نواصل إلقاء الضوء على فتح مكة فى السنة الثامنة للهجرة، ما الذى جرى قبل الفتح، وكيف استعد المسلمون لذلك، وما الذى يقوله التراث الإسلامى فى أهم حدث إسلامى غير كل شىء؟
يتابع كتاب "البداية والنهاية" لـ الحافظ ابن كثير:
قال ابن إسحاق: وكان السبب الذى هاجهم أن رجلا من بنى الحضرمى اسمه مالك بن عباد، من حلفاء الأسود بن رزن خرج تاجرا، فلما توسط أرض خزاعة عدوا عليه فقتلوه، وأخذوا ماله، فعدت بنو بكر على رجل من بنى خزاعة فقتلوه، فعدت خزاعة قبيل الإسلام على بنى الأسود بن رزن الدئلى، وهم مفخر بنى كنانة وأشرافهم، سلمى وكلثوم وذؤيب فقتلوهم بعرفة عند أنصاب الحرم.
وقال ابن إسحاق: وحدثنى رجل من الدئل قال: كان بنو الأسود بن رزن يودون فى الجاهلية ديتين ديتين، ونودى دية دية، لفضلهم فينا.
وقال ابن إسحاق: فبينا بنو بكر وخزاعة على ذلك، إذ حجز بينهم الإسلام، فلما كان يوم الحديبية ودخل بنو بكر فى عقد قريش، ودخلت خزاعة فى عقد رسول الله ﷺ، وكانت الهدنة، اغتنمها بنو الدئل من بنى بكر وأرادوا أن يصيبوا من خزاعة ثأرا من أولئك النفر.
فخرج نوفل بن معاوية الدئلى فى قومه وهو يومئذ سيدهم وقائدهم، وليس كل بنى بكر تابعه، فبيت خزاعة وهم على الوتير ماء لهم، فأصابوا رجلا منهم وتحاوزوا واقتتلوا، ورفدت قريش بنى بكر بالسلاح، وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفيا حتى حاوزوا خزاعة إلى الحرم.
فلما انتهوا إليه قالت بنو بكر: أنا قد دخلنا الحرم، إلهك إلهك، فقال: كلمة عظيمة لا إله اليوم يا بنى بكر أصيبوا ثأركم، فلعمرى أنكم لتسرقون فى الحرم أفلا تصيبون ثأركم؟ ولجأت خزاعة إلى دار بديل بن ورقاء بمكة، وإلى دار مولى لهم يقال له رافع، وقد قال الأخزر بن لعط الدئلى فى ذلك:
ألا هل أتى قصوى الأحابيش أننا * رددنا بنى كعب بأفوق ناصل
حبسناهم فى دارة العبد رافع * وعند بديل محبسا غير طائل
بدار الذليل الأخذ الضيم بعد ما * شفينا النفوس منهم بالمناصل
حبسناهم حتى إذا طال يومهم * نفخنا لهم من كل شعب بوابل
نذبحهم ذبح التيوس كأننا * أسود نبارى فيهم بالقواصل
هم ظلمونا واعتدوا فى مسيرهم * وكانوا لدى الأنصاب أول قاتل
كأنهم بالجزع إذ يطردونهم * قفا ثور حفان النعام الجوافل
قال: فأجابه بديل بن عبد مناة بن سلمة بن عمرو بن الأجب وكان يقال له بديل بن أم أصرم فقال:
تعاقد قوم يفخرون ولم ندع * لهم سيدا يندوهم غير نافل
أمن خيفة القوم الأولى تزدريهم * تجيز الوتير خائفا غير آيل
وفى كل يوم نحن نحبوا حبائنا * لعقل ولا يحبى لنا فى المعاقل
ونحن صبحنا بالتلاعة داركم * بأسيافنا يسبقن لوم العواذل
ونحن منعنا بين بيض وعتود * إلى خيف رضوى من مجر القبائل
ويوم الغميم قد تكفت ساعيا * عبيس فجعناه بجلد حلاحل
أإن أجمرت فى بيتها أم بعضكم * بجعموسها تنزون إن لم نقاتل
كذبتم وبيت الله ما إن قتلتموا * ولكن تركنا أمركم فى بلابل
قال ابن إسحاق: فحدثنى عبد الله بن أبى سلمة أن رسول الله ﷺ قال: "كأنكم بأبى سفيان قد جاءكم يشد فى العقد ويزيد فى المدة".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة