ينطلق كتاب "حواضن داعش فى أوروبا" الذى صدر عن مركز المسبار، من فكرة رصد الحركات والجماعات الإسلامية المستقرة فى الدول الغربية، وتحديداً تلك التى ترفض التفاعل والانخراط فى الحضارة الغربية وتؤمن بضرورة أسلمة الغرب ورفع لواء الإسلام فى عواصمه ومدنه كافة، وفى الوقت نفسه لا تمارس العنف.
وعلى الرغم من كون الكتاب صدر فى سنة 2014 وأن داعش "ترنح" لكنه لا يزال صالحا للقراءة، فهو كتاب يقع فى سياق الجدل العالمى حول التعامل مع الحركات والجماعات الإسلامية المتطرفة ولكن غير العنيفة. وهو ثانياً يدرس المناخ الفكرى والدينى الذى يلجأ إليه الإسلاميون السياسيون الهاربون من الدول العربية، وهو أيضاً كتاب يتناول الحركات والجماعات التى تُلهم المتطرفين الذين يقررون السفر إلى الدول العربية للجهاد، وهو رابعاً كتاب يتناول الحركات الدينية الغربية التى صارت تصدّر التطرف إلى العالمين العربى والإسلامى بعدما كانت تستورده منهما.
تواجه الدول الغربية معضلة فى التعامل مع الجماعات والحركات المتطرفة التى لا تمارس العنف، فمن جهة يرى بعض صنّاع القرار – وخصوصاً من يعملون فى القطاعات الأمنية – أنَّ العنف الإسلامى هو قمة جبل الجليد فحسب، وأنّه يستمد جذوره من الحركات والجماعات غير المتطرفة، أى – وفق رأيهم – لولا التطرف الإسلامى الرافض للحضارة الغربية لما وجد الإرهاب الإسلامى أو على الأقل لكان حضوره أقل بكثير مما هو الآن، ومن جهة أخرى فإن القوانين والأنظمة الغربية لا تستطيع فرض كثير من القيود على من يحملون أفكاراً متطرفة ما دام أنهم لا يمارسون العنف ولا يحرضون عليه ولا يدعون إلى الكراهية. هذا الجدل الغربى يؤثر فينا بشكل مباشر بسبب تأثير الإرهاب الآتى من الغرب إلينا. ولفهم ذلك الجدل بشكل أعمق فإنه من المفيد البدء بقراءة أبرز الحركات والجماعات التى يدور حولها الجدل. وهذا ما يوفره الكتاب.
للكتاب أهميّة ثانية فى ضوء جهود بعض الدول العربية فى مكافحة الإرهاب؛ خصوصاً المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية. إن جهود هذه الدول قد خنقت إلى حد كبير أنشطة الإسلام السياسى والإرهاب الدينى فى بلادها. ولكن الكثير من أتباع الإسلام السياسى هرب والتجأ إلى دول غربية. ومن الطبيعى أن يتأثر أولئك ويؤثروا أيضاً فى المناخ الإسلامى الحركى فى الدول التى لجؤوا إليها. وتالياً فإن الدراسات تقدم لنا خريطة مهمة عن واقع الإسلام السياسى فى الدول الغربية التى ستكون الحاضن للهاربين من الدول العربية.
هناك زاوية ثالثة للكتاب؛ وهو أنه يقدم لنا رؤية عن الجماعات التى تُلهم الذين يأتون للقتال فى الدول العربية. لقد تحولت مسألة المقاتلين الأجانب فى سوريا والعراق وليبيا من قضية ثانوية إلى قضية أساسية بسبب الأعداد الكبيرة من المقاتلين الغربيين فى صفوف داعش وجبهة النصرة وغيرهما من الحركات الإرهابية. وبعض الغربيين الإسلاميين صار يوفر لتلك الحركات الدعم التقنى خصوصاً فى وسائل التواصل الاجتماعي. إنّ فهمنا للمقاتلين الأجانب لدينا سيتعمق كثيراً بفهم الجماعات المتطرفة فى مسقط رأسهم الغربي.
تنطلق زاوية الكتاب الرابعة من التحوّل الذى حصل فى تصدير الفكر المتطرف والإرهابي. لقد كانت الدول العربية والإسلامية تصدّر التطرف إلى الغرب، ولكن اليوم تغير هذا وصار الغرب – متمثلاً بالإسلام السياسى والمتطرف – هو الذى يصدر لنا الإرهاب والتطرف. ونحن بأمسّ الحاجة لفهم منابع الإرهاب والتطرف القادمين من الغرب بحيث يمكننا مواجهتهما: قانونياً بالتوجه إلى الدول الغربية والضغط عليها لإيجاد تشريعات تمنع نمو مثل هذه الحركات والجماعات – حتى لو لم تمارس العنف؛ وثقافياً بالتوجه إلى المجتمعات المسلمة الغربية وتشجيع نمو الأفكار المعتدلة المناهضة لأشكال التطرف والإقصاء كافة والداعية إلى التعايش مع الإنسانية.