نلقى الضوء على كتاب "لا تخافوا ولا تحزنوا" للدكتورة هبة ياسين، والذى ينتمى إلى كتب علم النفس الباحثة عن دوافع تساعد الإنسان فى حياته من خلال الطرق العلمية والجوانب الدينية.
يقول الكتاب تحت عنوان "كيف يرتاح البال؟"
لسنوات عديدة مضت كان شغلى الشاغل هو كيف يصل الإنسان إلى الراحة والسعادة؟ كيف يطمئن قلبه ويرتاح باله؟ كيف ينجو بنفسه من كل الضغوط والأمراض النفسية التى أصبحت تحيط بنا من جميع الاتجاهات، لهذا درست علم النفس، وحاولت أن أجمع منه كل ما يساعدنى ويساعد كل إنسان فى الوصول إلى غايتنا المنشودة، وهى الراحة والسعادة والاطمئنان.
لا تخافوا ولا تحزنوا
ثم درست علوم التنمية الذاتية، أو التنمية البشرية كما هو مشهور عنها، وبحثت وراء كل وسيلة وكل سبيل لذلك أيضًا، لكنى وبعد كل ذلك وجدت أنه فعلًا وحقًّا وصِدقًا لا يمكن لأى من هذه العلوم أن يُؤتِى ثماره بغير أن يكون هناك أولًا وقبل أى شىء (علم الإنسان بربِّه وخالقه)، فجميعنا يعرف الآية الكريمة: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّه تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (سور الرعد الآية 28)، ولكننا كنا نعتقد أن الذكر المقصود فى الآية هو مجرد ذِكر الله باللسان فقط، أو حتى باللسان مع حضور القلب، وكنا نتعجب لماذا لا نطمئن ولا تهدأ قلوبنا بالرغم من أننا نذكره سبحانه وتعالى، تسبيحًا وتحميدًا وتهليلًا وتكبيرًا كما تقول الآية؟.. فجاءت الإجابة بعد أن فهمنا أن الذِّكر المقصود هنا هو عِلم العبد بربه، ومعرفته الحقيقية بمن يعبد، وإلى مَن يسجد، ولماذا إليه يتقرب؟.. هذا هو الذِّكر الذى يولد الطمأنينة، والسَّكِينة، بل والفرحة أيضًا، هذا هو العلم الذى به تطمئن القلوب بلا أى منازع، لهذا وقع اختيارى على (أسماء الله الحسنى) فى هذا الكتاب كوسيلة لعلاج كل ما اعترى قلوبنا من أمراض وآلام وهموم.
ولهذا أيضًا أنا أؤكد وأجزم أنه لا يمكن الفصل بين راحة الإنسان، وتنميته، وتحسين قلبه وجسده، وبين دينه، وتعلُّمه عن ربه، ومعرفته به، فكُل طرق السعادة، وسبل الراحة، ووسائل التقدم ستكون غير مكتملة دائمًا إذا نقصها العلم بالله، ولا سيما العلم عنه بأسمائه وصفاته.
لماذا يجب أن أتعلم عن الله بأسمائه وصفاته؟ .
لأن فساد القلب، وشتات العقل، ومرض النفس لا يأتون إلا من (الجهل، والغفلة، واتباع الهوى)، فالعلم عن الله حياة القلب، ونور العقل، ودواء النفس بكل معانى الكلمة، فمَن لا يعرفون الله هم أشقى الناس قلوبًا، ومَن يعرفونه هم أشفاهم وأهدأهم وأصفاهم قلوبًا وعقولًا ونفوسًا.. فكيف للإنسان أن يعيش راضيًا، هادئًا، مرتاحًا، مطمئنًا، بدون أن يعرف عن ربِّه ما يجعله يطمئن إليه، ويثق به، ودون أن يعرف أن له ركنًا شديدًا يأوى إليه، ويعتصم به عند الشدائد والكروب؟.. ولا شيء يجعل الإنسان يعى ويعرف كل هذا أكثر من أن يتعلم عن هذا الرب، ويفهم ويعرف ما معنى أسمائه الحسنى بالذات، لهذا كان الإيمان بالله هو الركن الأول من أركان الإيمان الستة - وهى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره- وكيف سيأتى هذا الإيمان بالله بدون عِلمٍ ومعرفة حقيقيين عنه سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته؟
لترتفع الدرجات، وتتضاعف الأجور، ويزداد القُرب منه سبحانه وتعالى، فلنستمع إلى قول الرسول عليه الصلاة والسلام عن سيدنا أبو بكر الصديق: (ما سبقكم.. ما سبقكم أبو بكر بكثير صلاةٍ ولا صيام ولكنَّ بشيء وقر فى قلبه)، أى إن ما جعل أبو بكر على ما هو عليه من مكانةٍ عند الله ورسوله ليس عمله، وإنما ما كان فى قلبه من إيمان بالله، ويقين به، حُسن ظنٍّ فيه، وتوكل عليه، وحُب له.. وكيف سيأتى أى من هذا دون أن يكون قد عرف ربه حق المعرفة، وعلم عنه حق العلم؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة