يوم السبت 3 أبريل، يشهد العالم أجمع، نقل المومياوات الملكية من المتحف المصري بالتحرير إلى المتحف القومي للحضارة المصرية بمنطقة الفسطاط، في موكب مهيب يليق بعظمة مصر وتاريخها وحضارتها، وتستعد كافة أجهزة الدولة المشاركة في تنظيم هذا الحدث الفريد لإخراجه في أفضل صوره.
ذهبنا إلى الدكتور أحمد غنيم، الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف القومي للحضارة المصرية، حيث تستقر المومياوات الملكية داخل قاعة مخصصة لها بالمتحف، وأطلعنا على الاستعدادات النهائية التي تتم قبل افتتاح القاعة المركزية بالمتحف وموكب المومياوات الملكية، وإلى نص الحوار..
ما المتميز والمختلف الذي سنجده في المتحف القومي للحضارة المصرية؟
فكرة المتحف القومي للحضارة هي حكي الحضارة المصرية بمختلف وجوهها، بما يتعلق بالتراث المادي أي الملموس، والتراث غير المادي الذي يعتمد على أسلوب حياة، فكر، أو رؤية صور بتقنية عالية تشرح الكثير من الأمور. وهو المتحف الوحيد في مصر الذي يعرض مثل هذه الأمور، فقد اعتدنا على المتاحف المتخصصة في مجال معين مثل متحف الغزل والنسيج، أو متحف متخصص في حقبة معينة، مثل المتحف الإسلامي، أو القبطي، أو الفرعوني وخلافه، أما المتحف القومي للحضارة مختلف، فأسلوبه في إعطاء الفكر الأثري مرتبط بالتاريخ وبالثقافة، عندما يأت الزائر، يتعلم تطور الحياة في مختلف العصور، ويعلم كيف كان يعيش الانسان المصري، كيف كان يستخدم الخبز؟ كيف كان متقدم في الطب؟ كيف كان الفن في العصور المختلفة، فالمتحف يعطي جرعة مختلفة عن بقية المتاحف.
الدكتور أحمد غنيم
إذن هل سيجد الزائر في المتحف أنشطة أخرى ترفيهية وثقافية بالإضافة إلى البعد الأثري؟
أننا لا نعتبر المتحف القومي للحضارة مجرد متحف، بل نعتبره منارة ثقافية حضارية، فمن الناحية العلمية، يحتوي على معامل على أعلى مستوى، يوجد بها أجهزة لا توجد سوى في المتاحف الكبرى مثل اللوفر في فرنسا وأبو ظبي، وكذلك لدى المتحف بعدا ترفيهيا، فلدينا بازارات ستعرض منتجات مصرية أصيلة من مختلف محافظات مصر، وثقافات متعددة موجودة في هذه المحافظات، كما لدينا بعد ثقافي يتمثل في وجود سينما ومسارح، فيوجد المسرح الروماني الذي توجد في قلبه مصبغة أثرية، كما لدينا مسرح آخر، وهذه المسارح ستخدم على البعد الثقافي والأثري الذي نحاول أن نروّج له، وبالتالي عندما تأت الأسرة المصرية أو الأجنبية لزيارة المتحف، لن تكون مجرد زيارة، ولكن سيكون يوم ممتع يتخلله ترفيه وتناول وجبات غداء وعشاء، خاصة أننا نطل على البحيرة، وسيكون بها وسائل ترفيهية عديدة.
وما الذي تم إنجازه في المتحف، وسيكون جاهزا للافتتاح والعرض يوم 3 أبريل؟
يضم المتحف العديد من القاعات، الذي سيتم افتتاحه يوم 3 أبريل هما قاعة المومياوات، والقاعة المركزية، وهناك أشياء أخرى سيتم افتتاحها تباعا، فالكلفة المالية عالية، لكن الأعمال الأساسية تم الانتهاء منها، والتوسع لن يتم بنسبة 100%، فسيتوقف على إمكانية التوسع والظروف المادية، لدينا إمكانية التوسع، ولكن هل تم اتخاذ قرار بالتوسع؟ هذا متروك للمستقبل، فنحن تحوّلنا إلى هيئة اقتصادية، والبعد الاقتصادي عامل مهم في اتخاذ أي قرار، فلا نريد التوسع ويكون العائد الاقتصادي غير مجدي، فيجب أن نحافظ على الجودة والمستوى الثقافي والبعد الأثري، كما نحاول في نفس الوقت، ليس شرطا أن نحقق ربح، ولكن أيضا أن نقلل الخسارة.
الدكتور أحمد غنيم والزميل الصحفي محمد أسعد
وما عدد القطع الأثرية التي تضمها القاعة المركزية؟
سيرى الزائر ما يقرب من 2000 قطعة أثرية، تحكي تاريخ مصر من عصور ما قبل التاريخ، فنحن نعود بالزمن إلى 35 ألف سنة قبل التاريخ، مرورا بالعصور الفرعونية والأسرات المختلفة، والعصر البطلمي والعصر الإغريقي والروماني والعصر القبطي والإسلامي، انتهاءً بالعصر الحديث، الزائر سيرى قطع من أجمل القطع الأثرية الموجودة، جميعها تحكي قصص مختلفة، فكل فاترينة وراءها قصة مختلفة، كما سيرى شرح في بعض الفاترينات لما هو هذا الشيء، وكيفية استخدامه وما هو القصة التي تكمن وراؤه، سواء فيما يتعلق بالطب، بالموسيقى، بالفن، بالحياة اليومية، بتطور بعض الأدوات وكيف يتم استخدامها، فكل ذلك سيراه في قاعة من أجمل القاعات الموجودة في المنطقة العربية وأفريقيا.
هل سيوجد قطع أثرية سيتم عرضها لأول مرة، ومن أين جاءت هذه القطع، هل تم مكتشفة حديثا، أم تم الحصول عليها من متاحف أخرى؟
القطع الأثرية خليط من كل ذلك، فهناك قطع أثرية ستعرض لأول مرة، وهناك قطع كانت معروضة في بعض المتاحف الأخرى، أو كانت موجودة في مخازن المتاحف الأخرى، وتم الحصول عليها من أجل استكمال القصة، فالجديد في المتحف هو إننا نرى القصة، وليس القطعة فقط، فنحن نرى ما وراء هذه القطعة، وهذا هو المفهوم الأساسي وراء هذا المتحف.
الدكتور أحمد غنيم
لماذا تم اعتبار المتحف القومي للحضارة المصرية "هيئة اقتصادية"، وما الفكرة من وراء ذلك؟
جميع المتاحف في مصر تتبع المجلس الأعلى للآثار، ما عدا متحفين فقط وهما المتحف القومي للحضارة المصرية، والمتحف المصري الكبير، فهذان هما الهيئتان الاقتصاديتان الوحيدتان، والتفكير في تحويلهما لهيئات اقتصادية جاء بسبب كبر حجمهما، وارتفاع تكلفتهما الإنشائية وارتفاع المصاريف التشغيلية، بالإضافة إلى إمكانيتهما على الحصول على دخل منهما، فعندما تقوم بتحويلهما لهيئات اقتصادية، تعطيهما القدرة على الانفراد في منطقة خاصة بهما، ويكون هناك حافز لأن يكونوا مختلفين، لأن البعد الاقتصادي دخل في الحسبان، هل سيحققان أرباح أم لا؟ ليس بالضرورة، وليس مطلوبا أن نحقق أرباح دائما، فأنا أقلل الخسارة لأنني يجب أن أهتم بالجودة والبعد الثقافي والهوية، وأحافظ عليها، فهذا من الناحية الاقتصادية قد يكون غير مجدي، فالهدف من تحويلهما لهيئات اقتصادية هو تحقيق التوازن بين الأمر الاقتصادي والحفاظ على الهوية والشكل العام وخلافه.
متى بدأت فكرة إنشاء المتحف، وحجم الإنجاز الذي تم خلال السنوات الماضية؟
الفكر في إنشاء المتحف تعود إلى ثمانينات القرن الماضي، عندما وجدت مسابقة عالمية، وفاز بها المعماري المصري الدكتور غزالي كسيبة، وبدء بناء هذا الصرح في عام 2002، وامتد العمل لكبر حجم المشروع وارتفاع تكاليفه المالية، ثم توقف خلال الثورة، وبعد عام 2014 بدأت الحياة تدب مرة أخرى، وتم استكمال أغلبية المنشآت، فجميع المنشآت مستكملة، وما يتبقى هو بعض الرتوش الداخلية في بعض الأماكن التي سيتم افتتاحها تباعا.
الدكتور أحمد غنيم
هل سيساهم التطوير الذي حدث حول المتحف، سواء كان من خلال بحيرة عين الصيرة، أو الطرق والكباري حوله، في الترويج له؟
الفكرة الأساسية هي أننا لا نبيع مكان، ولكن نبيع منطقة بأكملها، فنحن نقوم بالترويج لمتنزه ومنفذ جديد بمفهوم جديد للأسرة المصرية والزائر الأجنبي، فنحن لسنا متحف فقط، ولكن نحن منارة ثقافية وحضارية، عندما تأت إلى هنا، ستقضي اليوم بالكامل، وستحصل على جرعة ثقافية، بالإضافة إلى وجود وسائل ترفيه متعددة، تناسب فئات الشعب المصري المختلفة، سواء على المستوى الاجتماعي أو الثقافي، فجزء من هذا الفكر، هو أن المكان مجهّز لاستقبال العائلات المصرية والزائر الأجنبي، وهذا ما يحققه المتحف من خلال التطوير الموجود بداخله، أو التطوير الذي يحدث حوله سواء كان في الطرق والكباري المؤدية له، أو من خلال تطوير البحيرة.
