كان الوقت فجر يوم 15 إبريل، مثل هذا اليوم، 1986، حين بدأت 33 طائرة أمريكية «إف 111» فى شن 4 غارات واسعة على ليبيا، حسبما تذكر «الأهرام» يوم 16 إبريل 1986، مؤكدة أن عمليات القصف شملت خمسة أهداف فى طرابلس وبنغازى، ومناطق آهلة بالسكان، وشملت مقر إقامة الرئيس الليبى العقيد معمر القذافى الذى لم يصب.. وذكرت جريدة «الأخبار» يوم 17 إبريل 1968، أن ابنة القذافى بالتبنى «هناء» وعمرها 15 شهرا قتلت، وأن ابنيه «خميس» وعمره 3 سنوات، و«سيف العرب» وعمره 4 سنوات، أصيبا بنزيف فى المخ.
بعد الهجوم بساعتين، قال الرئيس الأمريكى «ريجان» فى خطاب تليفزيونى: «عندما يتعرض مواطنونا لهجوم أو لسوء المعاملة فى أى مكان فى العالم بناء على أوامر مباشرة من أنظمة معادية، فإننا سنرد طالما أنا فى هذا المنصب».. كان «ريجان» يقصد بكلامه حادث التفجير بقنبلة فى ديسكو «لابيل» فى مدينة برلين بألمانيا الغربية «قبل توحيد الألمانيتين» يوم 5 إبريل 1986، ووفقا للأهرام 6 إبريل 1986 فإن هذا الملهى كان يرتاده بصفة دائمة الجنود الأمريكيون المتمركزون فى المدينة، وأن شخصين على الأقل لقيا مصرعهما، وأصيب أكثر من 150 آخرين بينهم 30 فى حالة خطيرة، ومن بين الجرحى 44 أمريكيا 9 منهم فى حالة خطيرة، وأن جهة أطلقت على نفسها «جبهة التحرير العربية المناهضة لأمريكا»، أعلنت مسؤوليتها عن الحادث، وادعت أمريكا بأنها حصلت على نسخة لبرقية من عملاء ليبيين فى «ألمانيا الشرقية» شاركوا فى الهجوم.
وفقا للأهرام، فإن فرنسا وإيطاليا وإسبانيا رفضت السماح للطائرات الأمريكية بعبور مجالها الجوى، وأضافت: «انطلقت الهجمات من القواعد الأمريكية فى بريطانيا، ومن حاملتى الطائرات الأمريكية اللتين كانتا على مقربة من السواحل الليبية، وقطعت الطائرات القادمة من بريطانيا فى رحلتى الذهاب والعودة مسافة 10 آلاف و300 كيلومتر، وحاولت طائرات عسكرية أمريكية قصف مطار طرابلس الدولى مرة أخرى، لكن وسائل الدفاع الجوية الليبية تصدت لها».
وقدرت هيئة الإذاعة البريطانية «بى.بى.سى» أن نحو 100 قتيل وجريح انتقلوا إلى مستشفى طرابلس المركزى، وانتقلت أعداد كبيرة أخرى إلى مستشفيين آخرين، وأن من بين الضحايا أجانب غير ليبيين، وذكرت «الأهرام» أن السفارتين الإيرانية والسويسرية فى طرابلس تعرضتا لقصف مدمر، وأصيبت سفارات فرنسا وفنلندا واليابان بأضرار مادية، وحدد وزير الدفاع الأمريكى «كاسبار واينبرجر» الأهداف التى تم قصفها، وكانت ثكنة باب العزيزية فى طرابلس، وميناء سيدى بلال، والقاعدة العسكرية فى مطار طرابلس، وثكنة الجماهيرية فى بنغازى.
قوبلت هذه الغارات بإدانات دولية واسعة، ورفضتها أطراف أوروبية عديدة أبرزها، فرنسا وإيطاليا وإسبانيا واليونان، وكانت العلاقات بين مصر وليبيا مقطوعة رسميا منذ حكم السادات، غير أن الرئيس مبارك عقد اجتماعا مع المجموعة السياسية، وصدر بيان رسمى عبر عن «الاستياء الشديد»، وفقا للأهرام، 16 إبريل، 1986، وطالب «الأمة العربية بتحقيق التضامن لحماية مصالحها، وحقوقها، وسرعة عقد مؤتمر دولى للإرهاب»، أما الأحزاب فأدانت الهجوم، ووصفته بأنه يمثل قرصنة دولية، واستنكرت موقف الحكومة البريطانية لتقديمها المساعدات لتنفيذ العملية.
بعد هذه الغارة بأكثر من عشرين عاما، وفى أكتوبر 2008، وفقا لبوابة «أفريقيا الإخبارية، الإلكترونية»، كشف عبدالرحمن شلقم، سفير ليبيا فى روما وقت الحدث ووزير خارجيتها فيما بعد، أن رئيس الوزراء الإيطالى «بتينو كراكسى» أبلغه من خلال صديق مشترك يوم 11 أو 12 إبريل رسالة لنقلها إلى القذافى وهى: «انتبه ستحدث فى 14 أو 15 إبريل 1986 غارة أمريكية على ليبيا»
يضع «سامى شرف»، مدير مكتب الرئيس جمال عبدالناصر، هذه الغارات فى سياق محاولات المخابرات الأمريكية المستمرة للتخلص من القذافى.. يذكر فى الكتاب الرابع من مذكراته «سنوات وأيام مع جمال عبدالناصر»، أن «الزهرة» كان الاسم الكودى الشامل السرى للغاية الخاص بكل العمليات والخطط الأمريكية المناهضة للعقيد القذافى وثورة الفاتح الليبية، وتحت «الزهرة» كانت هناك أسماء كودية فرعية أخرى منها «تيوليب» وهو اسم العمليات التى تقوم بها عناصر ليبية معادية لنظام القذافى بالتعاون مع أمريكا وأجهزتها المختلفة، و«الوردة» كان الاسم الكودى للعمليات العسكرية الأمريكية ضد القذافى مع حلفاء لا سيما مصر.. يذكر أن هذه المعلومة وردت فى كتاب «الحجاب» تأليف الصحفى الأمريكى «بوب وودورد».
يضيف «شرف»، الرئيس الأمريكى ريجان، قال للقائمين على هذه العمليات: «لا تشغلوا بالكم بالحظر المفروض على الاغتيالات، وأنه شخصيا سيتحمل المسؤولية إذا ما لقى القذافى مصرعه».. يعلق شرف: «كبار القائمين على هذه العمليات كانوا يقدرون أن نجاحها سيؤدى إلى إعادة رسم خريطة الشمال الأفريقى».
.. واستمرت الغارات فى اليوم التالى
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة