قدم الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، اليوم الأربعاء، تاسع حلقات برنامج "رؤية" للفكر المستنير حول كتاب: "حق الوطن"، حيث أكد أن هذا الإصدار من سلسلة "رؤية" للفكر المستنير، يأتى فى إطار الرد على الجماعات الإرهابية والمتطرفة، الذين لا يؤمنون بوطن ولا بدولة وطنية، وحاولوا أن يضعوا الناس فى مغالطة إما أن تكون مع الدين، وإما أن تكون مع الوطن، مع أن الذى ندين لله به، ونلقى الله (عز وجل) عليه : هو أن مصالح الأوطان من صميم مقاصد الأديان.
وأضاف جمعة:" وقد قالوا : إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل وأصالة معدنه، فانظر إلى مدى انتمائه لوطنه، واعتزازه به، وولائه له وانتمائه إليه، وقد قالوا : رجل فقير ضعيف فى دولة غنية خير من رجل غنى فى دولة فقيرة، لأن الأول : وهو الرجل الفقير فى دولة قوية غنية له دولة تحمله وتحميه وتحافظ على حقوقه فى الداخل والخارج، والآخر : مهما كان غنيًا فى دولة ضعيفة لا أمان له فى الداخل ولا فى الخارج، لأن الدولة الضعيفة لا تستطيع حماية أبنائها لا فى الداخل، ولا أن تحافظ على حقوقهم فى الخارج، فهذا الذى لا دولة له فاقد لمعنى الأمن والأمان، وكما قالوا قديمًا : الصحة تاج على رءوس الأصحاء لا يعرف حقيقتها إلا من يفتقدها، فإن الوطن تاج على رءوس الوطنيين الشرفاء، لا يعرف حقيقة الوطن إلا من فقد وطنًا آمنًا مستقرًا، لا يعرف فضل الأوطان إلا الشرفاء من أبنائها، وعبر التاريخ الإنسانى ما عمل أحد لوطنه إلا ربح الدارين".
وتابع جمعة:"وعلى مدار التاريخ الإنسانى لم يجد الناس فى صف الوطن خاسرًا، ولم يجدوا إنسانًا خان وطنه أو كان عميلًا لأعدائه إلا كانت نهايته فى الذل والهوان، وخيانة الأوطان هى الخيانة الكبرى، وهى أشد ألوان الخيانة، ثم إن من حقوق الوطن أن نفهم معنى المواطنة، والمواطنة مفاعلة، حقوق وواجبات متبادلة بين أبناء الوطن الواحد، دون أى تمييز على أساس الدين أو اللون أو الجنس، أو العرق، فالوطن لكل أبنائه، وهو بكل أبنائه، بل لأجياله المتعاقبة المتتابعة، وضريبة الوطن وحق الوطن لا يؤديه جيل واحد، إنما هى ضريبة على جميع الأجيال، ضحى آباؤنا وضحى أجدادنا".
واستطرد وزير الأوقاف:وها هى قواتنا المسلحة الباسلة وشرطتنا الوطنية، وعلى رأسها جميع قيادتنا السياسية، وكل وطنى شريف، الطبيب فى مشفاه، والمعلم فى مدرسته، والصانع فى مصنعه، والفلاح فى زرعته، على كل واحد منا واجب يؤديه تجاه هذا الوطن، ولما أخرج نبينا (صلى الله عليه وسلم) من مكة نظر إليها قائلًا : واللَّهِ يا مكة إنَّكِ لخيرُ أرضِ اللَّهِ وأحبُّ أرضِ اللَّهِ إلى ولولا أن أَهْلَكِ أخرَجونى منكِ ما خَرجتُ"، ولما هاجر النبى (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة أسس دولته العظيمة فى المدينة المنورة على أساس المواطنة فى وثيقة هى أعظم فى تاريخ البشرية، وثيقة المدينة المنورة التى رسخت لأسس العيش الإنسانى، والسلام الإنسانى على أساس المواطنة، وكان من أهم ما تضمنته هذه الوثيقة : أن يهود بنى عوف ويهود بنى ساعدة ويهود بنى النجار ويهود بنى جشم، وعد النبى (صلى الله عليه وسلم) يهود المدينة قبيلة قبيلة، ثم قال : وإن يهود بنى عوف أمة مع المؤمنين، وهكذا سائر القبائل لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، وانظر إلى الإنصاف النبوى العظيم فى هذه الوثيقة وفى نصها قبل أن يقول وللمسلمين دينهم يقول : لليهود دينهم، يقول تعالى: "لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ"، ويقول سبحانه : "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ"، فتلك سنة الله فى كونه، وفيها وإن ذمة الله واحدة، أى أن هذه الوثيقة ميزان عدل على الجميع وللجميع بالعدل لا تفرقة فيها على أساس الدين أو الجنس أو اللون أو القبلية، وهذا ما فهمه أصحاب سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وطبقوه عدلًا واقعًا فى حياتهم، ومن ذلك ما وقع بين ابن سيدنا عمرو بن العاص (رضى الله عنه) وبين غلام قبطى، إذ تسابقا فسبق القبطى ابن عمرو بن العاص (رضى الله عنه) فصفعه، وقال له : أتسبقنى وأنا ابن الأكرمين، فذهب القبطى إلى سيدنا عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) فلم يقبل سيدنا عمر بن الخطاب إلا أن يقوم القبطى بصفع ابن سيدنا عمرو بن العاص على النحو الذى صفعه إياه، ثم قال قولته المشهورة التى سجلها التاريخ بحروف من نور : يا عمرو "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا"، فالمواطنة الحقيقية والمساواة فى الحقوق والواجبات وعدم التمييز على أساس الدين أو اللون أو الجنس، وإعطاء كل مواطن حقه كاملًا غير منقوص هو سبيل الأمان الاجتماعى، وسبيل القوة للدول، وحق الوطن يتطلب التسامح بين أبنائه، "وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ"، فالتعامل بين أبناء الوطن يكون بالفضل وبالرحمة وبالمودة وبالمعاملة الحسنة، ومن أهم ما يقتضيه حق الوطن التسامح الدينى، يقول شوقى مصورًا حالة عظيمة فريدة فى المجتمع المصرى:
أعهدتنا والقبط إلا أمة
فى الله واحدة تروم مراما
نعلى تعاليم المسيح لأجلهم
ويوقرون لأجلنا الإسلام
هذه بيوتكم وتلك بيوتنا
متجاورين مودة ووئاما
هذه قبوركم وتلك قبورنا
متجاورين جماجم وعظاما
فبحرمة الموتى وواجب حقهم
عيشوا كما يقضى الجوار كراما
واختتم وزير الأوقاف قائلاً:"التسامح بين أبناء الوطن، نحمى معًا وطننا، عندما نحمى معًا مساجدنا ونحمى معًا كنائسنا، فإننا نحمى وطننا، وقد أكدنا أن من مات منا دفاعًا عن الكنيسة كمن مات دفاعًا عن المسجد، لأن الوطن لنا جميعًا وبنا جميعًا، ويطيب لى أن أختم بقول شوقى :
وللأوطان فى دم كل حر
يد سلفت ودين مستحق
وقوله :
لنا وطن بأنفسنا نقيه
وبالدنيا العريقة نفتديه
إذا ما سالت الأرواح فيه
بذلناها كأن لم نعط شيئًا
نقوم على البناية ماحيينا
ونعهد بالتمام إلى بنينا
وفيك نموت مصر كما حيينا
ويبقى وجهك المحمى حيا