قالت وفاء عبد السلام، الواعظة بالأوقاف، إن خلق الرحمة والتراحم خلق عظيم وجليل من أخلاق هذا الدين، وهو من أخلاق الأنبياء والمرسلين، وسمة من سمات عباد الله الصالحين، ويكفى الرحمة شرفا وقدرا أنها صفة من صفات الله (عز وجل)، قال تعالى : (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، فهو رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، وقد وصف الله تعالى نفسه بالرحمة فى كثير من الآيات القرآنية، فقال سبحانه وتعالى : {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}، وقال (عز وجل) : {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، وقال جلّ وعلا : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)، وقد خاطب الله ( عز وجل) نبيه (صلى الله عليه وسلم) قائلًا: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، فى إشارة دقيقة إلى أن الرحمة عامة لجميع مخلوقات الله تعالى، فالمسلم يرحم الناس كافَّة، أطفالًا ونساءً وشيوخًا، مسلمين وغير مسلمين، بل هى رحمة تتجاوز الإنسانَ بمختلف أجناسه وأديانه إلى الحيوان الأعجم، إلى الدواب والأنعام، وإلى الطير والحشرات! وقد أعلن النبى (صلى الله عليه وسلم) أن امرأةً دخلت النار؛ لأنها قَسَتْ على هِرَّةٍ ولم ترحمها، فقال : (دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِى هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا؛ فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ).
وأضافت الواعظة وفاء عبد السلام، خلال الحلقة الثانية لملتقى الفكر الإسلامى الذى ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وجاءت بعنوان: "خلق الرحمة"، :"كما بيّن (صلى الله عليه وسلم) أن الله (عز وجل) غفر لرجلٍ رحم كلبًا فسقاه من العطش، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ (رَضِى اللَّهُ عَنْهُ) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: " بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ العَطَشُ، فَنَزَلَ بِئْرًا، فَشَرِبَ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِى بَلَغَ بِي، فَمَلَأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ، فَسَقَى الكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ "، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ لَنَا فِى البَهَائِمِ أَجْرًا؟ قَالَ: « فِى كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ » .
وتابعت:"ولقد بعث الله (عز وجل) رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) رحمة للإنسانية ورحمة للعالمين، فقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}، ولم يعرف التاريخ، ولن يعرف له مثيلًا فى العفو والصفح، حيث دخل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مكة يوم الفتح متواضعًا خاشعًا لله (عز وجل) قائلا : " اليوم يوم المرحمة "، ولقد تفضل رب العزة سبحانه وتعالى علينا بشهر كريم، تتسع فيه الرحمات، وتعم فيه البركات، وتكثر فيه أعمال البر والخير والتراحم بين المسلمين، كالإطعام وإفطار الصائمين، والصدقة على المحتاجين، والعطف على الفقراء، والرحمة بالمساكين، والتوسع فى الصدقات، فرمضان شهر الرحمة، وهى فضل من الله تعالى، يضعها فى قلب من يشاء، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء، وقال (صلى الله عليه وسلم): (أتاكم شهر رمضان، شهر بركة، يغشاكم الله فيه برحمته، ويحط الخطايا، ويستجيب الدعاء، ينظر الله إلى تنافسكم فيه، ويباهى بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرًا، فإن الشقى من حرم رحمة الله ).
وفى كلمتها أكدت الواعظة مرفت عزت، أن شهر رمضان هو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، فعلينا أن نغتنم هذا الشهر الكريم لعل الله ينظر إلينا نظرة رحمة فلا نشقى بعدها أبدا، ونحن على يقين من سعة رحمة الله تعالى بخلقه، قال تعالى (وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ)، ويقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) : (لن يُنجِى أحدًا منكم عملُه قالوا ولا أنتَ يا رسولَ اللهِ قال ولا أنا إلَّا أن يتغمَّدَنى اللهُ منه برحمةٍ)، فالرحمة تعنى إيصال الخير للغير، وهى كلمة جامعة لمكارم الأخلاق كالرفق واللين والعطف والرأفة قال (صلى الله عليه وسلم) : (إِنَّ الرِّفقَ لا يَكُونُ فى شيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ)، والمعنى أن أى كلمة أو موقف إذا وجد الرفق فيه زانه وجمله، ويحدث فى المعاملة مع الناس المودة فيسود الأمن والحب فى المجتمع، وإذا لم يوجد الرفق والرحمة بين الأفراد انتشرت الكراهية والبغضاء فى المجتمع، مما ينعكس على المجتمعات بعدم الاستقرار واختلال الأمن فيها، فلا سلام ولا محبة، يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (لَنْ تُؤْمِنُوا حتى تراحمُوا قالوا : يا رسولَ اللهِ ! كلُّنا رَحِيمٌ . قال : إنَّهُ ليس بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ صاحبَهُ، ولَكِنَّها رَحْمَةُ العَامَّةِ)، وقال (صلى الله عليه وسلم) : (من لا يرحم لا يرحم) وأولى الناس بالرحمة هم الوالدان، قال تعالى : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا) .
وتابعت الواعظة مرفت عزت: "والرحمة لهما ليس فقط بلين القول وإنما بالوقوف على قضاء احتياجاتهما ففى قصة الرجل الذى جاء إلى النبى (صلى الله عليه وسلم) فقال : "يا رسول الله أردت أن أغزو، وقد جئت أستشيرك، فقال: «هل لك من أم؟» قال: نعم، قال: « فالزمها فإن الجنة تحت رجليها "، ومن صور الرحمة : الرحمة بالزوجة فلقد أوصانا الله تعالى وأمرنا فى كتابه العزيز بحسن العشرة، فقال تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)، وقال رسول (صلى الله عليه وسلم) : (استوصوا بالنساء خيرا)، وقال تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) .
واختتمت الواعظة مرفت عزت: "وكذلك من صور الرحمة : الرحمة بالأطفال فقد قبّل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الحسن بن على وعنده الأقرع بن حابس التميمى جالسًا، فقال الأقرع : إن لى عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحدًا، فنظر إليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثم قال: من لا يَرحم لا يُرحم )، ومن صور الرحمة : صلة الرحم والتراحم مع الأقارب، والرحمة لكى تكون خلقا لدى الفرد لابد ان يكون القلب رحيما محبا لخلق الله، قال تعالى : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)، وهنا أذكر بموقف لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وذلك بأنَّ أعْرَابِيًّا بَالَ فى المَسْجِدِ، فَثَارَ إلَيْهِ النَّاسُ ليَقَعُوا به، فَقالَ لهمْ رَسولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) : دَعُوهُ، وأَهْرِيقُوا علَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِن مَاءٍ -أوْ سَجْلًا مِن مَاءٍ- فإنَّما بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ ولَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ .