أوضح فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، أن معنى قوله تعالى: " لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا" أنكم ستشهدون يوم القيامة على الناس بأعمالهم التي انحرفوا بها عن نهج الصراط المستقيم، ونلفت الأنظار -في هذا المقام- إلى أن صفة الشهادة والإشهاد يوم القيامة ليست خاصة بالمسلمين وحدهم، بل هي عامة تشملهم وتشمل آخرين من غيرهم، حتى من أعضاء الإنسان وهي تشهد على صاحبها بما قدم من أعمال في حياته الدنيا، وهذا ما تعطيه آيات القرآن الكريم "وجيء بالنبيين والشهداء"، "ويوم نبعث من كل أمة شهيدا".
وأشار شيخ الأزهرخلال الحلقة الثالثة ببرمانجه الرمضاني "الإمام الطيب"، إلى أن الفرق بين شهادة الأمة الإسلامية وشهادة غيرها من الأمم هو أن شهادة الأمة عامة، تشمل جميع الأمم، وهو مصداق قوله تعالى "لتكونوا شهداء على الناس"، وذلك في مقابل بعث شهيد واحد ليشهد على أمة بعينها، وهذه ميزة لا يمكن تجاهلها أو التهوين من قدرها، أما شهادة الرسول صلى الله عليه و سلم على أمته؛ فهي شهادته عليها بأعمالها يوم القيامة، ولذلك نظير في قوله تعالى حكاية عن رسول الله عيسى عليه السلام"وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد".
واستكمل فضيلة الإمام الأكبر حديثه عن خواص الأمة الإسلامية أن من ضمن هذه الخواص خاصة أخيرة لهذه الأمة؛ هي أنها «خير أمة أخرجت للناس»؛ بسبب ما تدعو إليه من الفضائل والأخلاق والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وما تتحلى به من الإيمان بالله تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون"، مؤكدا أن إلى أن هذه الأية تشير إلى أمرين:
الأول: أن وصف هذه الأمة بأنها خير الأمم هو تكريم إلهي لا حدود لشرفه وعزته ومنعته، وهو منزلة عليا، يجب على الأمة أن تعض بنواجذها قدر ما تستطيع، في كل زمان ومكان، وأن تعي جيدا أن الآية الكريمة واضحة في أن خيرية هذه الأمة على غيرها مشروطة بالتزامها بممارسة الأمر بالمعروف وتطبيقه، والنهي عن المنكر واجتنابه، والإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر؛ وأوضح فضيلته أن الوصف بالخيرية هو نتيجة مهمة معينة، وثمرة دور محدد، وليس هو مكرمة قومية، ولا عنصرية ولا عرقية، مشددا على أن الأديان الإلهية والرسالات السماوية كلها مطبقة على أن الناس سواسية كأسنان المشط، وأن الشعوب لا تتفاضل فيما بينها إلا بمعيار واحد وحيد؛ هو: عمل الخير لصالح الإنسان والإنسانية، ثم هم -بعد ذلك- متساوون في المنزلة والقدر، «يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر، إلا بالتقوى».
مؤكدا أن هذا هو الفرق ما بين تكريم الأمة الإسلامية، وبين دعاوى التكريم الأخرى لبعض من الأمم أو الشعوب التي لا تزال تؤمن بأن الله اختارها من بين سائر الشعوب، لا من أجل نفع الإنسانية وخيرها، ولا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن من أجل عنصر هذا الشعب وفصيلة دمه، وانتقاء الله إياه من بين سائر الشعوب.. إلى غير ذلك من هذه الأوهام التي أصابت أصحابها بفقدان حاسة الشعور بالآخرين، والشلل التام عن القيام بما يجب عليهم من المسؤولية الخلقية، وإملاءات الواجب، ونداءات الضمير، وشجعها على التمادي في الظلم والطغيان، وأغراها بالعدوان على الآخر باسم الدين والرسالات الإلهية.
وأوضح شيخ الأزهر أن الأمر الثاني الذي تشير إليه الآية الكريمة "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون" هو أنها صريحة وقاطعة في أن خيرية أمة المسلمين على باقي الأمم مشروطة بما تقدم من بذل الطاقة للتصدي للشر، والدفاع عن الخير، فيما بين أبنائها ورعاياها أولا، ثم حيثما كانت وأينما وجدت، وأنها إن تخلت عن هذا الدور العالمي؛ فإنها لا محالة ستسقط كما سقط ويسقط غيرها من الأمم، والدول والشعوب التي تتنكر لوعد الله وتلقي به وراء ظهورها، مشددا فضيلته على أن ما نلمسه اليوم من ضعف هنا أو تهاون هناك حيال دعوات الإلحاد والانحراف عن صراط الله المستقيم، والتي يهب سمومها على المسلمين من وراء البحار، من الغرب والشرق؛ لهو جرس إنذار لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ويذاع برنامج «الإمام الطيب» للعام الخامس عبر قنوات مصرية وعربية، وقد أطلق البرنامج في رمضان 2016م وتناول في عامه الأول قضايا عامة مثل المرأة، والشباب، والإلحاد، والإرهاب، وفي 2017م تناول قضايا أبرزها الإرهاب والتطرف، والأسرة، والتراث والتجديد، والدعوة إلى الله، وفي عامه الثالث 2018م ناقش قضايا دينية وفكرية وفلسفية مثل العقيدة والإيمان ووجودية الله وأسمائه وصفاته، ومقومات وأركان الإسلام، أما في عامه الرابع 2020م فتناول عددا من القضايا المستجدة مثل «كورونا» وما استجد معه من قضايا فقهية معاصرة، ومجموعة من القيم مثل بر الوالدين الحياء والعدل والرحمة والتواضع والمروءة والعفة والحياء.
وفي عامه الخامس 2021م يشرح البرنامج خصائص الدين الإسلامي، ووسطية الإسلام ومظاهرها، وقواعد التكليفات الشرعية، ويسر الشريعة، ومصادر التشريع، والرد على الشبهات حول السنة النبوية والتراث.