قالت مجلة الإيكونوميست البريطانية إن فيروس كورونا المستجد رغم الخسائر الفادحة التي ألحقها بالعمال عبر أنحاء العالم، إلا أنه أدى، في الوقت نفسه، إلى تغييرات سريعة على نظم العمل.
وأوضحت المجلة البريطانية في تقرير بهذا الشأن، أن "قبل تفشي وباء كورونا، كان الأمريكيون يقضون 5% من وقت عملهم في منازلهم، لكن هذه النسبة قفزت إلى 60% بحلول ربيع عام 2020، وجرى هذا التحول بصورة أفضل مما كان متوقعا".
وأضافت أن "العاملين من المنازل باتوا يعملون ساعات أطول وبإنتاجية أعلى، ومن المحتمل استمرار العمل من المنازل إذا رفع الإغلاق الذي فُرض في أعقاب تفشي وباء فيروس كورونا".
ولفتت إلى أن وباء كورونا تسبب في خسائر فادحة لعمال العالم، حيث أدى إلى فقدان ملايين الوظائف وارتفاع معدلات البطالة في كثير من الدول إلى مستويات تماثل ما تم تسجيله خلال ثلاثينيات القرن الماضي، وكان العمال الأساسيون يضطرون إلى التنقل بين منازلهم وأماكن عملهم معرضين أنفسهم لخطر الإصابة بفيروس كورونا والموت بأعداد كبيرة، في حين كان كثير من الموظفين المكتبيين يحصنون أنفسهم بالعمل داخل منازلهم.
وأضافت الإيكونوميست، "ولكن العمال - قبل فترة قصيرة من تفشي وباء كورونا - كانوا يشعرون بالقلق والتشاؤم بشأن عملهم، وكانوا يعتقدون أنهم قد يضطرون للعمل في وظائف بأجور متدنية إذا وجدوا مثل هذه الوظائف أصلا، وربما يتم الاستغناء عنهم إذا اتجه أصحاب الأعمال إلى استخدام أجهزة الروبوت الذكية "الإنسان الآلي" بدلا منهم، وأن ذلك سيؤدي إلى اتساع نطاق البطالة".
وأشارت إلى أنه "على الرغم من أن موجات الكساد والأوبئة كثيرا ما تؤدي إلى التشجيع على استخدام أجهزة الروبوت، إلا أنه ليس من المحتمل أن يتحقق هذا التهديد المزعوم في وقت يكون فيه العالم بدون عمل، وأن دراسات وأبحاث جديدة ظهرت لتدحض هذه التقييمات التي تتسم بالتشاؤم، حيث أشارت أبحاث أجريت في الدول السبع والثلاثين الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية إلى أن التصورات العامة عن عالم الأعمال تصورات مضللة بدرجة كبيرة، وأن سوق العمل قبل تفشي وباء كورونا كان بعيدا عن الكمال، لكنه كان أفضل مما يزعمه كثير من النقاد".
ونبهت إلى أنه "على الرغم من أن الوباء كان كارثيا بالنسبة للكثيرين، إلا أنه ربما يأتي بخير على عالم الأعمال لأنه يؤدي إلى تسريع إجراء تغييرات على نظام العمل ويسلط الضوء على المجالات التي يجب إجراء تحسينات بها".
وقالت الإيكونوميست إن استطلاعات آراء آلاف الأمريكيين أظهرت أن الموظف العادي يفضل العمل من المنزل نصف الوقت تقريبا، فيما بين استطلاع للرأي أجراه معهد جالوب أن مستوى الموظفين الأمريكيين المنخرطين في العمل وصل إلى أعلى مستوى له منذ عام 2000، مضيفا أن بعض أصحاب الأعمال يتوقعون السماح للموظفين بالعمل يوم واحد أسبوعيا من منازلهم، ويمثل ذلك تغييرا كبيرا عما كان يحدث في الماضي، فيما أفادت بيانات من نيوزيلندا بأن 27% من الموظفين عملوا في منازلهم بعض الوقت أسبوعيا خلال فترة الشهور الثلاثة السابقة لشهر ديسمبر عام 2020.
وذكرت المجلة البريطانية أن تتبع البيانات عبر محرك جوجل للبحث على شبكة الإنترنت أظهر أن مستوى تواجد العمال بأماكن العمل في كوريا الجنوبية كان أقل مما كان عليه قبل تفشي وباء كورونا.
وتابعت أن التحول إلى "نظام العمل الهجين"، الذي يمزج بين إنجاز بعض العمل في المكاتب والبعض الآخر في المنازل، سيكون له تأثير كبير على المديرين، ويؤدي إلى إجبارهم على اتباع أسلوب أفضل في عملية التواصل وتحسين السبل لإرضاء العاملين وتحسين أسلوب الحياة المكتبية للجميع.
وأضافت أن الوباء شجع المديرين على أن يكونوا أكثر ثقة في التكنولوجيا التي تسمح للعاملين بالتواصل والتعاون بطريقة فعالة، وعلى الرغم من أن فكرة استخدام المديرين أدوات للتحدث ومراقبة العاملين في منازلهم ربما تثير الشعور بالقلق، إلا أنه عادة ما يتم اعتبارها طريقة مشروعة، وسيؤدي ذلك أيضا إلى التحفيز لإجراء التغييرات التي تأخرت طويلا على قانون التوظيف لتوفير حماية أفضل للعاملين الذين يقضون وقتا أقل في المكاتب.
ونقلت المجلة عن إحدى الشركات القانونية أنه تم تسجيل زيادة في القوانين الجديدة لتنظيم العمل عن بعد، ومن المتوقع استمرار هذا الاتجاه، وأن ألمانيا تبحث فكرة منح الموظفين حق العمل عن بعد لعدد من الأيام سنويا، ومن المحتمل أن تحذو أيرلندا حذو بريطانيا في السماح بحق العمل من المنازل، على الرغم من أنه لن يتم إلزام أصحاب الأعمال بالموافقة على اتباع هذا النظام، وتشجع كل هذه المؤشرات على التوقع بأن المستقبل سيكون مشرقا بالنسبة لعالم الأعمال.
ولفتت المجلة البريطانية إلى أن الأمر الأقل إيجابية هو أن ذلك التحول سيؤدي إلى تعميق الانقسامات السياسية والثقافية بين العاملين المثقفين وباقي العمال.
وأوضحت أن الانقسام كان يتزايد قبل الوباء بين العاملين الأقل مستوى تعليمي والعاملين الأعلى مستوى، ولم يكن ذلك متعلقا بمكاسب الجانبين ولكنه كان يتعلق بما يعنيه العمل بالنسبة لكل منهما؛ حيث انخفضت ساعات عمل العاملين الأقل تعلما، وربما يرجع ذلك إلى احتمال أن ارتفاع أجورهم جعلهم يقتنعون بمستوى معيشتهم.
بيد أن ساعات عمل الموظفين الأكثر تعليما زادت لأنهم يستمتعون بعملهم، وأن أداءهم لعملهم بإتقان يمنحهم الإحساس بقيمة الذات، وفي ظل أداء الأعمال بطريقة جيدة من المنازل، فمن المحتمل السماح للعاملين الأفضل تعليما بمواصلة العمل خارج مكاتبهم بعض الوقت أسبوعيا.
واختتمت مجلة الإيكونوميست البريطانية، تقريرها، بقولها إنه في ظل هذه الأوضاع فإن وباء كورونا يحتم على الحكومات القيام بدور أكبر مما كان متوقعا منها في السابق، لاسيما فيما يتعلق بالعمل من أجل الحفاظ على العمالة بطريقة مستدامة وبذل الكثير من الجهد؛ للحد من حالة عدم المساواة واستحداث نظم أفضل لضمان حقوق الموظفين ومزايا الرعاية الاجتماعية لهم.