دعنا نتحدث عن الحدث الذي ينتظره الجميع، ما هي تفاصيل موكب المومياوات الملكية؟
سيتم نقل 22 مومياء من المتحف المصري بالتحرير لتصل إلى هنا حيث مقر المتحف القومي للحضارة، في احتفالية خاصة جدا، سيشارك فيها عدد كبير من الهيئات والوزارات، منها وزارتيّ الدفاع والداخلية، سواء كان من خلال وجود الخيل، أو الأفراد، أو الموتوسيكلات، كما سيتم إطلاق الأعيرة النارية احتفالا بهؤلاء الملوك والملكات، وسيجوب هذا الموكب شوارع مصر من المتحف المصري بالتحرير إلى متحف الحضارة، وسيكون هناك كرنفال ورقصات، بالإضافة لمشاركة فنانين مصريين في هذا الاحتفال، وسيكون في استقبالهم أعلى تمثيل من الشخصيات الهامة على مستوى مصر والعالم، كما سيكون هناك أوركسترا وأشياء أخرى كثيرة، ستكون مفاجأة للشعب المصري، فهي احتفالية كبيرة وعظيمة تليق بمهابة الشخصيات، مع الحفاظ على قدسية الموت والمومياوات، وإجراءات النقل لهم مؤمنة تماما، سواء بالنسبة للتعقيم، أو فيما يتعلق بالحماية من حركة السيارات، فالمومياوات موضوعين في كبسولات نيتروجينية، وسيتم استقبالهم في المتحف وإتمام الإسعافات اللازمة، وضمان خلوهم من البكتيريا والحشرات، ثم سينقلوا إلى مثواهم الأخير، وهم قاعة المومياوات.
سيتم عرض اليوم بأكمله على شاشات التليفزيون، فمن يرى مشاهدة الموكب بأكمله لن يستطيع من خلال الوقوف في الشارع، وأفضل وسيلة لرؤيته هي شاشات التليفزيون، فاستحالة شخص سيستطيع رؤية الموكب بالكامل في الشارع، كما أنه لا توجد تجمعات بسبب فيروس كورونا، والموكب سيتم نقله على جميع الشاشات المصرية.
الدكتور أحمد غنيم
وما هي الاستعدادات النهائية التي تتم داخل المتحف، ومتي سيكون جاهزًا لاستقبال الزوار؟
الاستعدادات تتم داخل المتحف لنكون في شرف استقبال ملوك وملكات مصر، سواء بالنسبة إلى مراكز الترميم، أو وسائل التعقيم بالأجهزة المختلفة، أو فيما يتعلق باللمسات الأخيرة للعرض المتحفي بالقاعة المركزية التي سيتم افتتاحها يوم 3 أبريل، وستكون متاحة للجمهور يوم 4 أبريل، بالإضافة إلى ذلك، نحاول أن نروّج ونحتفل مع الشعب المصري، فمنحنا تخفيض 50% على قيمة التذكرة من يوم 4 أبريل إلى يوم 17 أبريل، أما قاعة المومياوات ستكون متاحة بداية من يوم 18 أبريل.
وما أسعار تذاكر زيارة المتحف؟
سعر التذكرة للمصريين والعرب 60 جنيها، أما سعر التذكرة للطلبة فيبلغ 30 جنيه فقط، وسعر التذكرة للزائر غير المصري، "الأجانب" 200 جنيه، وللطلاب غير المصريين "الأجانب" 100 جنيه، وهذا قبل التخفيض 50%، فهذه الأسعار ستنخفض إلى النصف بعد تخفيض سعر التذكرة في أول أسبوعين.
الدكتور أحمد غنيم
برأيك.. كيف سيساهم موكب المومياوات الملكية في الترويج للمتحف القومي للحضارة المصرية؟
موكب المومياوات الملكية لن يروّج لمتحف الحضارة فقط، فهو سيساهم للترويج لمصر والسياحة في مصر، والمتحف هو جزء من مصر، فهذا الموكب كفيل بأن يجعل المتحف بمثابة أيقونة للسياحة الثقافية المصرية، فإذا كنت سأصرف مليون دولار على حملة ترويجية للمتحف، لن أحصل على ترويج كما سأحصل عليه من خلال هذا الموكب.
ما رسالتك للمصريين والأجانب لدعوتهم لزيارة المتحف القومي للحضارة؟
أشعر بالفخر، وأرى أن المصريين جميعا سيشعرون بالفخر عندما يرون هذا الصرح العظيم الموجود على أرض مصرية، ليس لمجرد أنه متحف، بل لأن كل تفصيله فيه تعكس عظمة المصريين، عظمة المصريين القدامى والأحقاب المختلفة تظهر في المعروضات، ولكن عظمة المصريين في الوقت الحالي، تظهر في الإنشاءات والأخذ في الاعتبار كل تفصيله، وتظهر في أسلوب العرض، وتكملة العرض بالأدوات والأساليب سواء التقنية أو المعملية التي تجعل المتعة لدى الزائر المصري والأجنبي مختلفة عن أي مكان قام بزيارته من قبل.
الدكتور أحمد غنيم والزميل الصحفي محمد أسعد
الدكتور أحمد غنيم