كانت معركة مؤتة حدثا كبيرا فى التاريخ الإسلامى وفى الصراع بين منطقة الجزيرة ومنطقة الشاب، لكن ماذا عن الشهداء فى هذه المعركة، وما الذى يقوله التراث الإسلامى فى ذلك؟
يقول كتاب البداية والنهاية لـ الحافظ بن كثير فى "فصل فى من استشهد يوم مؤتة"
فمن المهاجرين: جعفر بن أبى طالب، ومولاهم زيد بن حارثة الكلبى، ومسعود بن الأسود بن حارثة بن نضلة العدوي، ووهب بن سعد بن أبى سرح، فهؤلاء أربعة نفر.
ومن الأنصار: عبد الله بن رواحة، وعباد بن قيس الخزرجيان، والحارث بن النعمان بن أساف بن نضلة النجاري، وسراقة بن عمرو بن عطية بن خنساء المازنى أربعة نفر، فمجموع من قتل من المسلمين يومئذ هؤلاء الثمانية على ما ذكره ابن إسحاق.
لكن قال ابن هشام: وممن استشهد يوم مؤتة فيما ذكره ابن شهاب الزهري: أبو كليب، وجابر ابنا عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول المازنيان، وهما شقيقان لأب وأم، وعمرو وعامر ابنا سعد بن الحارث بن عباد بن سعد بن عامر بن ثعلبة بن مالك بن أقصى، فهؤلاء أربعة من الأنصار أيضا.
فالمجموع على القولين اثنا عشر رجلا، وهذا عظيم جدا أن يتقاتل جيشان متعاديان فى الدين، أحدهما وهو الفئة التى تقاتل فى سبيل الله عدتها ثلاثة آلاف، وأخرى كافرة وعدتها مائتا ألف مقاتل، من الروم مائة ألف، ومن نصارى العرب مائة ألف، يتبارزون ويتصاولون، ثم مع هذا كله لا يقتل من المسلمين إلا اثنا عشر رجلا، وقد قتل من المشركين خلق كثير.
هذا خالد وحده يقول: لقد اندقت فى يدى يومئذ تسعة أسياف، وما صبرت فى يدى إلا صفحة يمانية، فماذا ترى قد قتل بهذه الأسياف كلها؟!
دع غيره من الأبطال والشجعان من حملة القرآن، وقد تحكموا فى عبدة الصلبان، عليهم لعائن الرحمن، فى ذلك الزمان وفى كل أوان.
وهذا مما يدخل فى قوله تعالى: "قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِى فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْى الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِى الْأَبْصَارِ " [آل عمران: 13] .
حديث فيه فضيلة عظيمة لأمراء هذه السرية وهم زيد بن حارثة، وجعفر بن أبى طالب، وعبد الله بن رواحة رضى الله عنهم.
قال الإمام العالم الحافظ أبو زرعة عبد الله بن عبد الكريم الرازى نضر الله وجهه فى كتابه (دلائل النبوة) - وهو كتاب جليل - حدثنا صفوان بن صالح الدمشقي، ثنا الوليد، ثنا ابن جابر، وحدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، ثنا الوليد وعمرو - يعنى ابن عبد الواحد - قالا:
ثنا ابن جابر، سمعت سليم بن عامر الخبائرى يقول: أخبرنى أبو أمامة الباهلي، سمعت رسول الله ﷺ يقول:
"بينا أنا نائم إذا أتانى رجلان فأخذا بضبعى فأتيا بى جبلا وعرا فقالا اصعد، فقلت لا أطيقه، فقالا: أنا سنسهله لك، قال فصعدت حتى إذا كنت فى سواء الجبل إذا أنا بأصوات شديدة فقلت ما هؤلاء الأصوات؟
فقالا: عواء أهل النار، ثم انطلقا بى فإذا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دما، فقلت: ما هؤلاء فقالا هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم، فقال: خابت اليهود والنصارى".
قال سليم: سمعه من رسول الله ﷺ أم من رأيه؟
"ثم انطلقا بى فإذا قوم أشد شيء انتفاخا وأنتن شيء ريحا كأن ريحهم المراحيض، قلت: من هؤلاء؟
قال: هؤلاء قتلى الكفار، ثم انطلقا بى فإذا بقوم أشد انتفاخا وأنتن شيء ريحا كأن ريحهم المراحيض، قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الزانون والزواني، ثم انطلقا بى فإذا بنساء ينهش ثديهن الحيات، فقلت: ما بال هؤلاء؟ قالا: هؤلاء اللاتى يمنعن أولادهن ألبانهن.
ثم انطلقا بى فإذا بغلمان يلعبون بين بحرين، قلت: من هؤلاء؟ قالا: هؤلاء ذرارى المؤمنين، ثم أشرفا بى شرفا فإذا بنفر ثلاثة يشربون من خمر لهم، فقلت: من هؤلاء؟ قالا: هذا جعفر بن أبى طالب، وزيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة.
ثم أشرفا بى شرفا آخر فإذا أنا بنفر ثلاثة، فقلت: من هؤلاء؟ قالا: هذا إبراهيم، وموسى، وعيسى عليهم السلام، وهم ينتظرونك".