أعد المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية دراسة حديثة حول أوضاع الغارمات في مصر، وأكد خلال الدراسة أن بذلت الدولة المصرية العديد من الجهود بشأن المشروعات الصغيرة والمتوسطة، حيث أعطى القانون رقم 152 لسنة 2020 بشأن تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر حوافز وإعفاءات وامتيازات ضريبية استفادت منها النساء بشكل كبير.
1.97 مليون سيدة استفادت من التمويل متناهى الصغر في 2020
أوضحت الدراسة أنه بناء على هذا القانون وبحسب الهيئة العامة للرقابة المالية، فقد استحوذت المرأة على النصيب الأكبر من التمويل متناهي الصغر، حيث بلغ عدد المستفيدات من النساء في نهاية الربع الثاني من عام 2020 نحو 1.97 مليون مستفيدة بنسبة 63.74%، وبأرصدة تمويل قدرها 8.19 مليارات جنيه، ساهمت تلك الأرقام -إلى حدٍّ كبير- في تعزيز النمو الاقتصادي للمرأة، والحد من وطأة الفقر، الذي يعرض فئة عريضة منهن إلى الاستدانة ومن ثم دخول السجن.
وذكرت الدراسة أن مصر أطلقت مبادرة "مستورة" من خلال بنك ناصر الاجتماعي، حيث تم تقديم برامج تمويلية للمرأة بهدف تحويل المرأة من متلقية للدعم إلى عنصر فعال وطاقة منتجة، وقد تم صرف 320 مليون جنيه، لأكثر من 19 ألف مستفيدة، بالإضافة إلى تخصيص 3000 قرض من قروض مستورة للسيدات من ذوي الاحتياجات الخاصة لدمجهن في الحياة الاقتصادية.
أوضحت الدراسة أنه فيما يخص الرعاية الاجتماعية تستفيد النساء من 89% من برامج الحماية الاجتماعية، وقد غطى التأمين الاجتماعي حوالي 426 ألفًا بمبلغ 164 مليون جنيه مصري حتى مارس 2020.
الأسباب الرئيسية وراء انتشار ظاهرة الغارمات في مصر
وأشارت الدراسة إلى أن مصطلح الغارمات يطلق على السيدات اللاتي لجأن للاستدانة لمساعدة أسرهن على تحسين الظروف الاقتصادية وتخطي الفقر، ولم يستطعن السداد في الوقت المحدد، مما تسبب في دخولهن السجن لفترات طويلة، ويتصدر سببان رئيسيان لحدوث تلك الظاهرة، أولها الاستدانة لشراء مستلزمات الزواج لأحد أبنائها، والتعثر في سداد أقساط تلك المستلزمات، مما يؤدي إلى سجن السيدة لعدم قدرتها على السداد. وثاني تلك الأسباب يتمثل فيما يعرف "بالضمانة"، حيث تضمن السيدة أحد أقربائها في التقسيط، وحين يتعثر الطرف الأول عن السداد يصير الضامن غارمًا وتتم مقاضاته، وكثيرًا ما يصيب هذا النوع السيدات، وبمجرد دخول الغارمات السجن يواجهن العديد من الضغوط الحياتية، سواء على الصعيد النفسي أو ضغوط خاصة بعلاقاتهن داخل السجن، أو ضغوط تواجه أسر الغارمات إذا كن العائل الوحيد للأسرة.
وأشارت الدراسة إلى أن الدولة استمرت لفترة في معالجة الظاهرة بأسلوب واحد هو الإفراج عن بعض تلك الفئة من النساء في المناسبات وخاصة عيد الأم، فأفرجت وزارة الداخلية عن العديد من النساء منذ عام 2010 وحتى عام 2013 بواقع 568 سجينة عام 2010 و358 عام 2011 و297 سجينة فقر في عام 2012. أما في عام 2013 فبلغ عدد الغارمات المفرج عنهن حوالي 99.
ومع حلول عام 2015، بدأ في الأفق وجود خطة بديلة ومعالجة جذرية لمشكلة الغارمات، فعملت الدولة على ثلاثة اتجاهات متكاملة،أولها: هو استمرار العفو عن الغارمات وخروجهن في المناسبات الرسمية، وذلك لتقليص الظاهرة والحد من تزايد أعداد الغارمين، وفي هذا الاتجاه تمت العديد من المبادرات الرئاسية، كان أولها "مبادرة مصر بلا غارمين" عام 2015، وكانت تلك المبادرة بمثابة الضوء لبعض المؤسسات الأخرى في الالتفات إلى الظاهرة. وفي عام 2018، انطلقت "مبادرة سجون بلا غارمين وغارمات"، بتوجيه من الرئيس عبدالفتاح السيسي، وقد أولى صندوق "تحيا مصر" اهتمامًا خاصًا لهذا الملف، حيث عمل على تنفيذ عدة محاور رئيسية منها: الدعم الاجتماعي، والرعاية الصحية، والتمكين الاقتصادي، ودعم التعليم والتدريب. لتلك الفئات الأكثر احتياجًا، وقد تم رصد ما يقرب من 30 مليون جنيه لتنفيذ تلك المبادرة، بالإضافة إلى الإفراج عن 6400 حالة من مختلف السجون حتى عام 2019.
مساهمات صندوق تحيا مصر للقضاء على ظاهرة الغارمات
كما كان للصندوق تجربة سابقة، حيث تم رصد مبلغ 12 مليون جنيه في عام 2016 لفك كرب ما يقرب من 1400 غارم وغارمة، ويعمل الصندوق كذلك على دعم المشروعات الصغيرة، وإطلاق العديد من المبادرات التي تمكّن الأسرة من إيجاد دخل مناسب لها، ويحميها من الوقوع في الدين. مثل "مبادرة دكان الفرحة" لتجهيز الفتيات الأولى بالرعاية، ورفع العبء عن كاهل أمهاتهن، لا سيما أن العديد من قضايا الغارمات تكون نتيجة استدانة الأم لتجهيز ابنتها. وقد كلف الرئيس الصندوق بتجهيز 2000 فتاة ضمن تلك المبادرة.
وأشارت الدراسة إلى أن الاتجاه الثانى يتمثل فى دراسة الظاهرة ومعالجتها، والوقوف على أسبابها، خاصة وأن لها أبعادًا ثقافية واجتماعية واقتصادية، وبهذا الصدد تم تشكيل اللجنة بناء على تكليف الرئيس عبدالفتاح السيسي، وذلك لما تشغله هذه القضية من اهتمام رئاسي على التشديد على حوكمة سداد الديون للغارمين واتخاذ الإجراءات الوقائية لحماية المواطنين غير القادرين من الاستدانة.
وقالت الدراسة أنه تم عقد أول اجتماعات اللجنة في يوليو 2020، بممثلين من الوزارات والجهات المعنية بقضايا الغارمات، وتهدف اللجنة لرعاية الغارمين والغارمات، بالإضافة إلى تحديد التعريف الخاص بالغارمين والغارمات ووضع الاستراتيجية والخطط القومية للسياسات الخاصة بهم وإجراء التعديلات اللازمة على التشريعات الخاصة بتلك الفئة، كما ستقوم اللجنة بإنشاء قاعدة بيانات موحدة للحصر الدقيق للمستحقين لضمان عدم ازدواجية سداد المديونية من أكثر من جهة، وربطها بالجهات ذات الصلة،كما تهدف اللجنة لتوحيد جهود الجمعيات والمؤسسات الأهلية والدينية العاملة على سداد ديون الغارمين والغارمات، وإعداد حملات توعوية لتعزيز ثقافة الاستهلاك الرشيد، والتوعية من أضرار اللجوء إلى السلف والاقتراض غير الآمن خاصة بالقرى الأكثر فقرًا.
صرف 65 مليون جنيه مصرى كنفقة لـ389 ألف امرأة مصرية
أوضحت الدراسة أنه فيما يتعلق بالاتجاه الثالث فيتمثل في دعم الغارمات بعد خروجهن ومواجهة الحياة حتى لا يرجعن للسجن مرة أخرى، بجانب دعم المعيلات للأسر من النساء حتى لا تضطرهن لخوض تلك التجربة،وللنساء الأكثر احتياجًا، فقد بلغ عدد الأسر المسجلة على قواعد بيانات "تكافل وكرامة" والضمان الاجتماعي حوالي 6.5 ملايين أسرة، بالإضافة إلى صرف 65 مليون جنيه مصري كنفقة لـ389 ألف امرأة مصرية.
وأكدت الدراسة أن الحكومة تعمل بكافة الطرق في القضاء على تلك الظاهرة، سواء بدراستها أو بدعم المرأة اقتصاديًا واجتماعيًا وحمايتها من الوقوع في براثن الدين. ولتكتمل تلك المنظومة لا بد من مجابهة كل مؤسسات الدولة لتلك الظاهرة، وخاصة الإعلام فيما يتعلق بدحض البعد الثقافي، والذي يتمثل في المغالاة في تجهيز الفتيات خاصة في الريف والصعيد، بالإضافة إلى توافر المظلة التشريعية من خلال سرعة إصدار القانون الخاص بالعقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحريات في الجرائم البسيطة والغارمات، والذي تم تقديمه للبرلمان في عام 2017، ويعتبر بمثابة حل تشريعي لقضايا الغارمات.