سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 22 إبريل 1986.. إحسان عبدالقدوس يرثى صلاح جاهين: «ذهب عبدالحليم حافظ وذهب اليوم صلاح وكأنهما قررا الانتحار»

الخميس، 22 أبريل 2021 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 22 إبريل 1986.. إحسان عبدالقدوس يرثى صلاح جاهين: «ذهب عبدالحليم حافظ وذهب اليوم صلاح وكأنهما قررا الانتحار» إحسان عبد القدوس

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعد ستة أيام قضاها فى غيبوبة، مات الرسام، الكاتب، الممثل، الشاعر.. صلاح جاهين، يوم 21 إبريل 1986، ووصفته الأهرام فى كلمتها، 22 أبريل 1986.. قائلة: «الباسم الحزين، المكتئب الذى ملأ الدنيا فرحا، عبقرية الحب التى خرج منها عبقرية الحوار بينه وبين الناس.. مات العبدلله.. درش الذى أشاع فى جوانب مصر كلها أضواء «الليلة الكبيرة».. العاشق الذى غنى لمحبوبته مصر، كما لم يغنى لها من قبل».
 
عم الحزن على هذا المبدع الاستثنائى، الذى عاش كشمعة تحترق من الناحيتين، فمات وعمره 56 عاما «مواليد 25 ديسمبر 1930»، وعبر الكاتب إحسان عبدالقدوس عن هذا الاحتراق فى مقاله «وذهب صلاح جاهين ليتركنا نعيش الماضى لا المستقبل».. «الأهرام 22 إبريل، مثل هذا اليوم، 1986».
 
قال إحسان: «كنت أحس دائما بارتباطى بفن صلاح جاهين منذ بدأ يقدمه على صفحات «صباح الخير».. ومن طبيعتى كلما ارتبطت بأى فن أن أحس بمسؤوليتى عنه.. وحتى وإن لم أكن مرتبطا بشخص الفنان، فإن مسؤوليتى تدفعنى إلى تتبع فنه والكتابة عنه كأنى مسؤول معه.. وكنت طبعا مرتبطا بشخص صلاح جاهين بجانب ارتباطى بفنه، وكانت مسؤوليتى عنه تتعبنى وتؤرقنى وتفتت أعصابى.. كانت طاقة صلاح الفنية تدفعه إلى ممارسة كثير من الفنون.. كان يرسم الكاريكاتير.. ويؤلف الأغانى والمسرحيات وسيناريوهات السينما..وكان موسيقيا يضع الألحان، ويقوم بالتمثيل على المسرح، وأمام الكاميرا..و..و.
 
وكان ناجحا باهرا فى كل هذه الفنون، ومسؤوليتى عن فنه كانت تقنعنى بأنه لو تخصص فى فن واحد من هذه الفنون لاستطاع أن يصل إلى قمة أعلى من كل القمم التى ظهرت حتى اليوم.. وكان يغلبنى الاقتناع بأن القمة التى يستطيع الوصول بها إلى أعلى هى قمة الرسوم الكاريكاتورية، فهو لا يمتاز بروعة خطوطه التى يصور بها الشخصيات التى يرسمها، ولكنه يمتاز أكثر باختياره موضوع الصورة وتسجيل الحوار عليها.. لذلك كنت كلما التقيت به ألح عليه أن يتفرغ لفن الكاريكاتير وحده حتى يستطيع أن يصل به إلى أعلى..وكان إلحاحى يصل أحيانا إلى حد الصراخ فى وجهه كأنى مسؤول عنه ومعه.
 
وصلاح كعادته يتحمل صراخى بابتسامة هادئة صامتة دون أن يستجيب لآرائى أو يرفضها.. أذكر فى آخر لقاء لنا أن جاءنى ليعرض علىّ أن يكتب سيناريو لقصتى «الحياة فوق الضباب»، ويمثلها الفنان أحمد زكى، ورحبت بعرضه، وقلت له إنه يشرفنى أن يكتب سيناريو لأحد قصصى لأضمن نجاحها سينمائيا، ولكن بعد قليل بدأت أعرض عليه أنا أن يقوم برسم هذه القصة فى لوحات كاريكاتورية متتابعة من أولها إلى آخرها، وأتعهد بأن أعمل على نشرها فى كتب حتى نحقق فى مصر ما بدأ ينتشر فى العالم وهو قراءة القصص فى صور مرسومة لا فى كلمات مكتوبة، وابتسم صلاح ابتسامته الهادئة التى لا تعبر عن الاستجابة لرأى أو رفضه.
 
ولم أكن أحس بعدم استجابة صلاح للتفرغ لرسومات الكاريكاتير بأنه على خطأ، كنت أقدر أن طاقاته الفنية أوسع من أن تقتصر على فن واحد وأقوى من أن يستطيع السيطرة عليها وتخصيصها، وكنت ألوم نفسى أحيانا لأننى أستسلم لتعلقى بفن الكاريكاتير منذ بدأت أعى الفنون.
 
وكان إحساسى بمسؤوليتى عن فن صلاح يدفعنى إلى التتبع الدائم لحالته الصحية، فلم يكن أبدا فى حالة صحية عادية.. وأنا أؤمن أن الفنان ليس حرا فى حياته الشخصية بل يعتبر كأنه جندى مجند فى خدمة فنه، ويخضع للأوامر التى يفرضها عليه هذا الفن.. أى أن الفنان يعيش طول عمره فى «الجهادية» التى تجمع العساكر المجندين فى الجيش.. مع فارق أنها تمتد طوال عمر الفنان.. لذلك كنت مشغولا دائما بأخبار صحة صلاح.. ولا أكف عن نصحه كلما التقيت به من أن يضع حياته كلها فى حدود الحرص على صحته.. ولكن تعلقه بفنه كان أقوى من تعلقه بالحياة كلها بما فيها الحرص على صحته.. وكان عندما يضطر إلى الراحة أو إلى السفر للخارج للعلاج يعانى أكثر بحرمانه من إنتاجه الفنى ما يعانى وهو يعمل وينتج.
 
إن إحساسى بصلاح كان يوازى إحساسى بعبدالحليم حافظ.. كان عبدالحليم أيضا يدفعه تعلقه بمطالب فنه إلى عدم الاستجابة لمطالبه الصحية.. وكنت أواجهه بلوم مرير يصل إلى حد الصراخ، وأكاد أهجم عليه وتقييده فى فراشه كأب يخاف على ابنه كلما استسلم لمطالب فنه، مضحيا بمطالب صحته، ومطالب بقائه على قيد الحياة.. ولكن عبدالحليم أيضا لم يستطع أن يقاوم ما يفرضه عليه فنه.. وذهب عبدالحليم، وذهب اليوم صلاح.. ذهبا كأنهما ألقيا بنفسيهما بين براثن الفن كأنهما قررا الانتحار، وكل منهما لم يكن مجرد شخص ولكنه كان أكبر أمل فى مستقبل مصر الفنى.. وقد فقدنا أملا أصبحنا نعيشه كماضٍ، وهو ماضٍ لن يضيع ولن ننساه أبدا.. لقد أخذانا كلنا لنعيش الماضى لا المستقبل.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة