سأل الرئيس جمال عبدالناصر، الدكتور عبدالعزيز كامل، عن صحته وأسرته الصغيرة، فى لقائهما الأول يوم 19 مارس، مثل هذا اليوم، 1968.
كانت المناسبة، تشكيل حكومة جديدة برئاسة عبدالناصر، واختيار «كامل» وزيرا للأوقاف، وشهدت هذه الحكومة 14 من الوزراء الجدد، وفقا لجريدة الأهرام يوم 20 مارس 1968، هم: «محمد أبونصير، الدكتور السيد محمود جاب الله، المهندس على زين العابدين، الدكتور محمد حلمى مراد، الدكتور عبدالعزيز حجازى، المهندس إبراهيم زكى قناوى، السيد محمد عبدالله مرزيان، الدكتور حسن مصطفى، الدكتور أحمد مصطفى، الدكتور محمد بكر أحمد، الدكتور محمد حافظ غانم، الدكتور محمد صفى الدين أبوالعز، محمود ضياء الدين داود، الدكتور عبدالعزيز كامل».
كان «كامل» من قيادات الإخوان، وقريبا من مرشدها حسن البنا فى أربعينيات القرن الماضى، وشاهدا على دموية تنظيمها السرى بتفجيرات واغتيالات، أشهرها المستشار أحمد الخازندار، ورئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى، واعتقل مع قيادات للجماعة عام 1954، ثم استقال منها، تذكر سناء البيسى فى مقالها «الناجون من جحيم السمع والطاعة - الأهرام - 20 يوليو 2013»: «انبثق بداخله بعد طول تفكير أن ينهج نهجا جديدا فى العمل الدعوى يخدم الإسلام بعيدا عن الاصطدام مع السلطة، وفى 1957 حصل على الدكتوراه مع مرتبة الشرف من جامعة القاهرة».
المؤكد أن هذه الخلفية التاريخية كانت حاضرة لدى عبدالناصر عن «كامل» الذى كتب فى نوفمبر 1970 بمجلة «الهلال» مقالا بعنوان «الإسلام عند عبدالناصر»، يكشف فيه قصة هذا اللقاء الأول له مع الرئيس، وكان بعد هزيمة 5 يونيو 1967 بأكثر من تسعة شهور، قدم «كامل» خلالها كتابه عن موقعة «أحد» التى انهزم المسلمون فيها أمام المشركين، وحضر الكتاب فى مناقشتهما.
يتذكر «كامل»، أنه بعد أن سأله الرئيس عن صحته وأسرته الصغيرة بصوته الهادئ الدافئ، بادره بقوله: «لقد قرأت كتابك الأخير، دروس فى غزوة أحد»، يعلق «كامل»: «فوجئت بذلك، فصدور الكتاب كان قبل اللقاء بأيام، والمهام التى عليه ثقيلة مضنية ووقته عزيز»، يضيف: «تابع الرئيس قوله: قرأت الكتاب كله، ولكن أود أن أقول لك شيئا، من اليسير أن تكتب ومن العسير أن تطبق ذلك على الناس، معاناة الناس شىء غير الكتابة، وأنت عشت فى الجامعة بين زملائك وتلاميذك تحبهم ويحبونك، ولكن قضايا الجماهير تحتاج إلى صبر طويل، وتلتقى فيها بمشكلات لا تتوقعها من أفراد لا تنتظر منهم المشكلات، والفارق كبير بين ما يعلم الإنسان وما يعمل به مما يعلمه».
يتذكر «كامل»: «تابع الرئيس قوله: وهذه تجربة أود أن تقوم بها فى الحياة التنفيذية، ولكن أود أن أقول لك أمرين: الأول أنك قد تجد السوء ممن تنتظر منه التعاون والخير، فلا تجعل ذلك يصرفك عن هدفك، والثانى أدعو لك، فأقول أعانك الله، نحن بحاجة إلى عمل طويل فى جميع الميادين، وشعبنا طيب مؤمن، شعب وفى مخلص فاربط نفسك دائما بالقاعدة ولا تجعل حياة الكتب عازلا بينك وبين الناس».
يضيف «كامل»: «الرئيس الذى حرك هذا المد الإسلامى فى طهارته ونقائه وفى سماحته وفيض محبته، كان يعيش الإسلام فى نفسه، فى زهده وتواضعه، فى إعادة الدين إلى بساطته، وإلى تطبيقه فى حياته اليومية على نفسه وعلى الناس، كان متخففا فى طعامه وفى شرابه، وبينه وأهله محافظا على عبادته، وذكر لى - رحمه الله - أنه فى زيارة للاتحاد السوفيتى اقترب موعد صلاة الجمعة، وكان فى مباحثات مع القادة السوفيت، والمسؤولون مجتمعون فى المسجد ينتظرون قدومه، فطلب إيقاف المباحثات وذهب يؤدى الصلاة مع إخوانه».
كان الإسلام عنده إسعاد الناس، ولهذا ترجم الاشتراكية إلى منع استغلال الإنسان للإنسان، كان أمله أن يتعلم كل شاب، وتتزوج كل فتاة، وأن تكون الأسرة الصغيرة هانئة، وحبب إليه فى العام الأخير زيارة بيوت الله، أكون جالسا فى المكتب يوم الخميس، فإذا بالصديق الأستاذ سامى شرف، سكرتيره يخبرنى بأن الرئيس سيصلى الجمعة غدا فى السيدة زينب، وفى الأسبوع التالى أدى صلاة الجمعة فى نفس المسجد، وزار الأزهر مرات والإمام الحسين مرات، وكان يوصى بتوسعة هذه المساجد والعناية بفرشها وتهويتها، وما زلت أذكر وقوفه يوما أمام ضريح السيدة زينب، جاء على غير موعد إلا الشوق الذى دعاه لزيارة بيت الله، وقف أمام الضريح فى خشوع وهدوء ونظرة عميقة من عينيه إلى المقام، كان يذكر كربلاء، كربلاء جديدة تراق فيها دماء بريئة يضطر إلى الوقوف فيها ليحول دون إراقة الدم الطاهر، وأسأل الصديق اللواء سعد الشريف، ياور الرئيس: ماذا كانت مناسبة زيارة الرئيس للسيدة زينب؟ فرد: إنها رغبته الخاصة، هو الذى اختار المسجد وموعد الزيارة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة