انتشر نبأ قيام سلطات الاحتلال الإنجليزى العسكرى باعتقال سعد زغلول، ومعه أعضاء الوفد المصرى، يوم 8 مارس 1919، فبدأت الثورة يوم 9 مارس، وتواصلت يوم 10 مارس، مثل هذا اليوم، 1919، وهو اليوم الذى شهد صعود أول شهداء الثورة.
شمل قرار الاعتقال، سعد زغلول باشا رئيس الوفد المصرى، ومحمد محمود باشا، وحمد الباسل باشا، وإسماعيل صدقى باشا، وساقتهم السلطات العسكرية إلى ثكنة قصر النيل ومنها إلى بورسعيد حيث أبحروا إلى مالطة، حسبما يذكر عبدالرحمن فهمى، قائد التنظيم السرى للثورة، فى الجزء الأول من مذكراته «يوميات مصر السياسية»، مضيفا: «ابتدأت الثورة بمظاهرات سلمية قام بها الطلبة، فساروا بنظام وسكينة تتقدمهم أعلامهم، ويهتفون بحياة مصر والوفد المصرى بسقوط الحماية الإنجليزية، فهاجمهم رجال البوليس وألقوا القبض على أكثر من ثلاثمائة طالب منهم».
يذكر «فهمى»: «فى صباح اليوم التالى 10 مارس 1919 كان جميع طلبة المدارس والمعاهد قد أضربوا عن عملهم، وألفوا من أنفسهم مظاهرة كبيرة، وانضم لهم الأهالى، فساروا فى روعة ومهابة، مخترقين شوارع القاهرة وميادينها، مارين بدور المعتمدين السياسيين»، يضيف «فهمى»، «أنه كان من المتعذر ألا يحصل فى هذا اليوم ما يوجب الأسف، فقد تعدى البعض على واجهات عدد من المحال التجارية ملك الأوربيين، فلما رأى الطلبة أن هذا العمل يشوه جلال مظاهراتهم بادروا فى اليوم التالى بإذاعة منشور فى الجرائد العربية والأجنبية يأسفون فيه على ما وقع، ويعدون بمنع وقوع مثل هذا التخريب، وفى نفس اليوم أيضا أضرب عمال الترام وقدم موظفو الحقانية احتجاجا على اعتقال الزعماء إلى عظمة السلطان».
كان الشيخ عبدالوهاب النجار، من المشاركين فى فعاليات الثورة، ويسجل يوميات مشاركاته ومشاهداته فى كتابه «الأيام الحمراء»، حيث يقول: «اجتمعت كلمة طلبة الأزهر الشريف على أن يقوموا بمظاهرة سلمية يعلنون بها حنينهم نحو حرية بلادهم واستقلال أمتهم، فنظموا أنفسهم لهذا الأمر، واستعدوا له، وجمعوا غايتهم أن يسيروا إلى الوزارات ودواوين الحكومة لإخراج العمال منها احتجاجا على ما يأتيه الإنجليز من العنف بالبلاد وأهلها، وإظهار شعورهم المشترك بالنسبة للحرية والاستقلال».
يضيف «النجار»: «فى ذلك الوقت انتهز الفرصة أهل الدعارة والغوغاء وأبناء الدروب وأحلاس الأزقة وحثالة الناس، واندسوا فى غمار المجموع، ووجهوا همتهم إلى تحطيم زجاج الحوانيت، وسرقة ما تصل إليه أياديهم من البضائع، فحطموا زجاج محل بلانشى بالموسكى ومحل 150 ألف ساعة، وابتزوا ما وصل إلى أياديهم من البضائع فى المحلين، وحطموا كذلك محل الدلمار، والأجزاخانة الإنجليزية، ومخزن أدوية آخر فى السيدة زينب، ولم يكتفوا بذلك فحطموا زجاج مصابيح الشوارع فى كثير من الجهات بالقاهرة، كما حطموا كثيرا من عربات الترام فتعطلت عن المسير».
يذكر «النجار»، أنه بعد الظهر مر راجلا من العتبة الخضراء إلى السيدة زينب فى عدة شوارع، فرأى مصابيح الشوارع مكسرة هى وزجاج قليل من الحوانيت، ويضيف: «علمت أنه قامت مظاهرة اشترك فيها طلبة الأزهر وطلبة المدارس، وانضم إليهم بعض اليهود الذين تزيوا بزى المشايخ، وكذلك بعض البوليس السرى، وأغروا الرعاع الذين يتبعون المظاهرة بتحطيم زجاج بعض المحال التجارية بالموسكى وقليل من غيره، ولما مر المتظاهرون فى شارع الدواوين حضر الجنود الإنجليز لخفارة الدواوين، وأطلقوا على المتظاهرين طلقات نارية أصابت بعضهم، فكان فى هذا اليوم أول القتلى والجرحى».
يحقق عبدالرحمن الرافعى، فى مسألة سقوط أول قتيل وجريح فى الثورة، يذكر فى كتابه «ثورة 1919»: «كان فى هذا اليوم 10 مارس، أول القتلى والجرحى، ذلك أنه حينما مر المتظاهرون بشارع الدواوين، حضرت شرذمة من الجنود البريطانيين لحراسة دواوين الحكومة، فأطلق الجند بعض طلقات نارية على المتظاهرين أصابت بعضهم، وقد اختلف الرواة فى هل حدثت إصابات قاتلة فى هذا اليوم، أو فى اليوم الذى يليه، فذهب بعضهم إلى أنه لم يحصل قتل يوم الاثنين، وأن ابتداء القتلى والجرحى كان فى يوم الثلاثاء 11 مارس، وأكد بعضهم أن أول القتلى والجرحى كان فى يوم الاثنين 10 منه»، يؤكد «الرافعى»: «تحققنا من صحة هذه الرواية بالرجوع إلى دفاتر وفيات أقسام العاصمة فى شهر مارس سنة 1919، فرأينا فى دفتر قسم السيدة زينب، قيد وفاة مصرى مجهول، ولعله رمز إلى الشهيد المجهول أو المصرى المجهول، وغلام مجهول يوم 10 مارس بمستشفى قصر العينى، وأنهما أصيبا فى حادثة مظاهرة، فتحقق لنا من هذا القيد إن حوادث القتل فى المظاهرات السلمية بدأت يوم الاثنين 10 مارس 1919».