أمانى الشرقاوى تكتب عن محمد تيمور: "ما تراه العيون" كتابة رائدة فى زمن مبكر

الأربعاء، 24 فبراير 2021 09:00 م
أمانى الشرقاوى تكتب عن محمد تيمور: "ما تراه العيون" كتابة رائدة فى زمن مبكر محمد تيمور

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ننشر مقالة للكاتبة الروائية أمانى الشرقاوى عن الكاتب المصرى الكبير "محمد تيمور" الذى عاش فى الفترة بين عامى 1892- 1921 بعنوان "ما تراه العيون" كتابة رائدة فى زمن مبكر، وذلك بمناسبة 100 عام على رحيله.
 

صباح ناصع الجبين يجلى عن القلب الحزين ظلمته ونسيم عليل ينعش الأفئدة

هكذا كانت افتتاحية قصة (فى القطار)، أولى قصص مجموعة (ما تراه العيون) للأديب محمد تيمور الصادرة عام 1917 فى طبعتها الأولى، أى منذ ما يزيد عن مائة عام، ويعتبره الباحثون والمؤرخون "الأب الشرعى" لميلاد القصة القصيرة فى مصر، وربما الوطن العربى، وقد تعددت مواهب الشاب محمد تيمور الأدبية والفنية، فكتب القصة القصيرة، والشعر، والمسرح، ولولا أن وافته المنية فى التاسعة والعشرين من العمر، لكان له فى الأدب شأن مختلف.

ما تراه العيون
 
وقد صرح الكاتب عن تأثره البالغ بالأدب العالمى، ورصد ذلك فى صدر قصته "ربى لمن خلقت هذا النعيم"، إذ يقول: (هذه القصة لموبسان، الكاتب الفرنسى الشهير، بدّل المعرّب أشخاصها وزمانها ومكانها وموضوعها، ممصرا كل شيء فيها، فلم يبق من الأصل إلا روح الكاتب، واتبع المعرّب فى ذلك خطة تولستوى فى قصصه التى نقلها عن موبسان).
 
تحتوى مجموعة (ما تراه العيون) القصصية، على ثمانى عشرة قصة، جاءت من القطع المتوسط، وفى مائة وخمسين صفحة.، وهى مقسمة الى قسمين: القسم الأول ينطوى على الجانب القصصى، وتغلب عليه سمات سردية كانت جديدة على الحياة الأدبية آنذاك، أما القسم الثانى، فتغلب عليه سمة الخواطر، والتى تعبّر عن مفارقات الحياة المختلفة فى شكل قصة، يذيلها بنصيحة أو حكمة، كما فى الأفلام المصرية القديمة حينما كان يعلق محمد الطوخى قائلا: (وكانت هذه نهاية الظالم).
 
(ما تراه العيون)، عنوان كاشف بوضوح عن المحتوى القصصى الذى تنطوى عليه المجموعة، وتعبّر حرفيا عن ما تراه العيون_بشكل حقيقى_ ونتغافل أو نغض الطرف فى مجتمعنا، هكذا جاءت النصوص كاشفة ومباشرة لعطب فادح يصيب المجتمع.
 
لقد دأب الكاتب على طرح موضوعات متنوعة وبلغة جادة للغاية، ورصينة، وكذلك مباشرة جدا، باعتبارها جديدة، وخاصة فى القسم الذى جاءت فيه الخواطر.
 
محمد تيمور (2)
 
ويبدو أن الاهتمام بالفن التشكيلى كان فى أوج تجلياته، فقد صاحبت كل قصة رسمة توضيحية للشخص - بطل كل قصة -، والذى يصفه الكاتب فى القصة، فعلى سبيل المثال القصة الرئيسية والأولى "فى القطار"، والتى يطرح الكاتب فيها ستة نماذج بشرية، نماذج مختلفة تماما، وتصل إلى حد التناقض، وقد تم رسم خمس صور لكل فرد منهم، وقد كان مصورا دقيقاً جداً فى وصف هذه الشخصيات، ومعبرا عن كافة توجهاتها الشعورية، كأن يقول - مثلا -: (..دخل شيخ من المعممين، أسمر اللون، طويل القامة، نحيف القوام، كث اللحية، له عينان أقفل أجفانهما الكسل فكأنه لم يستيقظ من نومه).
 
وهكذا يفعل مع كل شخصيات القصة، والتى اجتمع فيها الراوى مع الأفندي، والشيخ، والطالب، والشركسى والعمدة، ويستطرد عن شخصية أخرى قائلا: (مكث الشركسى قليلا، يقرأ الجريدة، ثم طواها، وألقى بها على الأرض، وهو يحرق الأرم غيظا، يريدون تعميم التعليم ومحاربة الأمية حتى يرتقى الفلاح الى مصاف أسياده، وقد جهلوا أنهم يجنون جناية كبرى).
 
ويتابع الشركسى عندما اعترض عليه الراوى قائلا: (السوط، إن السوط لايكلف الحكومة شيئا أما التعليم فيتطلب أموالاً).
 
هكذا كان طرحه المستفز لموضوع التعليم، واختلاف الرؤية من شخص الى آخر، ومن وجهة نظر إلى أخرى، حيث انضم العمدة للشركسى مؤيدا، بينما الشيخ المعمم ظل سارحا فى ملكوته، والأفندى كان نائما، أما الطالب فكان يبدو عليه الاشمئزاز، ولم يستطع فرض رأيه بأى طريقة.
 
وكأن القطار يرمز إلى الحياة بكافة اختلافاتها، فهم نماذج انسانية طبيعية، ومعرّضة للاختلاف وطرح التعليم واختلاف الرأى عن أهميته بالنسبة لكل شخص، مع الاعتبار أن تفاوت الأعمار بين الجانبين كان عاملاً مهماً فى التشبث بالرأى أو تقبله، هكذا راح الكاتب يصف الموجودين باسترسال، بين ثابت ومتطور، ككبار السن المتشبثين بآراءهم، وحينما أفاق الشيخ من ملكوته، وسأله أحدهم لكى يدلى برأيه، قال: (لا تعلموا أولاد السفلة العلم).
 
أمانى الشرقاوى
 
وتعد قصة "فى القطار" هى أكثر قصص المجموعة حيوية وتطوراً، وذلك لعدم مباشرتها واعتماده على الحوار الذكى، بين مجموعة متنوعة من البشر، فجاءت حية، وقد جاءت قصص المجموعة متخففة من استعمال أدوات الترقيم، فلم أجد فاصلة واحدة فى القصص، إنما نقطة بعد عبارات طويلة. 
 
وقد جاءت باقى المجموعة تعبيرا عن الأسر الثرية، وكيف كان يضيّع ابنها الأكبر ميراثه الوفير على ملذاته وأصدقائه كما فى لاحظنا ذلك فى قصة (بيت الكرم)، حيث يتعرّف رجل من الموسرين، على سيدة، ويدرك بعد حين أنها زوجة زميله الذى يثق ثقة بولغ فيها فى استقامة زوجته، ويحدث عبر تطور القصة، أن زوجة الزميل، هى صاحبته الموثوق فى استقامتها، إنه مجتمع يتشدق بالأكاذيب.
 
أما القسم الذى يحتوى على الخواطر العشر، اعتمدت على المفارقات الانسانية الحادة، والفنية، وهذه تقنية كانت جديدة فى ذلك الوقت، كما أن تلك الخاطرة السردية، راحت تبرز المقارنات اليومية بين شاب يدعّى الأخلاق الحميدة، والعجوز الذى يعمل حتى يفارق الحياة، أو الطبيب الذى يعلق لافتة على باب بيته، وكتب فيها: ( للفقراء مجاناً)، بينما فى حقيقته لا يغيث الفقير الذى تموت ابنته، وكانت من أجمل المفارقات، ساقها الكاتب فى الخاطرة التى تحمل عنوان: (رمضان فى قهوة ماتاتيا)، حيث أنشأ حوارا بين شخية تجلس فى القهوة، وجعلها تحادث حديقة الأزبكية القريبة من المكان: ( أنت شاسعة الأرجاء كثيرة الأشجار طويلة الطرق وأنا صغيرة وحقيرة وان شئت غير نظيفة، ولكننى أضم تحت لوائى عددا من الناس لم يطأ أرضك أربعه أو خمسه فأنا أكبر مكانة وأرفع مقاماً)، ثم يحكى عن رواد المقهى وازدحامها فى الأيام العادية، مقابل أربع صور لأشخاص فى رمضان يجلسون فى نفس المقهى.
 
ويبدو أن أديبنا الرائد محمد تيمور وجد أن إهمال العلم هو أحد أسباب التخلف، لذا حرص على أن يكتب أربع قصص معنية بذلك الأمر، فكتب عن التعليم وأهميته، بداية من قصة (فى القطار)، ثم (سر تأخر المصريين) – العنوان دال - حيث قدّم أسرة تقرأ يوميا "صحيح البخارى" كل ليلة فى رمضان، عندما سأل جاره بضعة أسئلة عن الفائدة التى يخرجون بها من تلك القراءة، أجابه الشيخ إجابات مقتضبة، على كل الأسئلة المطروحة، ومختصرة فى جملة: "على بركة الله"، كذلك (درس فى الكُتّاب)، فقد زار الكتّاب الذى تعلم فيها حفظ القرآن، وكيف يتم تعذيب طفل صغير على يد العرّيف، (هنا وهناك )، ونلاحظ مقارنة بسيطة بين ما يتعلمه الأطفال فى فرنسا وما نتعلمه نحن فى مصر.
 
ورغم أن المجموعة جاءت بسيطة التركيب، لكنها تعدّ رائدة فى مجال القصة القصيرة، والتى لم تكن معروفة فى الأدب المصرى قبل ذلك بهذا الشكل الحديث، والذى تعرّف عليه تيمور أثناء وجوده لتلقى العلم فى باريس، إلى جانب استيعابه لبعض فنون أخرى مثل المسرح والشعر وكتابة المقال.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة