عم محمد أشهر كبابجى فى منطقته، معروف دائمًا بجدعنته وشهامته، يلجأ له الكبير قبل الصغير، وكان رجلا عطوفا وكريما وشهما، ولكن للقدر اختيارات أخرى فلم يتخيل للحظة واحدة أن يكون مصيره فى دار إيواء المشردين وهو قعيد على كرسى متحرك لم يسأل عنه أحد من أبنائه أو جيرانه ولم يرَ حتى أحفاده، ولكن مع الوقت تأكد أن وجوده فى دار الإيواء رحمة من عند ربنا وعوضًا عن فقدان الأبناء والأحفاد.
ففى دار الإيواء يرى عم محمد من يهتم به ويقوم بكل طلباته والأجمل من ذلك أنه موجود فى دار تضم الكبار والصغار المشردين من الشوارع، فالأطفال كانوا عوضًا له عن حرمانه من أحفاده.
فى الجانب الآخر يوجد فى دار الإيواء عدد كبير من الأطفال الصغار الأكبر منهم لم يتجاوز الأربع سنوات اتحرموا جميعا من حضن الأبوين ومن إحساس الأمومة والعائلة وهنا كانت نقطة التلاقى بينهم فى بيت رحيم رحمهم من الحرمان والوجع.
ففى إحدى دور الإيواء يوجد مبنى للرجال ومبنى للأطفال تجمعهم سفرة واحدة فى رمضان يعيشون الأجواء كأنهم فى بيوتهم يسمع الصغير للكبير وينصت لكلامه ونصائحه ويفرح الكبير بحضن الأطفال الصغار الذين عوضوهم عن الحرمان والوحدة.
يعتبر عم محمد، من أكثر القصص المؤثرة فى الدار، حيث قال عم محمد لـ اليوم السابع: "محدش من ولادى بيسأل عليا بعد ما ربيتهم وكبرتهم وجوزتهم، صعبت عليا نفسى ومكنتش متخيل إن كل ده يحصل وبعد ما كونت أشهر كبابجى فى منطقتى بقيت فى دار لإيواء المشردين بس الحمد لله أنا مش زعلان وعايش هنا ومبسوط بالناس وبالأطفال".
لم تكن حكاية عم محمد هى الحكاية الوحيدة فى دار الإيواء ولكن هناك حكايات وقصص مختلفة اتفقت جميعها على الحب والعطف بعد سنوات من الحرمان والظلم.
عاش "اليوم السابع" يومًا رمضانيًا فى دار للمشردين تجمع الكبار والصغار فهناك قابلنا عم أحمد الذى تخطى الستين عامًا ولكن روحه ما زالت طفوليا وبريئة وقلبه مليء بالعطف والحنان على الأطفال، حيث قال لـ"اليوم السابع": "بعد فترة طويلة من معاناتى بره الدار لما بقابل الأطفال هنا فى الدار بحس إن روحى أتردتلى تانى عيشت اللى عمرى ما عيشته وشوفت منهم حنية وحضن اتحرمت منه بسبب ولادى اللى رمونى، هنا بقعد معاهم وبنتكلم وبنلعب وبنهزر بنعمل كل حاجة مع بعض وعمرى ما حسيت إنى وحيد هما فعلا عوضونى عن حضن ولادى وأحفادى هما فعلا أحفادى".
ومن جانبه قال حسين أحد النزلاء فى دار الإيواء: أنا انفصلت عن زوجتى وجيت الدار هنا لأنى كنت مريض ووحيد وهنا فى الدار لقيت اللى ملقتوش بره، لما بشوف الأطفال بفتكر ابنى الصغير اللى اتحرمت منه وبعيط كل ما بشوفهم بس بفرح لأنهم معوضنى عن فراقى عن ولادى وبدعى ربنا يقدرنى وارجعلهم تانى".
كانت الأجواء فى الدار مليئة بالبهجة والروحانيات فهناك يجتمع الأطفال مع الكبار فى الفطار والصلاة وقراءة القرآن وفى تعليق زينة رمضان والغناء سويا والاحتفال بشهر رمضان.