كشفت دراسة للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، إنه تتعدد وتتنوع المداخل المختلفة لمعالجة الظاهرة الإرهابية، إذ سعت معظم الدول إلى اتباع سياسات من شأنها تقويض نشاط التنظيمات الإرهابية، وتبرز خصوصية السياسة المصرية لمكافحة الظاهرة الإرهابية، حيث انطلقت من مقاربة شاملة متعددة المحاور تشمل الجوانب الأمنية، والاقتصادية، والاجتماعية، والقانونية، والتعليمية، والتنموية.
وتابعت الدراسة أنه على الرغم من تنوع إطار المقاربة المصرية لمكافحة الإرهاب، إلا أنها أولت اهتمامًا كبيرًا للقضاء على مسببات الإرهاب عبر تدشين نسق للتنمية الشاملة. إذ تنوعت المشاريع القومية التى أطلقتها الدولة المصرية مستهدفة تطوير قطاعات متعددة، وفى ضوء تلك المشروعات تبرز أهمية مشروع “حياة كريمة” الذى وافقت منظمة الأمم المتحدة على إدراجه ضمن سجل منصة “الشراكات من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة” التابع لها. وبالتالى يمكن القول إنه مشروع قومى تنموى غير مسبوق لا يهدف إلى تحسين حياة المواطنين فقط، بل تنصرف نتائجه إلى اتخاذ خطوات استباقية لمكافحة الظاهرة الإرهابية.
ولفتت الدراسة أنه مع بداية عام ٢٠١٩ أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسى مبادرة “حياة كريمة”، والتى تحولت إلى مشروع قومى عملاق لتنمية الريف المصرى فى يناير ٢٠٢١. ويهدف المشروع إلى التدخل العاجل لتوفير “حياة كريمة” للفئات الأكثر احتياجًا على مستوى الجمهورية، عبر تقديم حزمة متكاملة من الأنشطة الخدمية والتنموية والتى تشمل جوانب مختلفة اجتماعية، واقتصادية، وتعليمية، وصحية.
وأوضحت:" جاء هذا المشروع القومى لتوحيد جهود مؤسسات الدولة والمجتمع المدنى، من أجل تحقيق تنمية شاملة مكتملة الإركان والملامح عبر تركيزه على تحسين مستوى خدمات البنية الأساسية، والعمل على تحقيق التنمية الاقتصادية وتوفير فرص عمل، وتقديم الرعاية الصحية، وإطلاق حملات توعية ثقافية ورياضية، بجانب برامج للتأهيل النفسى والاجتماعي. ومن ثم يتحقق الهدف الرئيس للمشروع وهو الارتقاء بالمستوى الاقتصادى والاجتماعى والبيئى للأسر فى القرى الفقيرة.
وأكدت الدراسة أن مشروع حياة كريمة قسم إلى ثلاث مراحل؛ الأولى تشمل القرى ذات نسب الفقر من 70% فيما أكثر، والثانية تشمل القرى ذات نسب الفقر من 50% إلى 70%، والثالثة تضم القرى ذات نسب الفقر أقل من 50%. وبدأت المرحلة الأولى فى يوليو 2019، بهدف تحقيق حياة كريمة فى (375) تجمعًا ريفيًا على مستوى (14) محافظة، وتقرر تقسيمها إلى جزأين: تم الانتهاء من (143) تجمعًا ريفيًا بتكلفة (4) مليارات جنية فى نهاية 2020، وجارٍ استكمال (232) تجمعًا ريفيًا من المقرر الانتهاء منها نهاية العام الجارى 2021، وذلك بإجمالى مستفيدين (4.5) مليون مواطن، وتم إطلاق المرحلة الثانية فى 28 ديسمبر 2020 لتضم (1376) قرية فى (51) مركزًا فى (20) محافظة بإجمالى مستفيدين (18) مليون مواطن.
وبينت الدراسة أنه قامت فلسفة المشروع على شمولية التدخل متعدد الأبعاد متكامل الملامح بهدف الاستثمار فى الإنسان المصرى، فهو المستفيد من التنمية، وهو المحرك لها فى أن واحد. وبالتالى تنعكس مخرجات هذا المشروع على مكافحة الظاهرة الإرهابية سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فى ضوء ما تقدم من معطيات، يمكن القول أن مشروع “حياة كريمة” يقدم نموذجًا لمكافحة الإرهاب.
وأوضحت الدراسة أن المشروع ساهم فى تجفيف منابع التجنيد على خلفية التهميش الاقتصادى، إذ أن العوامل الاقتصادية تلعب دورًا مباشرًا فى انخراط الأفراد فى التنظيمات الإرهابية، حيث تستغل الأخيرة الاحتياجات المادية والمالية للأفراد. ومن ثم يكمن الهدف الرئيس للمشروع فى تحقيق التنمية الاقتصادية للمجتمعات المستهدفة لتوفير فرص عمل للمواطنين، وبالتالى الحيلولة دون تجنيدهم.
وأكدت الدراسة أنه يعد المشروع حلقة اتصال استباقية فعالة بين الدولة والمجتمعات المحلية، إذ يهدف إلى القضاء على أى ثغرات تستطيع أن تنفذ منها التنظيمات الإرهابية إلى المجتمع المصرى، وذلك فى ضوء احتمالية استغلال الأخيرة تراجع الخدمات المقدمة فى بعض المناطق، عبر نشر خطاب احتقانى من ناحية، أو عبر تقديم نفسها كبديل للدولة بتوفيرها تلك الخدمات من ناحية أخرى. ومن ثَمَّ، أدركت الدولة المصرية استراتيجية التنظيمات الإرهابية القائمة على فقه “استغلال الأزمات” واتخذت الأولى خطوات استباقية ليس فقط من شأنها علاج نتائج الأزمات بل امتدت إلى علاج أسبابها، كما يعمل المشروع يعمل على وقاية وتحصين الفئات المستهدفة من الأفكار المتطرفة عبر مسارين؛ الأول، الاهتمام بالتعليم عبر بناء ورفع كفاءة المدارس وتجهيزها وتوفير الكوادر التعليمية ومحو الأمية. والثانى، إطلاق حملات توعية ثقافية ورياضية، بجانب برامج لتأهيل نفسى واجتماعي. وبالتالى تساهم تلك الخطوات فى رفع مستوى الوعى والإدراك لدى الأفراد وتحول دون تطرفهم الفكري.
وأشارت إلى أنه يتميز المشروع بكونه بوتقة تجمع وتوحد جميع الجهود بالاشتراك مع العديد من الوزارات والهيئات المعنية بالتنفيذ فى المراكز والقرى بجانب عدد من الجمعيات الأهلية وشباب البرنامج الرئاسى ومئات الشباب المتطوعين؛ وذلك بهدف إحداث التحسن النوعى فى معيشة المواطنين المستهدفين ومجتمعاتهم على حد سواء. ومن ثم ينعكس ذلك الطرح على تعزيز وتوسيع مفهوم المشاركة الشاملة بين مكونات المجتمع ككل، وبالتالى توفير إحساس قوى بالانتماء والولاء للوطن. الأمر الذى من شانه دحض الأطروحات الفكرية للتنظيمات الإرهابية التى تستهدف خلق حالة من الانفصال الشعورى عن المجتمع فى ضوء مفهوم “العزلة الشعورية” المؤسس للفكر الإرهابى المتطرف، والذى يقسم المجتمع إلى ثنائية نحن (وتشير إلى اعضاء التنظيمات الإرهابية) وهم (وتشير إلى باقى أفراد المجتمع).
واختتمت الدراسة أنه أثبتت المقاربة المصرية لمكافحة الإرهاب أن الرؤية الأكثر موضوعية للظاهرة تأتى من تعدد أطر ومحاور المعالجة عبر تحقيق تنمية شاملة، إذ أن التنمية هى حائط الصد الأول لدحض تحركات التنظيمات الإرهابية سواء التى تهدف إلى التجنيد أو التخريب. وبعبارة أخرى، يمكن القول إن التنمية هى السلاح الأمثل لمكافحة الإرهاب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة