وجه الرئيس عبد الفتاح السيسى كلمة لاجتماع القاهرة رفيع المستوى لرؤساء المحاكم الدستورية والمحاكم العليا والمجالس الدستورية الأفريقية.
وإلى نص الكلمة..
السادة القضاة الأجلاء،
أصحاب السعادة،
السيدات والسادة،
يسعدنى أن أتوجه بالتحية إليكم اليوم، بصفتكم خيرة العقول القانونية لقارة إفريقيا، فى الوقت الذى يجرى فيه الإعداد لاستقبالكم من جديد بالقاهرة قريبًا؛ وهو التقليد الذى أرسيناه على مدار السنوات الخمس الماضية لجمع شمل الهيئات القضائية العليا فى إفريقيا تحت مظلة واحدة فى القاهرة. ويأتى اجتماعكم اليوم فى ظل ظروف غير عادية عمت دول العالم. فإفريقيا، مثل باقى دول العالم، تواجه العديد من الصعوبات فى التعامل مع تداعيات جائحة كورونا.
وتتمثل أهم التحديات الناشئة عن جائحة كورونا فى التوجه المتسارع، وغير المسبوق، نحو التحول الرقمى فى مجتمعاتنا، وعملية إصلاح وإعادة تأهيل نظم الرعاية الصحية؛ وعملية التحول نحو الاقتصاد الأخضر، حيث يتطلب التعامل مع تلك المتغيرات تأملًا وتفكيرًا عميقًا، وذلك لتأمين توافر البنية التحتية الدستورية العصرية القادرة على التعامل مع التحديات الناجمة عنها، بما فيها تنظيم التعاملات والتفاعل الرقمى للأفراد والكيانات الخاصة، وهو ما يشمل ضبط الإطار القانونى المنظم للتعامل مع موضوعات عديدة، من أهمها الأمن المعلوماتى، والحوكمة القانونية لوسائل التواصل الاجتماعى ومحتواها الذى يؤثر بصورة كبيرة على الداخل والخارج، والأطر القانونية المنوط بها تنظيم عمل المنصات الإلكترونية، بالإضافة إلى الأطر القانونية المعنية بتنظيم التعامل مع قواعد البيانات الضخمة، والمعلومات الشخصية لمواطنينا.
ولقد قامت جمهورية مصر العربية فى السنوات القليلة الماضية باتخاذ خطوات فاعلة نحو توفير البنية التحتية اللازمة لتحقيق التحول الرقمى للخدمات الحكومية، وهو ما انعكس إيجابًا على جودة هذه الخدمات فى مجالات متعددة، وعلى سرعة تقديمها للمواطنين، وذلك فى إطار رؤية شاملة نحو تحقيق التحول الرقمى الكامل لمنظومة العمل والخدمات الحكومية، وتشجيع القطاع الخاص على ذلك التحول أيضًا، وهى الخطوات التى برزت أهميتها فى ظل انتشار جائحة كورونا.
على جانبٍ آخر؛ تُعد عملية تطوير وإعادة تأهيل نظم الرعاية الصحية أحد أهم تلك التحديات أيضًا، حيث يوجد العديد من المعضلات الأخلاقية والقانونية التى تفرض نفسها على تلك العملية فى مسائل عديدة، منها حق الحصول على الخدمات الصحية، بما فى ذلك الدواء والتطعيمات اللازمة، وعمليات التسعير والتوزيع، والقواعد القانونية المنظمة لعمليات إقرار ترخيص الأدوية واللقاحات، واختبارها، وإنتاجها، فى ظل ظروف طارئة قهرية تتفشى فيها الجائحة، وكل ذلك يحتم وجود قواعد دستورية وقانونية راسخة وواضحة تساهم فى عملية تنظيم القواعد والإجراءات المتبعة لمواجهة التحديات التى تفرضها تلك الظروف الاستثنائية.
ولقد كان لمصر رؤية جامعة ومنهجية نحو النهوض بمنظومة الرعاية الصحية، والارتقاء بجودة خدماتها التى تقدمها للكافة، بوصفها إحدى ركائز وأهداف التنمية المستدامة، فقد عملت أجهزة الدولة المعنية على تطويع سبل التحول الرقمى للخدمات الطبية والعلاجية، للارتقاء بمستوياتها وفقًا لأعلى المعايير الدولية، وذلك من خلال تطوير المنظومة التكنولوجية والمؤسسية لمنشآت الرعاية الصحية، والاستعانة بها فى تنفيذ المشروعات القومية الصحية، والتى يأتى على قمتها مشروع التأمين الصحى الشامل، والذى يهدف إلى توفير الخدمات الصحية لكافة أفراد الأسرة المصرية.
كما تمثل عملية التحول نحو الاقتصاد الأخضر تحديًا كبيرًا أيضًا لدول القارة الإفريقية، والتى سيكون عليها مواجهة هذا التحول الذى سينعكس عاجلًا على النظام التجارى الدولى بصورة من شأنها التأثير سلبًا على تلك الدول التى لا تتخذ إجراءات عملية لتحقيق هذا التحول، وما يترتب على ذلك من آثار قانونية.
السيدات والسادة،
إن دساتير بلادنا هى وثائق قانونية حية ترشد وتوجه جميع الجهود التشريعية والقانونية، والأنشطة الاقتصادية والسياسية، فى التعامل مع مختلف التحديات السالفة الذكر. كما أنها يجب أن تخضع دومًا للمراجعة والتحديث، لتقدم أفضل توجيه وإرشاد ممكن لشعوبنا ومجتمعاتنا، من خلال تعاملها مع عالم تتطور ملامحه فى ظل بيئة اقتصادية واجتماعية وسياسية وقانونية سريعة التغير.
وعليه؛ فإننى أدعوكم اليوم، كخيرة العقول القانونية الإفريقية، إلى التباحث حول تلك التحديات عند تشريفكم مصر خلال شهر يونيو القادم، وإلى التشاور مع الخبراء الدوليين، وكافة الجهات الدولية المعنية ذات الاختصاص الفنى فى تلك الموضوعات، والعمل بصورة جماعية نحو وضع قواعد دستورية إفريقية مشتركة للتعامل مع تلك التحديات، بما يدعم رؤيتنا المشتركة نحو بناء مستقبل موحد، ومتناغم، وزاهر لإفريقيا.
كما أدعوكم فى هذا السياق أيضًا إلى الاستفادة من المنصة الرقمية القضائية الأفريقية، والتى تم إطلاقها فى القاهرة، وفقًا لما اتفقتم عليه فى اجتماعاتكم السابقة، فى التواصل، والتباحث، حول تلك الموضوعات المهمة بما يأتى بالنفع والخير على إفريقيا، ومستقبل شعوبها.
وأود أن أعرب فى نهاية حديثى عن تمنياتى بنجاح اجتماعكم التحضيرى اليوم، وتطلعى لرؤيتكم جميعًا عند تشريفكم مصر لحضور اجتماعكم الخامس رفيع المستوى قريبًا أن شاء الله.
أشكركم على حسن الاستماع...
تحيا مصر، وتحيا إفريقيا...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.