتى ربما تفاقمت بصورة غير مسبوقة فى الأشهر الماضية، جراء الإغلاق الذى شهدته العديد من الولايات لاحتواء أزمة كورونا.
ولا يقتصر الاهتمام بقطاع النقل على تطوير شبكة القطارات، وإنما يمتد إلى بناء الجسور، بالإضافة إلى تشجيع صناعة السيارات الكهربائية، ومحطات الشحن المرتبطة بها، بالإضافة إلى توسيع المساحات الخضراء، وهى المشروعات التى تصب فى نهاية المطاف فى مفهوم "التنمية المستدامة"، والتى تعتمد الاقتصاد غير الملوث للبيئة، بينما يعتمد تكلفة أقل، مما يساهم فى تحقيق أكبر قدر من المكاسب الاقتصادية، سواء على المستوى الكلى، أو فرديا على مستوى المواطنين.
مدن صديقة للبيئة.. أفاق جديدة للاستثمار بدون "انبعاثات"
من بين أولويات الإدارة، تحويل المدن فى الولايات الأمريكية إلى "مدن صديقة للبيئة"، وذلك من خلال تزويدها بشبكات طرق حديثة، بالإضافة إلى إعادة بناء طرق خاصة للمشاة، والدراجات، يمكن من خلالها تقليل الانبعاثات الكربونية، كما أنها ستعمل على تأسيس محطات كهربائية، لا تعتمد على الوقود الأحفورى، عبر زيادة استخدام المحطات العاملة بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح فى المرحلة المقبلة، فى إطار خطة من شأنها إنهاء الاعتماد على محطات الكهرباء التقليدية فى عام 2035، وذلك فى إطار المعركة ضد التغيرات المناخية.
وبالإضافة إلى استثمار المشروعات الجديدة فى توظيف الملايين من الأمريكيين، تبقى أحد الأبواب المهمة لتحقيق حلم الحفاظ على مكانة واشنطن على قمة النظام الدولى، فى المرحلة المقبلة، عبر وضع أمريكا فى مقدمة الصفوف الدولية فى المعركة ضد ظاهرة التغيرات المناخية، وذلك بعد قرار العودة لاتفاقية باريس، الذى كان فى صدارة القرارات التى وقعها بايدن بعد تنصيبه مباشرة، لاغيا قرار سلفه بالانسحاب منها.
الصناعة وحدها لا تكفى.. واشنطن تقتحم قطاع الزراعة
ولعل الاهتمام بالصناعة فى الولايات المتحدة، تجلى فى أبهى صوره، بالمبادرة التى أطلقها بايدن، والتى تحمل شعار "صنع فى أمريكا"، إلا أنها ربما لا تكفى، حيث تبقى الحاجة ملحة لتنمية قطاع الزراعة فى المرحلة المقبلة، بما يساهم فى تقليل حجم الواردات الغذائية من الخارج، بأكبر قدر ممكن، وهو الأمر الذى يمكن أن يتحقق عبر توسيع الرقعة الزراعية، وإعادة تأهيل الأراضى فى العديد من الولايات حتى يمكن أن تكون منطلقا لتطوير الزراعة الأمريكية.
فى هذا الإطار، تركز إدارة بايدن على سد أبار النفط والغاز المهجورة، وتأهيلها لتتحول إلى الزراعة، بالإضافة إلى استصلاح مناجم الفحم والصلب واليورانيوم، والتى لم تعد تعمل ى المرحلة الراهنة، تزامنا مع تطهيرها من المواد السامة التى من شأنها إعاقة المشروعات الزراعية التى تطمح الإدارة إلى تطويرها، والتى تساهم فى توفير ملايين الوظائف لملايين الأمريكيين.