تشتهر محافظات القناة بين محافظات الجمهورية بتراث السمسمية وتنال فى شهرة خاصة فى محافظة الإسماعيلية ولها فرق معتمدة وكذلك هناك مدربين لتعليم العزف على آلة السمسمية.
ولكن هناك سؤال يراود العديد ممن يستمعون إلى العزف على آلة السمسمية وهو من الذى يصنع هذه الآلة المشهورة على طول خط قناة السويس وفى محافظات القناة الثلاث السويس والإسماعيلية وبورسعيد وبحثنا فى محافظة الإسماعيلية عن صناع آلة السمسمية فلم نجد غير شخص وحيد هو الذى يصنع هذه الآلة التى تسعد الكثير من عشاق العزف على آلة السمسمية وهو محمد حسن وشهرته محمد ميدا وهو ذلك الاسم الذى يشتهر به بين أوساط عازفى السمسمية فى الإسماعيلية.
محمد ميدا صاحب الـ63 عاما من أقدم عازفى وصانعى السمسمية فى مدينة الإسماعيلية عشق هذه الآلة الساحرة التى توارث عشقها عن الآباء والأجداد مثل معظم مواطنى منطقة القناة، لكنه توج عشقه بتعلم صناعة هذه الآلة وإصلاح ما أفسدته أيدى العازفين، وخاصة أنه لا يوجد مصنع أو ورشة يقوم بتصنيع هذه الآلة، فكان هو المصنع البديل من خلال منزله بمنطقة المحطة الجديدة، ونال ميدا شهرة واسعة فى هذا المجال حتى أن عددا كبيرا من السياح العرب والأجانب كانوا يقصدون منزله إما لشراء الآلة أو للتعرف على مراحل صناعتها.
محمد ميدا قال لـ"اليوم السابع"، وهو داخل معرضه الصغير الذى أقامه حفاظا على تراث السمسية وجعله تراث يتوارثه الأجيال وخاصة أننا فى عصر الإلكترونيات.
وقال محمد ميدا إنه أقام معرضا لآلة السمسمية لتعليم الراغبين فنون العزف على آلة السمسمية وبيع وتصليح الآلة فى منطقة القناة بهدف الحفاظ عليها من الإندثار ومحاولة التوثيق والبقاء لفن منطقة القناة إضافة إلى حفظ كل ما يخص الآلة من كتب وآلات وأدوات وتعليم خصوصا وأن العديد من الأبحاث تجرى على الآلة وبالفعل بدأ المعرض يحقق أهدافه بطلب بعض الشباب ومنهم الفتيات تعلم عزف السمسمية.
ويؤكد محمد ميدا، أن حكاية عشقه للسمسمية بدأت عندما كان عمرى 12 عاما وكنا من ضمن المهجرين بمدينة الزقازيق، فشاهدت فرق السمسمية التى كانت تجوب محافظات التهجير تقيم حفلات فى هذه المحافظات لأبناء الإسماعيلية ومدن القناة، فبدأت فكرة الحصول على آلة والتى كنت أقوم بتصنيعها من خشب صناديق الصابون التى كانت الحكومة توزعها على المهاجرين، وبعد العودة إلى الإسماعيلية وفى عام 1976، حصلت على آلة لأول مرة فى حياتى من أحد أصدقائى بجنيه.
ويضيف محمد ميدا، أنه خلال السنوات الماضية وحتى الآن لا يوجد من يقوم بصناعة آلة السمسمية، كان الاعتماد على إصلاح الآلات القديمة، فقررت صناعة آلة جديدة بأشكال مختلفة، فبدأت بتطوير الآلة القديمة "وهى عبارة عن آلة مصنوعة من طبق صاج ملفوف بجلد ماعز وبها خمسة أوتار، التغيير كان من خلال القاعدة من الصاج إلى مثلث خشبى أو مربع أو سداسى وزيادة عدد الأوتار من 5 أوتار إلى 6 ثم 8 أوتار وحتى 14 وتر من السلك للحصول على جميع الألحان لكن الأساس هو السلم الخماسى.
ويوقل محمد ميدا إن آلة السمسمية صناعة مصرية تماما دخلت مدن القناة فى الأربعينات وتصنع من الخشب "البلطى أو الزان" أما الأوتار فهى أسلاك دقيقة متوفرة بالسوق وقديما كانت تصنع الأوتار من الشعر والوبر والقاعدة المثبت عليها السلك من الصاج المجلفن أو النحاس وهناك أشكال مختلفة مثلث ومربع ومستطيل وعلى هيئة سمكة ودائرية وكمثرية، وتحتاج الصناعة إلى مهارة خاصة.
ويشير ميدا إلى أن آلة السمسمية ظلت معشوقة أهالى مدن القناة، والتى كانت ومازالت تمثل حالة خاصة ومؤشرا حقيقيا لأفراح وأحزان أهالى القناة، منذ أربعينيات القرن الماضى وحتى الآن، شاهد على البطولات شرق قناة السويس، والانتصار العظيم فى السادس من أكتوبر، وأيضا هزيمة يونيو 67 والتهجير، كل هذا وآلة السمسمية حاضرة توثق كل شيء من خلال الأغانى الشعبية التى أنتجتها الفنان القديم على شاطئ قناة السويس، ومع مرور الزمن أصبح هناك خطرا على وجود هذا الفن الشعبى، وضياع التراث الشفاهى دون حفظ حتى الآن، لكن الآلة نفسها بدأت فى الانقراض، ولم يعد من يقوم بتصنيعها، ولم تهتم المؤسسات الثقافية بإنشاء مصنع أو ورشة كبيرة لتصنيع آلة السمسمية.
وأكد الفنان محمد ميدا بأنه آلة السمسمية كانت توجه الشعب، وذلك عن طريق الأغانى الوطنية التى كانت تشتهر بها محافظات القناة، وتمنى أن ترجع السمسمية إلى سابق عهدها وتذكر عندما كان يأتى الناس من مختلف محافظات مصر إلى الإسماعيلية لقضاء شم النسيم فى المحافظة، مضيفا أنهم كانوا يحضرون قبلها بيوم حتى يستمتعوا ليلا بالاستماع إلى آلة السمسمية ثم يتوجهون للبحر لقضاء شم النسيم.
وأشار محمد ميدا إلى أنه الآن لا يوجد التجمعات التى كنا نشاهدا فى الماضى وخاصة فى الأفراح للاستماع بعرض الضمة العرض الذى كان يسعد كل مشاهدين وأهالى منطقة القناة.
وأكد الفنان محمد ميدا بأنه ألتحق بالعديد من فرق السمسمية وسافر للعديد من الدول لعرض أغانى السمسمية وله العشرات من شرائط الكاسيت مع فرقته تحتوى على أغانى السمسمية التى اشتهرت بها محافظات القناة السويس والإسماعيلية وبورسعيد.
وطالب الفنان محمد ميدا بدعم وتمويل وتوثيق السمسمية من خلال فيلم وثائقى وتخليد الأغانى المتوارثة عبر الأجيال إضافة إلى تكريم وتقدير عازفى السمسمية خصوصا وإنها خير ممثل لمصر فى المحافل القومية والدولية، مشيرا إلى أنه يعزف السمسمية يوميا داخل المعرض لاستقطاب الشباب لتعريفهم بالفن وتراث محافظتهم.